هل ينجح الرئيس الأفغاني في إقناع واشنطن بإبطاء انسحاب قواتها

هل ينجح الرئيس الأفغاني في إقناع واشنطن بإبطاء انسحاب قواتها

خلّفت زيارة الرئيس الأفغاني إلى الولايات المتحدة الخميس، تساؤلات عن مدى قدرته على إقناع إدارة الرئيس جو بايدن على إبطاء انسحاب قواته وذلك في الوقت الذي تُعزز فيه طالبان مكاسبها على الأرض، وفيما استبعد خبراء أن ينجح أشرف غني في ذلك حيث تبدو آمال العودة عن هذا القرار ضئيلة، إلا أن القمة المرتقبة توجه رسالة طمأنة للأفغان أن الولايات المتحدة لن تتخلى عنهم وستواصل جهودها في دعم عملية السلام العسيرة في مرحلة ما بعد الانسحاب.

كابول – بدأ الرئيس الأفغاني أشرف غني الخميس زيارة إلى واشنطن فيما يتساءل المتابعون عن نتائج هذه الزيارة ومدى قدرته على إقناع الأميركيين في إبطاء الانسحاب من بلدهم خاصة وأن حركة طالبان تسجل تقدما عسكريا كبيرا على الأرض.

وفيما يتخوف البعض من تغلب المتمردين على القوات الحكومية الأفغانية المحبطة أساسا من الوضع، بعد إنجاز انسحاب القوات الأميركية بحلول سبتمبر القادم، يرجح المتابعون أن يطلب غني تأجيل الانسحاب الأميركي أو اقتراح الاستعانة بقوات أخرى خاصة أن كل القراءات تؤكد أن طالبان عائدة بقوة لاجتياح البلاد، وذلك في الوقت الذي لا تزال فيه محادثات السلام بين طالبان والحكومة الأفغانية في طريق مسدود.

وفيما تنفذ الولايات المتحدة حتى الآن انسحابها من أفغانستان بحزم وبسرعة لأن الرئيس الأميركي جو بايدن يريد إنجازه بحلول 11 سبتمبر في الذكرى العشرين للاعتداءات التي دفعت بواشنطن إلى التدخل للإطاحة بنظام طالبان، إلا أن عدة عوامل قد تدفع بالولايات المتحدة إلى إبطاء انسحاب بعض الوحدات، بينها تقدم طالبان ميدانيا ومصير الأفغان الذين تعاونوا مع واشنطن وباتوا يخافون على أرواحهم وأمن مطار كابول الحيوي لإبقاء تواجد دبلوماسي للولايات المتحدة في البلاد.

وبينما أكدت وزارة الدفاع الأميركية الأربعاء أنّ وفدا من وزارتي الدفاع والخارجية سيتوجه هذا الأسبوع إلى تركيا لبحث ملف تأمين مطار حامد كرزاي الدولي في العاصمة الأفغانية كابل، نفت أنقرة ذلك.

وأكدت على لسان وزير الدفاع خلوصي أكار الخميس أن أنقرة وواشنطن لم تتفقا بعد بخصوص تشغيل مطار كابول. لافتا إلى أن “المناقشات في هذه المسألة ما زالت مستمرة، وفي هذا الإطار، جاء الوفد الفني الأميركي إلى وزارتنا اليوم، وبدأت مباحثاتنا في هذا الشأن، ولم نتخذ أي قرار بعد حول ذلك”.

ويعلق الأفغان آمالا على زيارة الرئيس غني لإثناء واشنطن عن قرار الانسحاب الذي يجري بوتيرة سريعة إلى حد أن البعض قدر بأن الموعد المرجح لإنجازه قد يكون في مطلع يوليو، لكن توقعات الخبراء ضئيلة بشأن نجاح غني في هذه المهمة خاصة أنّ بايدن متمسك بوجهة نظره في أفغانستان ولم يعد يراهن على وجود قوات بلاده هناك في الوقت الذي يتزايد فيه نفوذ قوى منافسة مثل الصين وروسيا في ملفات أخرى.

ويستبعد المتابعون أن توضح القمة المرتقبة بين بايدن وغني معالم السياسة الأميركية تجاه الأفغان بعد قرارهم الانسحاب، أو أن ينجح غني في حمل بايدن على مراجعة قرار تسريع الانسحاب، لكن مع ذلك تبقى الرسالة المهمة لهذا الاجتماع، أن واشنطن لن تتخلى على أفغانستان وستعمل على دعم عملية السلام والعملية الديمقراطية بالبلد في مرحلة ما بعد الانسحاب.

الوضع العسكري الداخلي
مع تسارع الانسحاب الأميركي، حققت حركة طالبان تقدما عسكريا كبيرا، مؤكدة أنها سيطرت على أكثر من 80 من الأقاليم الأفغانية الـ421.

وسيطرت هذا الأسبوع على معبر شير خان بندر (شمال) الحدودي، المعبر الرئيسي مع طاجيكستان والذي يشكل ممرا حيويا في العلاقات الاقتصادية مع آسيا الوسطى.

هذا التقدم العسكري الذي يبدو أنه أثّر على معنويات قسم من الجيش الأفغاني قد يدفع واشنطن إلى تأخير انسحاب جزء من جيشها كما أقر هذا الأسبوع بشكل غير مباشر الناطق باسم البنتاغون جون كيربي.

وأوضح كيربي “إذا كان هناك أي تغييرات يتعين إجراؤها في وتيرة أو نطاق أو حجم الانسحاب في أي يوم أو أسبوع، فنحن نريد الاحتفاظ بالمرونة للقيام بذلك”. لكنه أكد أن هذا الأمر لن يؤثر على استحقاق 11 سبتمبر، محذرا من أن الدعم الذي يقدمه الجيش الأميركي للقوات الأفغانية للتصدي لطالبان لن يستمر إلى الأبد.

وأضاف “طالما لدينا القدرات في أفغانستان، سنواصل تقديم المساعدة للقوات الأفغانية لكن عندما يقترب الانسحاب من نهايته، فإن هذه القدرات ستنخفض ولن تكون متاحة بعد الآن”.

وتتهم طالبان خصومها من القوات الأفغانية بأنهم غالبا ما يلقون السلاح أو يغادرون مراكزهم دون قتال. وبالنسبة إلى الحكومة هذا خيار تكتيكي يقوم على الانسحاب من مواقع معزولة للتركيز على المواقع الإستراتيجية. لكن حتى حين تخوض القوات الأفغانية القتال، فهي تتكبد أحيانا خسائر فادحة.

في مواجهة التقدم السريع للمتمردين، قام غني بتعديل وزاري شمل وزيري الداخلية والدفاع، لكن بالنسبة إلى عدد من المحللين فإنه لا يملك حلولا، وهو مازال بحاجة إلى دعم أميركي والدول القوية الأخرى.

ويقول مقربون من السلطة إن الرئيس بات منفصلا عن الواقع ومعزولا في القصر الرئاسي وليس هناك أي أصدقاء إلى جانبه.

ويؤكد دبلوماسي غربي رفض الكشف عن اسمه أن الرئيس “لم يعد يستمع سوى إلى ثلاثة أو أربعة أشخاص بينهم مدير مكتبه ومستشاره للأمن القومي وبالطبع زوجته”. ويضيف “هناك الوضع التقليدي للقصر، لكن هناك أيضا العامل الشخصي مع غني لأنه يرتاب من كل الناس”.

وفيما لا يزال الرئيس الأفغاني يأمل في إقناع طالبان بقبول دور في حكومة وحدة وطنية مؤقتة تهدف إلى تمهيد الطريق لإجراء انتخابات، لكن يبدو أنّ المتمردين الذين شجعتهم نجاحاتهم العسكرية، ليس لديهم أي نية بالمضي أبعد في المفاوضات، بل يعتزمون استعادة السيطرة على البلاد وفرض نفس النظام الأصولي الذي كان قائما أثناء حكمهم بين 1996 و2001.

ويخيف نهج طالبان المحافظ بعض شرائح المجتمع. وأبرز المحلل الأفغاني سيد ناصر موسوي “ثمة ما يدعو إلى الاعتقاد بأنهم قد يكونون حتى ازدادوا تطرفا على مر السنين من خلال محاربة قوات أجنبية غير مسلمة”.

وفي تقديره فإن جهود طالبان لتقديم نفسها كقوة فاعلة قادرة على حكم أفغانستان ومنح حقوق للنساء والأقليات ما هي إلا خدعة.

وبالنسبة إلى الأفغان الذين لديهم الإمكانات المالية فإنهم يعتزمون مغادرة البلاد، في حين أن العديد من كبار المسؤولين أرسلوا أساسا عائلاتهم إلى الخارج، أما الأفغان الذين لا يملكون إلا خيار البقاء في وطنهم، فإنهم يحلمون فقط أن يعمّ السلام بعد عقود من الحرب.

من المحتمل أن تسيطر حركة طالبان على كابول خلال العام الذي يلي مغادرة القوات الأجنبية لأفغانستان، لكن سقوط الحكومة ليس حتميًا إذا تمت قيادة الجيش الأفغاني بشكل جيد، وفق ما ذكر بعض خبراء الأميركيين عشية زيارة الرئيس غني إلى البيت الأبيض.

ويثير التقدم العسكري الذي أحرزته طالبان في أفغانستان قلق المجتمع الدولي الذي يخشى أن يستعيد المتمردون زمام السلطة في البلاد، لكن بعض الخبراء الذين لديهم عدة سنوات من الخبرة في أفغانستان دعوا في لقاء مع وسائل إعلامية إلى عدم المبالغة في تقدير إمكانيات المتمردين الأفغان.

ونبهوا، في المقابل، من أن مظاهر الفساد والانقسامات العرقية التي أصابت القوات الأفغانية منحت أفضلية لطالبان التي أطاحت بها عن السلطة الولايات المتحدة في عام 2001 لإيوائها جهاديي القاعدة، منفذي هجمات 11 سبتمبر.

وتشير تحليلات جديدة لأجهزة الاستخبارات الأميركية نقلتها صحيفة “وول ستريت جورنال” الأربعاء، إلى أن طالبان قد تسيطر على البلاد في غضون 6 إلى 12 شهرًا بعد انسحاب القوات الأميركية المتوقع بحلول سبتمبر.

ويرى أندرو واتكينز، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية ومستشار الأمم المتحدة السابق في أفغانستان، أنه “من غير الممكن إنكار حجم وسرعة الخسائر في الأراضي التي مُنيت بها الحكومة الأفغانية” لافتًا إلى “أن سقوط كابول ليس وشيكًا. حيث أن طالبان ليست أداة ساحقة لا يتعذر قهرها”.

وأوضح أن معظم المقاطعات التي سيطر عليها المتمردون تقع في مناطق ريفية ذات قيمة إستراتيجية ضئيلة. ورغم وجود بعضها على طرق رئيسية أو حول مدن كبيرة فإنهم “لن يحاولوا بالضرورة الاستيلاء على هذه المدن في المستقبل القريب”.

واعتبر كارتر مالكاسيان المستشار السابق في البنتاغون أن “فرص استيلاء طالبان على كابول في المدى القريب ‘ضئيلة’ لكن من ‘الممكن’ أن يحدث ذلك خلال عام، خاصة إذا شهدنا سقوط مدن مثل قندهار أو مزار الشريف، حينها سيساورني القلق من سقوط كابول”.

وتوقع مبعوث باراك أوباما السابق لأفغانستان جيمس دوبينز من مركز “راند” للدراسات حدوث تصعيد فوري للأعمال القتالية محذرًا من أن السكان قد يصابوا بالإحباط في حال وقعت المدن الكبرى بقبضة طالبان. وبرأيه فإن “حركة طالبان تتمتع بمزايا معينة خلافا للحكومة المنقسمة، لكن هذه المزايا تخدمها في الريف حيث يتواجد أنصارها”.

وطرأ تغير على السكان الأفغان منذ التسعينات، حيث أصبحوا أكثر تمدنًا وأفضل تعليمًا وأقل عزلة عن بقية العالم بفضل الهواتف المحمولة بشكل خاص. وليس لدى طالبان الكثير من المؤيدين في المدن الكبيرة حيث توجد جميع البنى التحتية.

وأوضح دينيز “أن كابول أضحت الآن مدينة يبلغ عدد سكانها 5 ملايين نسمة. لم تعد كما كان عليه الحال عندما سيطرت الحركة عليها. أعتقد أنها ستجد صعوبة في المحافظة عليها إذا سيطرت عليها”.

هنا، يتوقف الأمر الآن على قدرة الرئيس الأفغاني أشرف غني في السيطرة على الحكومة وتغلب الجيش الأفغاني على مشاكله المتمثلة في الإحباط والفساد وسوء الإدارة.

ويلفت الخبراء إلى أن الجيش الأفغاني محق في التركيز على حماية المدن الكبرى والطرق الرئيسية في البلاد خاصة أن خسائر الحكومة للمناطق سيكون لها تأثير سياسي في نهاية المطاف. وعلق واتكينز “هناك مخاطر أن يصاب الجميع بالذعر، من أبسط جندي.. إلى قمة هرم الدولة”.

ويستنتج الخبراء أنه يتعين على الجيش الأفغاني إظهار القوة والمرونة كي تتخلى طالبان عن السعي إلى السيطرة على البلاد بالقوة، وفي تقديرهم تمثل الفرصة الوحيدة للحكومة الأفغانية في كبح جماح الحركة في إظهار مقاومة تتمتع بقوة كافية لإعادة طالبان إلى طاولة المفاوضات.

العرب