ما إن قررت روسيا رفع مستوى دعمها نظام الرئيس السوري بشار الأسد – والذي بلغ حدّ التدخل العسكري المباشر – حتى طلبت إسرائيل عقد لقاء على أعلى مستوى مع القيادة الروسية، بغرض التنسيق العسكري بين الطرفين في سورية. واستجابت روسيا لهذا الطلب على الفور، وحُدِّد موعدٌ لزيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية موسكو في الحادي والعشرين من أيلول / سبتمبر 2015[1]. رافق نتنياهو خلال الزيارة، وهي الخامسة له منذ تولّيه رئاسة الحكومة قبل ست سنوات، وفدٌ عسكري كبير شمل رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي غادي آيزنكوت، ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية هرتسي هاليفي، ورئيس “هيئة الأمن القومي” يوسي كوهين، والسكرتير العسكري للحكومة اليعيزر طوليدانو.
ومثّل التنسيق بين إسرائيل وروسيا بشأن تطورات الأوضاع في سورية في ضوء تصعيد الوجود العسكري الروسي فيها، الموضوع الرئيس للزيارة. وإلى جانب المحادثات التي ضمّت نتنياهو وبوتين لأكثر من ساعتين، عقد رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي اجتماعًا مع نظيره الروسي فاليري غراسموف وبحث معه تبعات زيادة الوجود العسكري الروسي على إسرائيل. واتفق رئيسَا أركان الجيش الروسي والإسرائيلي على تشكيل لجنة عسكرية مشتركة برئاسة نائبيهما للتنسيق بين الجيشين الروسي والإسرائيلي، لا سيّما في المجالات الجوية والبحرية والإلكترونية لمنع أيّ خطأ في التقديرات أو سوء فهم قد يؤدي إلى احتكاك غير مقصود بين قوات الطرفين، بخاصة في ما يتعلق بنشاط سلاح الجو الإسرائيلي في سورية[2]. وبعد مشاورات بين الجانبين الروسي والإسرائيلي، تقرَّر عقد الاجتماع الأول لهذه اللجنة في الخامس من تشرين الأول / أكتوبر 2015.
الموقف الإسرائيلي من التصعيد الروسي
على الرغم من عدم وضوح حجم القوات العسكرية التي أرسلتها روسيا أو تنوي أن ترسلها إلى سورية ونوعيتها، بصورة نهائية، وعلى الرغم من عدم وضوح الأهداف الحقيقية البعيدة لروسيا من وراء هذه الخطوة، عدّت إسرائيل زيادة مستوى التدخّل العسكري الروسي في سورية أمرًا مهمًا يمكن أن يخدم أهدافها وسياساتها. فالتدخّل الروسي وفقًا للرؤية والتحليلات الإسرائيلية سيمنع سقوط نظام بشار الأسد ويطيل أمد الحرب، ويجعل منطقة الساحل التي يطلق عليها الإسرائيليون “سورية الصغرى”، منطقة نفوذ روسية تحت حكم بشار الأسد، ما يزيد من تشظي سورية واحتمالات تقسيمها إلى مناطق نفوذ مختلفة. وينسجم هذا كلّه مع سياسات إسرائيل ومواقفها التي بلورتها منذ تفجّر الثورة في سورية، وهي إطالة أمد الحرب في سورية أطول فترة ممكنة من أجل إضعاف سورية الدولة والشعب والجيش إلى أقصى درجة ممكنة، وإبقاء نظام بشار الأسد في الحكم، ولكن ضعيفًا، لكي يبقى هناك عنوان رسمي يجري التفاهم معه.
أمّا المحاذير الإسرائيلية، فترتبط ارتباطًا مباشرًا بمدى قدرة إسرائيل على الاستمرار في فرض خطوطها الحمراء التي حددتها منذ بداية الصراع في سورية، مع الأخذ في الحسبان الزيادة الملحوظة في حجم الوجود العسكري الروسي في سورية.
منذ انطلاق الثورة في سورية، حددت إسرائيل خطوطًا حمراء لنظام بشار الأسد، إذا ما جرى اختراقها فإنّ إسرائيل تتدخل عسكريًا؛ وهي: عدم نقل أسلحة ثقيلة من سورية إلى حزب الله ومنظمات أخرى في لبنان، ويشمل ذلك السلاح الكيماوي ومنظومات الدفاع الجوي المتطورة وصواريخ أرض- بحر متطورة وصواريخ أرض – أرض بعيدة المدى. وشملت الخطوط الحمراء أيضًا رفض إسرائيل وجود قوات تابعة لحزب الله وإيران في المنطقة المتاخمة لحدود الجولان السوري الذي تحتلّه إسرائيل؛ وذلك في حين رحّبت إسرائيل بتدخّل قوات حزب الله والقوات الإيرانية في الحرب لمصلحة النظام في المناطق الأخرى من سورية، لاعتقادها أنّ هذا التدخّل يخدم هدفها في إطالة أمد الحرب في سورية، وفي تأجيج الصراع الطائفي فيها وفي المنطقة، وفي استنزاف كلٍ من حزب الله وإيران ومختلف أطراف الصراع. وفي سياق سياسة الخطوط الحمراء هذه، استباحت إسرائيل الأراضي السورية، وشنّت منذ بداية 2013 أكثر من عشرة اعتداءات جوية على أهداف عسكرية في سورية شملت مناطق دمشق واللاذقية، لم تتلق أيّ ردٍ عليها[3].
أهداف الزيارة
سعى نتنياهو في هذه الزيارة إلى التوصل إلى تفاهم مع روسيا بخصوص جملة من القضايا، وهي: الحفاظ على حرية التحرك العسكري الإسرائيلي في سورية، في ضوء انتشار القوات العسكرية الروسية في الساحل السوري ومناطق أخرى، والتنسيق بين الطرفين لمنع وقوع صدام غير مقصود بين الجيشين الإسرائيلي والروسي، وطلب مساعدة روسيا لمنع نقل أسلحة متطورة من أيّ منطقة سوريّة إلى حزب الله في لبنان، ومنع وجود قوات من حزب الله وإيران في المنطقة الجنوبية من سورية المحاذية لهضبة الجولان، وضمان ألّا يهدد وجود قوات من حزب الله وإيران في سورية أمن إسرائيل، وإعادة تأكيد التفاهمات السابقة بين إسرائيل وروسيا بخصوص عدم تزويد النظام السوري بأسلحة روسية حديثة من شأنها أن تمسّ بالتفوق الإسرائيلي أو تشوّش عليه، وفي مقدمتها منظومات الصواريخ المتطورة المضادة للطائرات[4].
وتأكيدًا لكلّ ذلك، أشار نتنياهو في كلمتيه قبل لقائه بوتين وبعده، إلى ضرورة التنسيق بين إسرائيل وروسيا تجاه الوضع في سورية، وأكّد أنّ “ثمة أهمية بالغة للغاية لمنع أيّ سوء فهم بين الطرفين”. وأشار نتنياهو إلى أنّ إسرائيل تعمل لمنع تحويل أسلحة متطورة من الأراضي السوريّة إلى حزب الله، وأنّها تعمل ضد محاولات إيران وحزب الله فتح جبهة ضد إسرائيل في الجولان، وأكّد على المضيّ قدمًا في العمل لتحقيق هذه الأهداف، وأنّ زيادة القوات العسكرية الروسية في سورية في الأسابيع الأخيرة لا تؤثّر في ذلك[5]. ولكي لا يترك مجالًا للشكّ، أضاف نتنياهو أنّه اصطحب معه وفدًا عسكريًا رفيع المستوى ليوضح للقيادة الروسية سياسة إسرائيل الأمنية والعسكرية في سورية، تفاديًا لحدوث سوء تفاهم. أمّا بوتين، فقد أكّد أنّ العمليات التي قامت بها روسيا في الشرق الأوسط اتسمت دومًا بالمسؤولية. وأضاف “نحن نعي أنّه يجري إطلاق قذائف صاروخية على إسرائيل ونحن نستنكر هذه الاعتداءات”. وأردف، إنّ الجيش السوري لا يستطيع فتح جبهة في الجولان “ومع ذلك إني أتفهّم قلقكم”[6]. جاءت هذه التصريحات لتؤكد حرص بوتين على العلاقات مع إسرائيل التي مثّلت محطته الخارجية الأولى بعد عودته إلى سدة الرئاسة في أيار / مايو 2012. كما أنّ إسرائيل كانت في مواقفها من الثورات العربية عمومًا أقرب إلى مواقف روسيا منها إلى موقف الولايات المتحدة. وقد ساد تفاهم كامل بينهما في هذا الشأن.
خاتمة
استجابت روسيا في العقدين الماضيين لطلبات إسرائيل والولايات المتحدة بعدم تزويد سورية بأسلحة روسية “كاسرة” للتفوق العسكري الإسرائيلي. وفي زيارته الأخيرة إلى موسكو، سعى نتنياهو إلى التأكّد من أنّ الأسلحة الروسية التي وصلت إلى سورية في الشهر الأخير لن تستخدم لإعاقة حرية العمل التي غدا سلاح الجو الإسرائيلي يمتلكها في الأجواء السوريّة، بما في ذلك في منطقة الساحل السوري. كما سعى نتنياهو إلى الحصول على التزام روسي بالعمل لمنع نقل أسلحة متطورة إلى حزب الله في لبنان من أيّ منطقة في سورية، ومنع أيّ نشاط عسكري ضد إسرائيل انطلاقًا من الأراضي السوريّة. ويبدو أنّ نتنياهو حصل على استجابة روسية لكلّ هذه الطلبات، ولطلب إسرائيل تنسيق الطرفين نشاطهما العسكري في سورية من خلال إنشاء اللجنة العسكرية المشتركة. وهي خطوة مهمة في تطوير ما أصبح يمكن تسميته بالشراكة الروسية الإسرائيلية التي تأسست في عهد بوتين.
[1] ألون بن دافيد، “لكي لا تنتهي للأبد”، معاريف، 25/9/2015، على الرابط:
http://www.maariv.co.il/journalists/journalists/Article-499353
[2] جيلي كوهين، “جيشا روسيا وإسرائيل يقيمان لجنة مشتركة لتنسيق النشاطات في المنطقة”، هآرتس، 21/9/2015، على الرابط:
http://www.haaretz.co.il/news/politics/1.2736401
[3] عاموس هارئيل، “مهم لإسرائيل الخطوط الحمراء في سورية أكثر من تلفون أحمر بين هيئة الأركان والكرملين”، هآرتس، 21/9/2015، على الرابط:
http://www.haaretz.co.il/news/politics/1.2736388
[4] أودي ديكل، “حان الوقت لبلورة قوانين لعبة جديدة في سورية”، مباط عال، عدد 750 24/9/2015، معهد دراسات الأمن القومي.
[5] براك رفيد، “نتنياهو: اتفقت مع بوتين على آلية لمنع صدام بين الجيش الإسرائيلي والقوات الروسية في سورية”، هآرتس، 21/9/2015، على الرابط:
http://www.haaretz.co.il/news/politics/1.2736180
[6] المرجع نفسه.
المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات