يتسم الفساد في العراق بسمات غير اعتيادية يرتبط وجودها واستمرارها بصورة جدلية بالوضع السياسي الراهن وترابط منظوماته التي تشبه لعبة (الدومينو). فعلى الرغم من الغرائمية بين الأجزاء المكونة لهذا النظام فإن أي جزء لا يعمل على الإيقاع بالأجزاء الأخرى كونه يدرك حقيقة سقوط الكل إذا وقع جزء من المنظومة الكلية في لعبة (الدومينو).
ولعل أهم أساس يقوم عليه الفساد في الواقع العراقي هو (الفساد الشبح) وهو الحالة التي يُجمع عليها الفاسدون ويهاجمون فيها الفساد وكأنهم بهذا يخلطون الأوراق بحيث يصعب تشخيص حالة الفساد. وهكذا، تعمد شخصيات سياسية إلى قيادة حملات ضد الفساد لخلق واقع ما يسمى (الفساد الشبح). وفي طبيعة هذا النوع من الفساد، فإن ما هو مطروح في العلن من كلمات ضخمة، وحديث عن المبادئ والقيم العليا شيء، وما هو واقع وحادث من هذا الزعيم أو ذاك، شيء آخر؛ لن تجد فاسدًا في العراق يبرر الفساد، ولا لصًّا يجادل في كون السرقة أمرًا مستهجنًا، بل إن الفاسدين والمنافقين هم الأكثر قدرة أحيانًا على انتقاد الفساد والدعوة للتطهير.
لا أحد يشك أيضاً أن الفساد آفة قديمة ومستشرية في العراق، وأن محاربته لا تتم بين يوم وليلة، لكن السيد مقتدى الصدر الذي استشعر خطورته مبكراً وخرجوا أنصاره إلى الشوارع للمطالبة بوضع حد لهذه الآفة، يدركون أن ذلك لن يتم إلا بالقضاء على الفاسدين، وهم يدركون أيضاً أن الفساد هو الأب الروحي لكل مشاكلهم وسبب معاناتهم على كل المستويات، وسبب حرمانهم من الخدمات الضرورية بدءاً من الكهرباء والمياه الصالحة للشرب، إلى القضاء على البطالة، وتوفير لقمة العيش، وتحسين شروط الحياة في بلد لديه ثروات هائلة، لكنها مع الأسف منهوبة، ولا يملك القدرة على استردادها أو الوصول إلى الناهبين ومحاسبتهم. المؤسف أن الحكومات العراقية المتعاقبة أخذت وقتها في الوفاء بتعهداتها بشأن القضاء على الفساد وإخضاع الفاسدين وسراق المال العام إلى القضاء، لكنها لم تفلح في ذلك، وبالتالي فقد توالت الكوارث في العراق وتحت العناوين ذاتها.
لهذه الأسباب مجتمعة جاءت تغريدة السيد مقتدى الصدر عن الفساد حينما قال :” إزاحة الفساد واجب وطني”، ونظرًا لكون السيد مقتدى الصدر من رجال العراق الوطنيين فإن تغريدته أخذت صداها في المجتمع العراقي وعبر وسائل التواصل الاجتماعي. فالسيد مقتدى الصدر يدرك بشكل عميق أن معضلة العراق تتمحور حول الفساد المالي والإداري، لذلك كان يدعو ويقود مظاهرات مليونية لمحاربة الفساد، حيث وصل الفساد بأنواعه في العراق مستوى لا يمكن السكوت عليه.
ومن أجل محاربة الفساد يواصل السيد مقتدى الصدر بدعم سياسة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في مواجهة الفساد، إذ دعا السيد مقتدى إلى الإسراع في محاسبة الفاسدين بغض النظر عن انتماءاتهم كما كان – ولايزال- يطالب بإحالة كل الفاسدين إلى القضاء، وإعلام الرأي العام بنوع الفساد والأموال التي تم تحصيلها منهم.
فالسيد مقتدى الصدر كعراقي وطني حريص على حاضر ومستقبل أبناء العراق يرفض بشكل قاطع أن يصبح الفساد مصيره. ولأجل لإنقاذ حاضره ومستقبله كانت تغريدته واضحة جدا في التصدي له بكل قوة، لأن الفساد ركن أساسي في هدم المجتمع العراقي وموت الروح الوطنية.
هذا التوجه الوطني للسيد مقتدى الصدر ليس بالأمر الغريب عن العائلية الصدرية، التي تعد من أبرز العوائل العراقية، وهو أي السيد مقتدى الصدر أصغر أبناء آيه الله السيد، محمد صادق الصدر، وكان جده محمد حسن الصدر، رئيسًا لوزراء العراق في عام 1948، وعضوًا ورئيسًا لمجلس الأعيان في البلاد. وجمع السيد مقتدى الصدر بين النزعة الوطنية العراقية والتوجهات الدينية، ما جعله محبوبًا لدى كثير من فقراء وبسطاء العراق، معبرا عن طموحاتهم وآلامهم وآمالهم.
يمكن القول أن تغريدة السيد مقتدى الصدر أشبه ببرنامج عمل وطني لمحاربة الفساد الذي نخر في الجسم الدولة العراقية.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية