الخرطوم- يدعم خبراء زراعيون في السودان بقوة فكرة الاستفادة القصوى من سد النهضة الإثيوبي الذي توشك البلد الجارة إكمال بنائه على بعد 15 كيلومترا فقط من الحدود السودانية، كما يتعاظم اليقين بأن الإعلام والسياسة يسوقان متخذي القرار في هذا البلد بعيدا عن النظر إلى النصف المملوء مما يمكن أن يحققه السد.
ويقع سد النهضة على بعد 20 كيلومترا من الحدود السودانية، ويبلغ ارتفاعه 145 مترا فيما يصل طوله إلى 1708 أمتار، ويمكن أن يستوعب خزان سد النهضة 74 مليار متر مكعب من الماء، حال التمكن من ملئه بالكامل خلال 5 سنوات على أقل تقدير.
وبرغم سحابة الخلافات الكثيفة التي تظلل أجواء البلدان الثلاث المعنية بسد النهضة -وهي السودان ومصر وإثيوبيا- بسبب تعثر الاتفاق على مسائل فنية تتعلق بملء والتشغيل؛ فإن السودان يبدو أكثر دعما لبنائه مقارنة بمصر، خاصة أن المشروع بمقدوره التقليل من فيضان النيل الأزرق الذي يتزايد منسوبه في موسم الأمطار، كما يمنح السد البلاد التي تعاني نقصا في الإمداد الكهربائي إمكانية الوصول إلى الطاقة الكهرومائية.
غير أن مسؤولي الحكومة السودانية يقولون إنهم بحاجة إلى ضمانات من الإثيوبيين بشأن قضايا السلامة بالتنسيق المشترك قبل فتح البوابات أو إغلاقها للتحكم في كمية المياه المتدفقة.
وثمة جانب آخر يتصل بالتغييرات المناخية والبيئية التي يمكن أن يحدثها السد، للحد الذي قد يصل إلى التأثير على المحاصيل التي تزرع في السودان على امتداد النيل الأزرق المقام عليه السد وهو ما يعده خبراء مختصون إيجابية كبيرة ينبغي على السودان التفاعل معها، إلا أن الشكاوى تتعالى من عدم وجود مؤسسات أكاديمية أو بحوث حول كيفية التعامل مع هذه المتغيرات.
ذات الأمر يؤكده أمين خضر بلة -الخبير في مجال البيئة والزراعة- بعدم تصدي أية جهة ذات صلة لدراسة تأثيرات التغييرات المناخية للسد على الزراعة أو سواها برغم وجود عدد كبير من الهيئات ومراكز البحوث الزراعية في العديد من الولايات.
ويشير -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن سد النهضة يمكنه الإسهام في استقرار مناسيب النيل خاصة أن عشرات المشروعات الزراعية تعتمد على الري من النيل عبر المضخات وتتأثر بالتالي عند انحسار المياه، لكن بعد إنشاء سد النهضة يكون راجحا استقرار مناسيب المياه مما يخلق مردودا إيجابيا على مستوى الري والتخلص من إشكالات الإطماء المتكررة.
يتوقع خبراء أن ينعش سد النهضة مواسم المحاصيل الزراعية باستقرار مناسيب النيل (مواقع التواصل الاجتماعي)
ويشير الخبير إلى أن مواعيد ري المحاصيل تتأرجح مستشهدا بغياب محصول الفول السوداني رغم أهميته القصوى، بسبب مشكلات الري وأن السد يمكنه العمل على استقرار ري المحاصيل.
أما المهندس عثمان الخضر الريح -الذي شغل في وقت سابق منصب مدير محطة الديم التي تبعد 15 كيلومترا عن سد النهضة- فيؤكد للجزيرة نت إمكانية استفادة السودان من سد النهضة بقوة حال تشارك الخبراء السودانيين إدارته مع الإثيوبيين والاتفاق على تنسيق كميات المياه ومقاسها، ويبدي قناعة بأن النجاح في ذلك سيمهد الطريق لزراعة ما لا يقل عن 20 مليون فدان؛ مما يعني اتساع الرقعة الزراعية وخلق استقرار كبير في التيار الكهربائي.
وبعكس تخوفات تبديها مصر على الدوام من تأثر مساحاتها الزراعية بسبب سد النهضة؛ فإن الجانب السوداني يركز أكثر على قلقه حيال نقص في الطاقة، لأن 50% من إنتاج الكهرباء في البلاد يعتمد على التوليد المائي، كما يتحدث مسؤولوه عن الحاجة لتأمين وسلامة سد الروصيرص القريب من موقع سد النهضة، دون إغفال التأثير المحتمل على الزراعة بامتداد النيل.
وظل وزير الري السوداني ياسر عباس، يحذر على الدوام من أن ملء سد النهضة سيهدد نصف سكان وسط السودان الذين يعتمدون على سدَّي الروصيرص ومروي لري أراضيهم وتوليد الكهرباء، وحال عمد الإثيوبيون إلى التصرف دون اتفاق -كما يقول الوزير- فإن سد مروي سيفقد 30% من قدرته على توليد الطاقة.
ومع ذلك يرى الخبير محمد علي أحمد التوم أن السودان هو المستفيد الأكبر من الكهرباء في سد النهضة، لكن الجهات ذات الصلة التي كان يفترض أن تضع خططها قبل 5 سنوات لم تفعل شيئا وتركت الأصوات العالية للحديث عن سلبيات السد برغم إمكانية التعامل مع إيجابيات لا تحصى، كما يقول للجزيرة نت.
ويشير إلى أن السد من شأنه خلق استقرار في مياه النيل وبالتالي تخزين كميات كبيرة من الطمي بما يعني تمدد المساحات الزراعية ويتضاعف الإنتاج مرتين، ولا يرى التوم مشكلة في تأثر محاصيل بعينها بسبب التغييرات المناخية التي قد يحدثها السد طالما يمكن تطوير بدائل سريعة بزراعة محاصيل طويلة الأمد خاصة أن مناطق الزراعة المطرية المعروفة كمشروع “الدالي والمزموم” يشهد تراجعا ويمكن لما يحدثه السد الإثيوبي من توسع تعويض ذاك الفارق.
ويلفت الخبير الزراعي إلى أن المسطحات المائية التي قد تنشأ عن السد تؤدي بدورها إلى استقرار يمكن أن تتضاعف معه الثروة الحيوانية وتنشأ حياة برية كاملة كما تنتعش الملاحة النهرية وتحدث فارقا كبيرا.
ويتفق المهندس أمين بلة في التأكيد على أن المسطحات المائية الناتجة عن السد الإثيوبي الذي يحجز حوالي 74 مليار متر مكعب ستكون كبيرة وتدفع باتجاه زيادة نسبة الأمطار؛ وبالتالي حدوث تغيير في التركيبة المحصولية للري المطري، كما يمكن أن يحصل توسع أفقي في الزراعة المروية باستغلال أكبر المساحات الممكنة بما يتيح تداخل المحاصيل.
لكن الأمر كما يشدد بحاجة إلى عمل متقدم في مجال إدارة المياه، لافتا إلى أن السودان كان يفقد 6 إلى 7 مليارات متر مكعب من حصته في مياه النيل سنويا تذهب إلى مصر.
حقول من الذرة في ولاية القضارف شرق السودان (الجزيرة)
بدوره، يؤكد الخبير المختص في الشؤون الزراعية محمد عثمان السباعي أن السودان لن يتعرض لأية هزة في الأمن الغذائي بسبب تأثيرات سد النهضة حال أديرت موارده بشكل احترافي بالاستفادة من تنوع مناخاته وتعظيم البدائل في المشروعات الممتدة على طول البلاد، وغالبها -كما يقول- تعتمد على الري المطري.
ويقترح السباعي -في حديثه للجزيرة نت- إطلاق يد هيئات البحوث الزراعية والأخذ بتوصياتها، مع توفير تمويل مالي كبير للمشروعات المروية لتتمكن من سد النقص الذي قد يطال مناطق الزراعة المطرية كما يحدث الآن في بعض المناطق التي عانت من تأخر الأمطار.
المصدر : الجزيرة