روسيا والغرب… اختلاف على الأسد وتوافق على فدرلة العراق

روسيا والغرب… اختلاف على الأسد وتوافق على فدرلة العراق

MERKEL-PUTIN-OBAMA-CAMERON01-05MAY201

كان للقاء الرئيسين الأمريكي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأهمية الكبيرة في الأوساط العربية والعالمية، نظرا لمتطلبات خطورة الوضع الإنساني في سوريا والعراق، على الرغم من حدة الاختلافات في مواقف واشنطن وموسكو، بشأن آفاق حل الأزمة السورية ومصير الرئيس السوري بشار الأسد.
تكمن أهمية هذا اللقاء في احتمالات بدء تعاون مشترك ممكن لإنهاء الحرب في سوريا، التي أودت بحياة أكثر من 240 ألف شخص، ناهيك عن تهجير وتشريد الملايين، على الرغم من تباين المواقف في الوصول إلى حل حول بقاء بشار الأسد، الذي تدعمه روسيا وترفضه كل من أمريكا وفرنسا. وإذ كان الرئيس بوتين محقا نوعا ما في تشخيصه ورؤيته للحالة السورية، التي سببها وجود «تنظيم الدولة الإسلامية» (داعش)، والجرائم التي اقترفت بحق الشعب السوري، بيد انه لم يكن على الإطلاق موضوعيا في قراءته للمشهد الشرق أوسطي، بتغاضيه عن الدور المحرك والخطير الذي سهل ولادة «داعش» على أرض العراق، ومن ثم انتقاله إلى الشام، إذ يعرف القاصي والداني أن سقوط الدولة العراقية وإبدالها بنظام طائفي تابع لإيران، وحرمان المكونات العراقية الأخرى من حقوقها المدنية في المواطنة والأمان، تم استغلاله وتوظيفه لصالح «تنظيم الدولة الإسلامية» المتطرف، فقد كان للإرهاب والتطرف الطائفي القادم والمُسير من قم وطهران، أهم أسباب توسع تنظيم «داعش»، الذي تحاول أمريكا وروسيا إدانة جرائمه في سوريا، وتصمت عن الارهاب الطائفي التابع لميليشيات ولاية الفقيه الايراني وجرائمها في العراق.
وعلى الرغم من هذا الاختلاف في الرؤى، في ما يتعلق بمستقبل الرئيس السوري السياسي ومستقبل الدولة العراقية، تبدو تصريحات الرئيس بوتين الأخيرة في موضوع الملف السوري، وولادة تحالف روسي إيراني سوري عراقي، وتزامن إعلانه مع لقاء الرئيس الأمريكي اوباما على منصة الأمم المتحدة، في هذا الوقت بالذات، على أنها إشارة لا تقبل الشك في وجود تقارب واتفاق روسي ـ أمريكي، هدفه إطلاق مبادرة في الشرق الأوسط، تجمع الجميع إلى طاولة المفاوضات والاتفاق على نظام سياسي وعسكري للقضاء على منابع التطرف الديني في المنطقة.
من هنا لم تعد حقيقة الوجود السياسي والعسكري الروسي المعلن لمحاربة تنظيم «داعش»، حصرية على المشهد السوري، خصوصا بعد تأكيد الجهات العراقية رسميا بوجود تحالف عسكري عراقي ـ إيراني ـ سوري مركزه بغـداد، ويرتبط بموسكو لمحاربة ما يدعى بتنظيم «الدولة الإسلامية»، بالإضافة إلى إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين للصحافة الأمريكية عن سعي بلاده إلى وضع سياسة منسقة مع إيران وبمشاركة النظامين العراقي والسوري التابعين لها لمحاربة هذا التنظيم في العراق وسورية.
وهذا ما قد يقلب المعادلات والموازين في العراق، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الدور المحوري الأمريكي في عراق ما بعد 2003، الذي تسيره واشنطن وتفرض عليه ما يتفق مع سياساتها ومصالحها الاستراتيجيـــــة في المنطقة.
فهل أهدت أمريكا بلاد الرافدين مرة أخرى إلى روسيا بعد أن أهدته سابقا إلى إيران، وهل سينجح بوتين في تحقيق ما عجز عنه أوباما في العراق؟ أم أنه بداية لصراع أمريكي ـ روسي على خريطة الشرق الأوسط؟
في ظل تعدد واختلاف القراءات المتعلقة بفحوى لغز الزحف الروسي نحو العراق في هذا الوقت بالذات، وعلنية الغطاء الأمريكي والغربي له في الأمم المتحدة، تتفاوت آراء مراقبي المشهد الإقليمي، وتتناقض من خلال هذا المشهد الجديد القراءات التحليلية، لتتراوح ما بين نظريات المساومة السياسية التقليدية بين القطبين الأمريكي والروسي، الهادفة إلى إنقاذ رئيس النظام السوري بشار الأسد وتثبيت الوجود العسكري للدب الروسي في المياه العربية الدافئة، وبين نظريات المناورة والتكتيك السياسي والعسكري الروسي، للضغط على إدارة اوباما في ما يخص الملف السوري فقط، إذا أخدنا بعين الاعتبار الأهمية الاقتصادية التي يتمتع بها العراق لدى الولايات المتحدة الأمريكية، وصعوبة تخلي الإدارة الأمريكية عن البلد الذي احتلته في 2003، وشيدت في عاصمته أكبر سفارة لها في العالم، بعد التضحيات البشرية والمادية الهائلة التي منيت بها من جراء احتلالها لهذا البلد.
وبمعنى آخر قبول الأطراف بوضع معادلة لاقتسام المنطقة، بحيث تكون سوريا وموانئها على البحر المتوسط من حصة روسيا، فيما تكون بلاد الرافدين وآبارها النفطية العملاقة من حصة الولايات المتحدة. وهذا ما قد يعيد إلى الذاكرة فترة تقاسم منطقة الشرق الأوسط المتمثلة باتفاقية سايكس ـ بيكو سيئة الصيت، خصوصا أن كل العوامل المشجعة والملائمة لهذا التقسيم، اكتملت بعد تدمير هيكل وأسس الدولة العراقية وبنيتها الاجتماعية على يد المليشيات الإيرانية، وبعد أن تمت إزالة الحدود الجغرافية بين غرب العراق وشرق سوريا على يد تنظيم «داعش».
لا يمكن للمرء ان يتصور ماذا سيكون وضع العراق الجديد، بعد أن عززت آليات التقسيم الطائفي التي جاء بها النظام الجديد، حيث سيتم دفع المحافظات العراقية في الجنوب والفرات الأوسط إلى تشكيل إقليم الجنوب الغني بالنفط، على غرار إقلــــيم كردســــتان الذي عزز اكتــــفاءه الــــذاتي والاقتصادي، والاستفادة من الضوء الأخضر الغربي لتصدير النفط والغاز إلى تركيا والاتحـــــاد الأوروبي، في ظل فساد وفشل الحكومة العراقية في بغداد في الالتزام بواجباتها الأســـاسية لتوفير الأمن والخدمات والعيش الرغيد للمواطن العراقي، الذي ثار ويثور عليها كل يوم في بغـداد والبصرة والمدن الأخرى.
قد ينجح التوافق الأمريكي ـ الروسي الجديد في بناء آلية سياسية وعسكرية مشتركة للقضاء على «داعش» وإدامة كرسي الأسد وديمومة النظام العراقي، ولكن قد لا يستطيع في ظل الظروف الحالية المفروضة على أرض الواقع، إعادة وحدة سوريا والعراق ولحمتهما الوطنية، وقد ينجح الرئيس بوتين وبمساعدة إيران والولايات المتحدة الأمريكية من طرد «داعش» من سوريا والعراق، ولكن ما الفائدة في طرد «داعش» والسماح للميليشيات الإيرانية التي أقسمت بالولاء للولي الفقيه، وبغياب وجود جيش عراقي يدين للولاء للوطن. وهذا ما قد يقود العراق مباشرة للاستسلام إلى الأمر الواقع والقبول بمبدأ النظام الفدرالي، الذي بدأ الغرب بالتلويح به في الآونة الأخيرة، والذي هو شئنا أم أبينا بمثابة المرحلة الأولى في عملية التقسيم واندثار العراق العزيز علينا جميعاً.

أمير المفرجي

صحيفة القدس العربي