أرقام مصرفية من قطر تقلب انطباعات توطين الوظائف في الخليج

أرقام مصرفية من قطر تقلب انطباعات توطين الوظائف في الخليج

الدوحة – بدأت دول الخليج تكتشف، بعد التقدم في مسار توطين الوظائف، أن الأمر ليس بهذه السهولة، بالرغم مما يلاقيه هذا المسار من حماس شعبي، وأن الحاجة إلى العمالة الوافدة ستظل ضرورية بالنسبة إلى اقتصادياتها.

ورغم الضغوط التي يتعرضون إليها لإجبارهم على المغادرة، فإن نظرة على ما يقدمونه وينفقونه في الخليج تكشف أنهم محرك اقتصادي كبير، حيث أشار تقرير لمصرف قطر المركزي إلى أن الوافدين يحوزون على ثلث السيولة في البلاد.

وأظهرت بيانات حديثة صادرة عن المصرف أن إجمالي ودائع المقيمين في قطر بلغت حتى نهاية الشهر الماضي نحو 689 مليار ريال (189.2 مليار دولار)، بزيادة نسبتها 2.4 في المئة مقارنة بـ 673 مليار ريال (184.8 مليار دولار) خلال ذات الفترة من العام الماضي.

وبالتوازي، تشير تقارير أخرى إلى أن الاقتصاديات الخليجية بدأت تتأثر بشكل جلي من استراتيجية التخلص التدريجي من العمال الأجانب وتعويضهم بعمال محليين لا يمتلكون نفس الخبرات ولا الاستعداد لتحقيق نفس المردودية، وأنها بدأت تعاني من الركود.

ولاحظ مراقبون محليون أن الدول التي اعتمدت التوطين تشهد ركودا في أسواق العقارات والإيجارات والمطاعم وبيع السلع، وهو ما يوضح حجم الخسارة المترتبة عن طرد يد عاملة متخصصة بالعمل في مختلف القطاعات، وخاصة في القطاع الخاص الذي لا يجلب اهتمام العمالة المحلية.

وتشير تقارير في صحف محلية بالدول التي تقدم فيها تنفيذ خيار التوطين إلى أن العقارات خالية الآن ولا يعرف أصحابها من المواطنين كيف يسددون قروض البنوك، والأمر نفسه بالنسبة إلى المطاعم التي أغلقت بسبب الخسائر. كما توقف أغلب الانشطة الاقتصادية التي يمتلكها مواطنون والتي تعتمد على تشغيل الوافدين.

وعزا التقرير الأخير لـ وكالة ستاندرد أند بورز، الذي صدر في فبراير الماضي، هذا الوضع إلى “ضعف نمو القطاعات غير النفطية، وسياسات توطين القوى العاملة”، متوقعا أن تتعرض “إنتاجية دول مجلس التعاون الخليجي إلى الركود”، خاصة فيما يتعلق بمستويات الدخل والتنوع الاقتصادي.

ويعتقد المراقبون أن خيار توطين الوظائف لم يكن يراعي حاجيات الاقتصاديات الخليجية بقدر ما كان خطوة سياسية لطمأنة المواطنين بشأن مستقبلهم، ومنع تسرب القلق إليهم في منطقة سيطرت عليها التوترات والاحتجاجات. كما أنه يخفي نظرة أنانية تتعامل مع الوافدين على أنهم عنصر ظرفي يمكن التضحية به لإرضاء المواطنين دون تقييم هذه الخطوة وتأثيرها على الاقتصاد وعلى استقرار المجتمعات.

وتزامنت سياسات التوطين مع فرض الضرائب والرسوم على الوافدين بغرض تنويع الإيرادات وعدم الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل.

وإلى حد الآن، لم يظهر خيار طرد العمالة الوافدة أنه يؤتي نتائجه، إذ لم تتقلص نسب البطالة بين المواطنين الباحثين عن شغل، كما لم تحدث الحيوية الاقتصادية المطلوبة خاصة في القطاع الخاص الذي يبحث عن عمالة مربحة وذات خبرات وبأقل التكاليف، فيما يبحث العمال المحليون عن الأعمال المريحة في القطاع العام مع الحصول على رواتب وعلاوات عالية.

وصدرت تحذيرات من أن الرهان على العمالة المحلية في القطاع الخاص قد يقود إلى الركود كما قد يعيق مساعي الخليجيين لاستقطاب الاستثمارات الخارجية.

وقال عيد الشهري الخبير الاقتصادي الكويتي في تصريحات سابقة لوكالة الأناضول إن خطط التوطين تزيد راتب الموظف المحلي بسبب القوانين التي تجبر الشركات على تعيين المواطنين بتكلفة أعلى.

وتشير التقديرات إلى أن العمالة الوافدة تشكل نحو 90 في المئة من القطاع الخاص في دول الخليج، التي تعتمد عليهم في العديد من الصناعات والخدمات.

ويحذر المراقبون من انسياق الدول الخليجية وراء الخطاب الشعبوي الذي يحمّل الوافدين مسؤولية كل الأزمات من البطالة إلى كورونا، معتبرين أن هذا الخطاب قد يحل أزمة البطالة مؤقتا ويلقى حفاوة لدى نشطاء على مواقع التواصل المختلفة، لكنه قد يفرز نتائج سلبية على المديين المتوسط والبعيد.

ولفت هؤلاء إلى أن الزيادة الكبيرة في فاتورة أجور القطاع العام لاستيعاب المواطنين الباحثين عن عمل سوف تؤدي إلى أعباء إضافية على الدول التي تواجه أزمات أخرى على المستوى الاقتصادي والأمني. كما أن فشل خيار التوطين في الاستجابة للطلبات المرتفعة من الباحثين عن عمل مريح في القطاع العام قد يقود إلى توترات اجتماعية وسياسة.

العرب