الكويت – تحذّر دراسات من أن الكويتيين قد يواجهون بعد ثلاثين عاماً فقط سيناريوهات مرعبة تكون تداعياتها أضخم بكثير من جائحة كورونا العالمية، حيث باتت الكويت عرضة لتهديد طبيعي وجودي وجدّي في المدى المتوسط، وقد بدأت مؤشرات هذا التهديد في الظهور.
ومثلما كانت جائحة فايروس كورونا وتداعياتها غير متوقعة فإن تطور خطر الاحتباس الحراري بات يصعب التنبؤ به في ظل تسارع مخاطره، حيث يستوجب مراجعة السياسات والتشريعات. وتواجه الكويت سيناريوهات مقلقة لتداعيات تقلبات المناخ الغامضة التي قد تترك تداعيات على الأرض وعلى صحة البشر، ولعل من أبرز المخاطر التي تقتضي زيادة مراجعة معايير السلامة من الكوارث الطبيعية تتقدم تداعيات الحرارة المرتفعة على صحة الفرد وارتباطها بأمراض مميتة.
وقد تراجعت جودة الهواء الذي يتنفسه الكويتيون في بعض مناطق البلاد إلى أدنى درجة لها منذ عقود وصنف بغير آمن، حيث تسهم عدة عوامل في رداءة جودة الهواء في الكويت أبرزها انبعاثات المركبات والانبعاثات الصناعية ومصافي النفط والعواصف الترابية.
وأظهرت دراسة أعدها فريق مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث في سبعة أجزاء بالاعتماد على تحليل مؤشرات مختلفة أن الكويت في صدارة دول العالم العربي في دائرة الخطر البيئي، وأنها قد تتجاوز إلى مرحلة الخطر المحدق إن لم تسن “قانون طوارئ بيئية” يعدل من خطط الدولة التنموية في جل المجالات ويدفع الحكومة إلى سرعة التكيف مع المخاطر البيئية الجدية والمستجدة. واتضح رغم النوايا الإيجابية وإصلاح الخلل، أن الحكومة قد قصرت في تكييف سياساتها التنموية مع ظروف المخاطر البيئية الضاغطة.
وتتركز مصادر القلق إجمالاً المرتبطة بالتغير المناخي حول زيادة احتمالات توقع مخاطر الحرائق والفيضانات وزيادة تلوث البحار وزيادة انقراض الكائنات على وقع تسجيل الكويت لخسائر كبرى في التنوع البيولوجي. ويحدث ذلك في ظل بداية رصد مؤشرات مقلقة على زيادة ندرة الموارد المائية مع زيادة إجهاد التربة وارتفاع درجات الحرارة.
الإنسان في الكويت قد يصبح عاجزا حتى عن الخروج من باب المنزل وتنفس هواء نقي
ورغم توقعات الحكومة الكويتية لهذا التهديد من نحو أكثر من ثلاثة عقود إلا أن مخططات مواجهته لم يتم تنفيذها بشكل جدي وتم تأجيلها أو تسير بوتيرة بطيئة، وهو ما جعل الكويت اليوم مكشوفة بشكل أكثر من أي بلد آخر في العالم على مخاطر التهديد المناخي المتمثل في الاحتباس الحراري.
وتدق التغيرات المناخية ناقوس الخطر الذي يتهدد حياة ثلث الكويتيين بشكل مباشر خلال 20 عاماً من اليوم. ولا يبدو أن الكويت قادرة على تجنب تأثيرات الاحتباس الحراري الآخذة تداعياته في الوضوح والاتساع، بل لم يعد متاحاً لها إلا تقليص مخاطره التي قد تتحول إلى قاتلة وكارثية.
وهنا تبرز توصيات علمية ملحة تدفع الكويت إلى إيلاء أهمية لبدء تفعيل خطة طوارئ إنقاذ بيئي ملزمة قد تبدأ بتقليص مصادر انبعاثات الغازات السامة والدفيئة المسبب الأول للاحتباس الحراري وتقلبات المناخ العنيفة والتي قد تصبح خارج السيطرة خاصة خلال فصل الخريف.
وتكشف نتائج الدراسة أنه ما لم تتم السيطرة على الكثافة السكانية وتقليص أسطول السيارات ومضاعفة تشجير الكويت وجعلها صديقة للبيئة، في إشارة إلى تحقيق هدف “الكويت الخضراء” في 2035، فقد تتراجع مؤشرات الحياة الصحية للأجيال القادمة التي قد تواجه مشاكل تنفس هواء صحي.
وبعد أكثر من 20 عاما فقط قد ترتفع درجة الحرارة في الكويت وبعض دول الشرق الأوسط إلى مستويات قياسية تتجاوز معدلات 50 درجة، وقد يصل متوسط الذروة في بعض المناطق إلى 60 درجة مئوية. وفرضية الوصول إلى مثل هذا المناخ تحتمها التغيرات السريعة لآثار حدة التلوث والاحتباس الحراري، وفي مثل هذه السيناريوهات قد يصبح الإنسان مجبرا على التكيف مع هواء حار وثقيل محمل بالجسيمات الملوثة، ومثل هذا المناخ إن بات واقعا فقد لا يسمح للإنسان حتى بالخروج من باب المنزل وتنفس هواء نقي.
وتواجه الكويت أيضا مخاطر ارتفاع مستوى سطح البحر وندرة المياه والتصحر وفقدان التنوع البيولوجي.
وفي السنوات الأخيرة كان هناك تغيير حاد في أنماط هطول الأمطار في الكويت، والذي قد يُعزى إلى تأثيرات تغير المناخ.
ورغم توفرها بشكل كبير ومثالي، لم تستثمر الكويت جهودا إضافية في تعميم تجربة الاستفادة من الطاقة الشمسية، حيث لم تقم بجهد واضح في تغيير سلوك المواطن في الاعتماد على الطاقة الشمسية لتوليد الطاقة، وهو ما مثل ضغطاً مكثفاً سنوياً على خدمة الكهرباء ومحطات الطاقة التي تعاني من إجهاد توفيرها بشكل آمن.
وفي حين تزيد مؤشرات تعرض الكويت سنويا لظاهرة الاحتباس الحراري في الوضوح، أطلقت الحكومة مؤخرًا خطتها الوطنية للتكيف مع التغيرات المناخية في عام 2019 لمعالجة تغير المناخ. واستثمرت الدولة في الطاقة المتجددة لدعم هدفها المتمثل في زيادة الطاقات المتجددة إلى 15 في المئة من إجمالي مزيج الطاقة بحلول عام 2030، وبالتالي تقليل نحو 5 ملايين طن متري من انبعاثات الكربون من خلال زيادة الاعتماد على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وتعتمد محطات الطاقة الجديدة مثل مصفاة الزور معايير بيئية لتحسين جودة الهواء عن طريق الحد من انبعاثات أكسيد الكبريت. وفي ظل ندرة المياه تعمل الكويت أيضًا على تطوير مشروع مياه الصرف الصحي في أم الهيمان، أحد أكبر المشاريع في العالم لمعالجة مياه الصرف الصحي، لتوفير المياه عن طريق إعادة استخدامها للري وأيضًا العمل على تحسين كفاءة صناعة تحلية المياه من خلال تكنولوجيا توفير المياه.
لكن كل هذه الحلول تظلّ محدودة النجاعة، حيث تفتقد الكويت إلى تطبيق التشريعات والقوانين البيئية رغم توافرها مع ضعف مرصود في سياسات التوعية البيئية إعلاميا أو في المؤسسات التربوية.
العرب