العراق وحلف الشر

العراق وحلف الشر

bush1200829235855
وصف الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش، في يناير/كانون الثاني 2002، حكومات العراق وإيران وكوريا الشمالية بـ”محور الشر”، واعتبرها دولاً داعمة للإرهاب، وتسعى إلى امتلاك أسلحة الدمار الشامل، ولأن كوريا الشمالية كانت تمتلك أسلحة دمار شامل، وكانت إيران تسعى إلى تطوير مفاعلاتها النووية وبناء مفاعلات جديدة بخبرات وتقنيات روسية، اختار بوش ضرب العراق واحتلاله، وهو الخالي من وسائل القوة التقليدية وغير التقليدية، معلناً في ذلك “الحرب على الإرهاب”.

ولأن العالم بعد إسقاط الدولة العراقية في 2003، أصبح يعايش الإرهاب يومياً، ويشاهد ولادة تنظيمات (إرهابية) عديدة وبعناوين شتى، تلاشت تسمية “محور الشر”، ولتعود دوله (العراق الضعيف وإيران الفائزة بالاتفاق النووي) لتحارب الإرهاب (باستثناء كوريا الشمالية)، ولتكون جزءاً رئيسياً من استراتيجية غربية – شرقية، لتغيير معالم المنطقة، وتقسيم مجتمعاتها وفق نظرية تمكين الأقليات، ووفق تعزيز المنظور الطائفي المقيت.
من هنا، تشكّل أغرب حلف في التاريخ الحديث لمنطقة الشرق الأوسط، الروسي العراقي السوري الإيراني، وبمباركة أميركية – غربية، وبدلالات تشير إلى تجاوز عقدة النظام الحاكم في دمشق، وترسيخ منطق القوى التي يمكن أن تشكل أداة ضابطة للواقع الذي قد يفرز سياسات وإداراتٍ، تؤخر أو تمنع المخططات الدولية الخاصة بالقوى المتحكمة بالشرق الأوسط (الجديد)، إضافة إلى إنهاء ملف النفط واستخداماته المقلقة لاقتصاديات الغرب والشرق، ووضعه على قائمة السلع المستقرة سعرياً، ثم المحدّدة بعوائدها لخطط التنمية للدول المنتجة لهذه السلعة الحيوية، بما يمنع تحولها إلى قوى إقليمية عظمى في المنطقة، سواء في بناء الإنسان أو تأسيس التكنولوجيا المتطورة واستخداماتها.
نحن، إذن، أمام تحالف عسكري جديد، بهدفٍ معلن، هو محاربة (داعش) وحماية نظام بشار الأسد، وإطلاق اليد العسكرية الإيرانية بشكل (مشروع)، لترسل مقاتليها إلى سورية والعراق الذي يعاني نظامه من أكبر تهديد وجودي له من الشعب العراقي، ومن تنظيم الدولة الإسلامية. وقد شكلت الدول الأربع مركزاً معلوماتياً استخباراتياً في بغداد، لتنظيم العمليات العسكرية، ضم ممثلين عن هيئات الأركان العامة لدول الحلف. واللافت أن هذا المركز، وبحسب وكالة إنترفاكس الروسية، سيجمع المعلومات ويحللها بشأن الوضع في الشرق الأوسط، ما يعني أبعاداً جيوسياسية أكبر من المعلنة عن أهداف هذا الحلف، وبما يشير بضبابيةٍ كثيرة إلى الموقف الأميركي منه، وأيضا تغير موقف الدول الأوروبية بشأن قبول الأسد فترة انتقالية في سورية، وكذلك قبول إيجابي إسرائيلي لكل ما يجري.
برّر رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، انضمام العراق في هذا الحلف “بحاجته لجهود كل الاستخبارات العالمية للقضاء على داعش”، فيما اعتبرت تقديراتٌ أن ذلك يعني زيادة في العبث السياسي والإستراتيجي وعدم وضوح توجهات الحكومة، فيما يخص التعاون بينها وبين واشنطن وموسكو، فيما يرى مدافعون عن العبادي أنه “لا يريد أن يغضب أميركا ولا إيران”.
وتقول الحقائق إن العراق دخل في محور يمكن أن يسمى “محور الشر” بامتياز، فأولى مهام الدولتين الأقوى فيه (روسيا وإيران) تثبيت مناطق نفوذهما، بعد التنسيق مع الولايات المتحدة التي تعتبر الحلف أداة فعالة على الأرض، لإيقاف تمدد داعش، من دون المساس بمناطق نفوذها، كما يمثل وسيلة مهمة لإشراك الأقليات في تثبيت أمر واقع جديد، وبحسب القيادي في (الحشد الشعبي)، جواد الطليباوي، “ستكون للتحالف آثار إيجابية، وسيقلب الموازين” .
إن محوراً يقوم من موسكو إلى البحر المتوسط، مروراً بطهران وبغداد، يعني الكثير في عالم السياسة، وحتى قبل الإعلان عنه، كان يمثل ضرباً من خيالٍ لا يمكن للغرب بأي حال أن يسمح به، خصوصاً أن روسيا (ناضلت) عقوداً من أجل بلوغ هذا التمدد الجيوسياسي، وأن واشنطن ودولاً غربية وعربية كثيرة عملت المستحيل، من أجل منعها من ذلك. لكن، ولأن الأشياء في عالم السياسة ليست ثابتة، فإننا نشهد ولادة هذا الحلف، بما يعني فعلاً انتهاء أيدولوجية سياسية كاملة، وإحلال مفاهيم ورؤى أيدولوجية جديدة، تعني، فيما تعنيه، انتقال العالم للتعامل مع الأشرار قوى “مخلّصة” من مفاهيم ظلت قائمة قروناً، وبتنسيق غربي كامل، وغياب عربي كامل أيضاً.
فارس خطاب
صحيفة العربي الجديد