أدى قرار مجلس الأمن الدولي بتجديد الآلية العابرة للحدود إلى تجنب وقوع كارثة إنسانية في سوريا، لكنه يترك لروسيا نفوذاً أكبر من أي وقت مضى لتعزيز أهدافها السياسية في تلك البلاد. على واشنطن تعزيز التزامها بتطوير روابط مباشرة مع المنظمات غير الحكومية الشعبية في سوريا لكي لا تكون آلية الأمم المتحدة السبيل الوحيد للمنظمات الإنسانية في إدلب أو أي منطقة أخرى من أجل تسيير الشؤون اليومية.
في العاشر من تموز/يوليو، مرّر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2585 لتجديد وصول المساعدات الإنسانية من تركيا إلى شمال غرب سوريا لمدة ستة أشهر، مع خيار تمديدها لمدة ستة أشهر إضافية. ونتيجةً لذلك، يمكن لكل من الولايات المتحدة وروسيا إعلان فوزهما نوعاً ما. ونجحت واشنطن وشركاؤها في تجنّب كارثة إنسانية بشكل مؤقت، لكن هذا النجاح توقّف على قرار إدارة بايدن بتحديد أهداف محدودة وتقليص مشاركتها في المسائل الأوسع نطاقاً حول التسوية السياسية المستقبلية. ومن ناحية أخرى، احتفظت موسكو بموقعها القوي في سوريا، بينما أشار المسؤولون الأمريكيون إلى عدم استعدادهم لتغيير الوضع الراهن. وعلى الرغم من استمرار تدفق المساعدات في الوقت الحالي، فمن غير الواضح ما إذا كانت واشنطن ستتمكن أو ستُقدم على استغلال الزخم لممارسة الضغط من أجل التوصل إلى تسوية دبلوماسية أوسع. وتراجعت موسكو عن محاولة إنهاء مهمة الأمم المتحدة العابرة للحدود بشكل نهائي، إلا أن النطاق الكامل للتنازلات التي قامت بها واشنطن لمنع ذلك لا يزال غير واضح.
فجوة أخرى
من الناحية النظرية، تُعتبر المساعدات الإنسانية غير مرتبطة بالسياسة، كما ينص القانون الدولي على ضرورة عدم إعاقة هذا النفاذ إلى المساعدات. ومن الناحية العملية، كان تقديم المساعدات إلى الشعب السوري مصدر متكرر للنزاع الدبلوماسي بين روسيا والغرب.
لقد أنشأت الأمم المتحدة برنامج المساعدات الإنسانية العابرة للحدود عام 2014 بعد أن حذرت الجماعات التي كانت تقدّم المساعدات من أن نظام بشار الأسد كان يتلاعب في توفير المساعدات لمكافأة حلفائه ومنع وصولها إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. وفي البداية، وافق مجلس الأمن على فتح أربعة معابر لتمرير المساعدات المسموح بها: معبر من الأردن، وآخر من العراق، ومعبران من تركيا. وتمّ تجديد العمل بهذه المعابر بشكل متكرر حتى عام 2020، عندما استخدمت موسكو حق النقض (“الفيتو”) لخفض عدد المعابر إلى اثنين ومن ثم إلى واحد فقط: “باب الهوى” في محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة. وخدمت عمليات الإغلاق المصالح الروسية من خلال ممارسة ضغوط اقتصادية على الأراضي التابعة للمعارضة وتعزيز السردية الموالية للأسد بأن المساعدات المرسلة عبر قنوات غير خاضعة للنظام انتهكت “سيادة” سوريا. وقد رفضت موسكو الإقرار بجرائم الأسد ضد شعبه أو الاعتراف بأن سيادة الدولة ليست ضوءاً أخضر لانتهاك حقوق الإنسان من خلال منع وصول المساعدات وغيرها من الانتهاكات. وباستثناء الصين، رفضت الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي حجة موسكو وأشارت إلى أن إغلاق المعبر الأخير سيؤدي إلى مجاعة واسعة الانتشار نظراً للتحديات اللوجستية والسياسية التي تواجه توفير مساعدات “عابرة للخطوط الداخلية” من دمشق إلى مناطق المعارضة.
ومع ذلك، استمرت تهديدات الكرملين باستخدام حق النقض – حيث يعلن المسؤولون الروس كل ستة إلى اثني عشر شهراً، أن الحرب “انتهت” وأن الوقت قد حان لإنهاء التفويض العابر للحدود بالكامل. وكل عام يقتربون من هذا الهدف. وحتى الآن، ساهمت الجهود الجبّارة التي تقودها الأمم المتحدة إلى تفادي كارثة لـ 4 ملايين سوري يقطنون جميعهم في إدلب، لكن حياتهم ستكون في خطر فوري إذا تمّ إغلاق المعبر الأخير. وتم توزيع ما يقرب من 1000 شاحنة مليئة بالمساعدات هناك كل شهر على مدار العام الماضي، ويتم إرسال الإمدادات الأساسية مثل المواد الغذائية ومياه الشرب على أساس يومي إلى جانب المستلزمات الطبية وغيرها من المساعدات الضرورية لإنقاذ الأرواح.
من سنة إلى ستة أشهر
يضمن القرار الجديد بقاء معبر “باب الهوى” مفتوحاً لمدة ستة أشهر على الأقل، ولعام كامل على الأرجح حالما يصدر الأمين العام للأمم المتحدة “تقريراً موضوعياً” حول “شفافية العمليات” و”التقدّم المحرز في العمليات العابرة للخطوط الداخلية” لإيصال المساعدات من دمشق إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة (انظر أدناه). وبعد اعتماد القرار، صرّحت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس-غرينفيلد بأن فترة التمديد الثانية في كانون الثاني/يناير لن تتطلب جولة أخرى من التصويت في مجلس الأمن.
لكن القرار لا يعيد فتح أي معابر تمّ إغلاقها سابقاً. وكان ذلك طلباً أساسياً من الولايات المتحدة ودول أعضاء أخرى في مجلس الأمن، لكن سفير روسيا لدى الأمم المتحدة أصرّ منذ حزيران/يونيو على أن ذلك “لن يحصل”.
وكان الحل الوسط الآخر هو السماح بإجراء تحقيق من قبل الأمم المتحدة في كيفية إيصال المساعدات إلى إدلب، وطريقة استخدامها بعد وصولها. وغالباً ما تزعم موسكو أن المساعدات عبر الحدود قد يتم تسميتها بشكل مضلل من قبل المرسلين أو الاستيلاء عليها من قبل جماعات المعارضة، وأن المتمردين يعيقون عمليات توصيل المساعدات العابرة للخطوط الداخلية من دمشق لأسباب سياسية. ومع ذلك، أشارت السفيرة توماس-غرينفيلد في حزيران/يونيو إلى أن النظام يتحمل المسؤولية إلى حد كبير عن هذا الوضع: “منذ إغلاق «باب السلام»، لم تنجح أي من قوافل المساعدات العابرة للخطوط الداخلية في الوصول إلى إدلب. فقد منع نظام الأسد مرور ما لا يقل عن نصف قوافل الأمم المتحدة في المناطق الخاضعة لسيطرته. وهناك مناطق في سوريا لم تشهد عبور شحنة واحدة عبر الحدود الداخلية خلال 18 شهراً”. وعلى الرغم من فتح التحقيق من قبل الأمم المتحدة لاسترضاء روسيا، إلا أنه سيوفر أيضاً فرصة لتسليط المزيد من الضوء على تسييس نظام الأسد للمساعدات التي تمر عبر دمشق. والسؤال الفعلي الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت موسكو ستقبل استنتاجات الأمين العام للأمم المتحدة، لأنها غالباً ما رفضت تقارير الأمم المتحدة السابقة بشأن الحرب في سوريا.
وفي تنازل آخر لصالح روسيا، يصادق القرار 2585 أيضاً على مشاريع إعادة الإعمار “للتعافي المبكر” التي كانت الولايات المتحدة وشركاؤها قد ربطوا تنفيذها سابقاً بالتقدّم نحو التوصل إلى تسوية سياسية أوسع نطاقاً. وبشكل خاص، يشجع القرار “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” و”منظمات أخرى” على البدء بأعمال التعافي المبكر لتوفير الملجأ للسوريين المشردين. وبالفعل، تُعتبر هذه الصياغة غامضة، فلا أحد ينكر الوضع المأساوي الذي يواجهه العديد من المدنيين حالياً. ومع ذلك، فإن الدول الغربية التي توفر نحو 90 في المائة من تمويل وكالات الأمم المتحدة كانت قد عارضت في السابق هذه الخطوة وأعربت عن قلقها بشأن تحويل موارد المساعدات من قبل الأسد.
وسبق التصويت على الحل الوسط ما يقرب من أربعة أشهر من المفاوضات المكثفة بين الدول الأعضاء، إلى جانب استعراضات استراتيجية من قبل روسيا. وعلى الرغم من عدم الوضوح بشأن السياسة العامة لإدارة بايدن تجاه سوريا، إلّا أنها قد ركزّت باهتمام شديد منذ آذار/مارس على ضمان تجديد للمساعدات يساهم في زيادة عدد المعابر. وفي خطاباتهم وتغريداتهم واجتماعاتهم وراء الأبواب المغلقة، مارس جميع المسؤولين وصولاً إلى الرئيس الأمريكي ضغوطاً من أجل استمرار وصول المساعدات الإنسانية إلى إدلب. ومن ناحية أخرى، حاولت روسيا جعل التجديد مشروطاً بتأمين تنازلات في أقسام أخرى من الملف السوري، وعلى رأسها رفع العقوبات. كما عززت وجودها العسكري واستخدمت قوة مختارة لإظهار سلطتها القسرية. على سبيل المثال، أودت غارة جوية روسية بحياة مدني واحد على الأقل قرب “باب الهوى” في آذار/مارس، في حين كثف نظام الأسد قصفه المدفعي في الأشهر الأخيرة، حيث ضرب مستشفيين في أراضٍ تابعة للمعارضة، من بين أهداف أخرى.
توصيات في مجال السياسة العامة
نظراً لأن إدارة بايدن وصفت المفاوضات بأنها اختبار لاستعداد روسيا للتعاون مع الولايات المتحدة في المجالات ذات الاهتمام المشترك، فإن أهمية القرار تتخطى سوريا. ومع ذلك، في حين أن الدبلوماسية الفعالة بين البلدين مفيدة للاستقرار الدولي، على واشنطن ألا تقلل من شأن تبعات تقديم الكثير من التنازلات حول سوريا. فلن يستمر نجاحها الدبلوماسي إلا إذا عززت ميزان القوة الذي سعت إلى إقامته خلال الفترة التي سبقت صدور القرار 2585.
أولاً وقبل كل شيء، يعني ذلك توضيح أن اللغة التي ترحب بمشاريع “التعافي المبكر” لا تغير سياسة واشنطن الإجمالية القائمة على معارضة إعادة الأعمار إلى حين يتم التوصل إلى تسوية سياسية. وفي هذا الصدد، لا يجدر بالمسؤولين الأمريكيين الاعتماد فقط على القنوات الثنائية مع روسيا لمناقشة الجوانب غير الإنسانية للنزاع؛ بل عليهم أن يعملوا بشكل وثيق مع الشركاء الأوروبيين والعرب لإعادة رسم معالم العملية الدبلوماسية، على سبيل المثال من خلال ربط “المجموعة الصغيرة بشأن سوريا (أي الولايات المتحدة وبريطانيا ومصر وفرنسا وألمانيا والأردن والمملكة العربية السعودية) بما يسمى عملية أستانا (روسيا وتركيا وإيران).
يجب أن تضمن واشنطن أيضاً استخدام التقرير المستقبلي للأمين العام للأمم المتحدة حول فجوات تسليم المساعدات العابرة للخطوط الداخلية بشكل مناسب. ومن المرجح أن تدحض موسكو دقة التقرير إذا لم يحمّل الجماعات المتمردة في إدلب مسؤولية الوضع. ورداً على ذلك، على الولايات المتحدة وشركائها:
استخدام التقرير للتذكير بأن النظام يسيء استخدام عمليات تسليم المساعدات ويعيقها.
تحميل منسق الأمم المتحدة بشأن سوريا مسؤولية تطبيق المبادئ الإنسانية في إطار علاقته مع نظام الأسد.
الطلب من الأمين العام للأمم المتحدة التصدي للتواطؤ بين وكالات الأمم المتحدة والنظام.
دعم المنظمات غير الحكومية الموجودة في دمشق خلال تفاوضها مع مؤسسات النظام لزيادة استقلاليتها في اختيار المستفيدين من المساعدات.
وفي الوقت نفسه، على كافة الأطراف البحث عن بدائل مفيدة لعملية الأمم المتحدة العابرة للحدود. فاعتماد كامل على هذه الآلية يؤدي إلى حافة الهاوية كل ستة أشهر، في ظل انتزاع روسيا المزيد من التنازلات مقابل السماح للأمم المتحدة بمواصلة عملها الذي ينقذ أرواح السوريين. ولعل الأهم من ذلك هو أنه يجب على واشنطن تعزيز التزامها بتطوير روابط مباشرة مع المنظمات غير الحكومية الشعبية في سوريا لكي لا تكون آلية الأمم المتحدة السبيل الوحيد للمنظمات الإنسانية في إدلب أو أي منطقة أخرى من أجل تسيير الشؤون اليومية.
كالفين وايلدر
معهد واشنطن