بينما يتصاعد التنافس الحاد بين الزعامات السنية إلى درجة استخدام الشتائم والاتهامات، يعيش الشارع في مدن غرب العراق التي ما زال بعضها منكوبا، بونا شاسعا عن قادة تلك الكتل قبل أسابيع من الانتخابات البرلمانية.
بغداد – يقارن أهالي مدن غرب العراق واقع حياتهم الذي يزداد ترديا منذ سنوات، مع تصاعد الحملة الشرسة بين التحالفات المتنافسة على الانتخابات البرلمانية، التي تنطلق ممثلة للشارع السني.
ويجمع أهالي مدن الأنبار وديالى وصلاح الدين وكركوك والموصل، ذات الغالبية السنية، على أن صراع التحالفات الذي يتخذ من الدفاع عن تلك المدن صوتا لهم، لا يعكس إلا تنافسا بين قادة هذه الكتل للظفر بزعامة الشارع السني في العملية السياسية.
ولا يثق سكان المدن السنية بالوعود والمشاريع الانتخابية التي يعرضها المتنافسون في الانتخابات المؤمل إجراؤها في العاشر من أكتوبر المقبل، مشيرين إلى أن المال السياسي لم يعد مهجرا إلى منزله، كما لم يبن دارا واحدة من الفلوجة إلى الموصل بعد الدمار الذي لحق بالمدن جراء احتلال تنظيم داعش لها.
وعانت مدن غرب العراق منذ عام 2003 من حملة تدمير وتهميش سياسي، وهجرت أكثر من مليون أسرة من ديارها أثناء المعارك التي شهدتها تلك المدن، وفشلت الحكومات المتعاقبة في توفير ظروف ملائمة لعودة الغالبية من تلك الأسر بعد سنوات من القضاء على تنظيم داعش.
ولا يتوقع أهالي مدن غرب العراق تغييرا محتملا بعد الانتخابات، ويصفون قادة تلك الكتل السنية وإن قدمت وجوها جديدة بعد احتراق الوجوه السابقة، بأنها معادل طائفي للأحزاب الشيعية في مدن جنوب العراق.
ويحظى أفراد الطبقة السياسية السنية عادة بدعم كتلة أو حزب شيعي، الأمر الذي يعني في النتيجة أن جميعهم يحظون بالرضا الإيراني.
ولفت المحلل السياسي العراقي مصطفى كامل إلى أن الوجوه التي تقدمت لتصدر المشهد السني، هي وجوه الصف الثالث من بين من ظهروا خلال السنوات الماضية، وذلك في إطار خداع العراقيين بأن هناك تغييرا سيحصل بعد تغيير الوجوه التي رفضها الشارع السني والعراقي عموما.
ووصف كامل في تصريح لـ”العرب” ذلك بـ”الفرية الكبيرة”، لأن المهم في العراق ليس تغيير الشخوص والوجوه بل تغيير البرامج وتغيير اتجاه النظام السياسي نحو الانتماء الوطني وليس الهويات العرقية والمذهبية.
ومن المقرر أن يشارك في الانتخابات 110 أحزاب سياسية و22 تحالفا انتخابيا، تتنافس فيه ثلاثة تحالفات رئيسية في المناطق السنية.
وتتنافس القوى السنية بشراسة للحصول على رئاسة البرلمان وفق المحاصصة الطائفية التي منحت رئاسة الوزراء إلى الشيعة. بينما اقتصرت رئاسة الجمهورية على الأكراد.
ويمثل تحالف عزم العراق “عزم”، بزعامة السياسي ورجل الأعمال خميس الخنجر أكبر التحالفات السنية في محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى والموصل وبغداد.
ويضم التحالف الذي يشارك في الانتخابات للمرة الأولى كل من المشروع العربي برئاسة الخنجر المقرب من القوى الشيعية، وحزب الوفاء برئاسة وزير الكهرباء الأسبق قاسم الفهداوي، وحزب الحل برئاسة جمال الكربولي، والكتلة العراقية الحرة برئاسة وزير البيئة السابق والنائب الحالي قتيبة الجبوري، وحزب المسار المدني برئاسة النائب مثنى السامرائي.
كما يجمع تحالف “عزم” التجمع المدني للإصلاح بزعامة رئيس البرلمان السابق سليم الجبوري، وحزب التصدي برئاسة وزير الدفاع السابق والنائب الحالي خالد العبيدي.
أما التحالف الثاني الذي ينافسه في المناطق الغربية هو تحالف تقدم الوطني “تقدم” بزعامة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، وهو تحالف يشارك لأول مرة تحت هذا الاسم. ويضم التحالف كلا من حزب التقدم بزعامة الحلبوسي، والخيار العربي برئاسة النائب السباق عبدالكريم عبطان.
ويبرز التحالف الثالث تحت مسمى المشروع الوطني للإنقاذ، برئاسة أسامة النجيفي، وكذلك تحالف المشروع الوطني العراقي بزعامة جمال الضاري.
ويكنّ زعماء تلك التحالفات الحلبوسي والخنجر وكلاهما ينحدران من محافظة الأنبار والنجفي المنحدر من الموصل، ضغائن شخصية لبعضهم البعض، وطالما أطلقوا أوصافا “نابية” على خصومهم من نفس الطائفة.
ورأى النجيفي أن الحلبوسي لا يمثّل السنة في العراق، مشيرا إلى أن بعض القيادات السنّية الحالية لا تريد عودة منافسين وشخصيات قوية مثل رافع العيساوي وأثيل النجيفي.
وعمّقت رسائل التلاسن وتبادل الشتائم بين الحلبوسي والخنجر الهوة بين الشارع السني العراقي والقوى التي تمثله في العملية السياسية.
وتقول أوساط عراقية إن هذا التصعيد لا يعود إلى اختلاف في المشاريع والأفكار، وإن سببه الرئيسي هو بحث كل طرف عن زيادة مكاسبه في الساحة السنية وسط تبادل الاتهامات بالتنسيق والتحالف مع الميليشيات الموالية لإيران التي ما زالت تسطير على مناطق سنية.
ولا يدور الخلاف بين الحلبوسي والخنجر حول برامج سياسية أو خدمية لصالح المكون السني الذي يُفترض أنهما يمثلانه بقدر ما يتعلق بالتنافس على زعامة السنة قبل الانتخابات.
ويدرك أبناء المدن السنية، سواء منهم المقيمون في مناطقهم أو النازحون، أن الحلبوسي والخنجر تم تعيينهما بناء على رغبة الأحزاب الشيعية الحاكمة باعتبارهما واجهتين.
ويرتبط الخنجر بتحالف مع قوى شيعية مدعومة من إيران من بينها منظمة بدر برئاسة هادي العامري وحزب الدعوة الإسلامي برئاسة نوري المالكي، فيما يحظى الحلبوسي بدعم زعامات كردية وشيعية من بينها رئيس إقليم كردستان السابق مسعود البارزاني وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.
مصطفى كامل: تغيير الوجوه لا يعني تغيير السياسات للكتل السنية
وبعد القضاء على معظم أنصار تنظيم داعش في العراق سجل الخنجر تحولا راديكاليا في مواقفه السياسية، إذ انتقل من الخصومة العلنية الحادة مع إيران إلى ساحة حلفاء طهران الموثوقين.
واعتبر المحلل السياسي مصطفى كامل، التكتلات السنية بصرف النظر عن مسمياتها، نتاج المشروع السياسي الأميركي الإيراني في العراق القاضي بتقسيم العراق إلى مكونات طائفية وعرقية.
وأكد كامل في تصريح لـ”العرب” أن الكتل والتحالفات لا يوجد لديها ما يمكن أن تقدمه على الصعيد الوطني، إذ أنها حصرت نفسها منذ مجلس الحكم بعد عام 2003 في الإطار الطائفي وفي مناطق محددة بعينها.
وقال “تؤكد تجارب ما بعد الاحتلال أن هذه الكتل لم تحقق منفعة حتى لمن تدّعي تمثيلهم ولم تدفع عنهم ضررا، والدليل ما حدث ويحدث في المحافظات المنكوبة، لأن وجود هذه الشخصيات والكتل في هذا المشروع السياسي ليس أكثر من ديكور لازم لإخراج المسرحية التراجيدية بحسب تعليمات مخرجي المشروع، وبالتالي فهي لا يمكن أن تقدم شيئا لأبناء المناطق التي تتحرك فيها، ولكنها مستمرة في خداعهم”.
وحين تعلق الأمر بالخصومة بين الزعامات السنية فإنها لا تعود إلى اختلاف في البرامج السياسية أو مستويات التمثيل الطائفي. ذلك لأن الجميع، من غير استثناء موجودون في مواقعهم لسد فراغ على الخارطة السياسية التي يستند إليها نظام المحاصصة الطائفية.
وقال أستاذ في جامعة الأنبار “إذا ما كانت هناك مسافة بين الزعماء وبين سكان المدن ذات الأغلبية السنية الذين يُفترض أنهم يمثلونهم داخل السلطة فإن تلك المسافة تشير إلى معاناة مجتمع يعاني من التهميش والعزل والإهمال من غير أن يتمكن من إيصال صوته بعد أن تعرضت مدنه للخراب ومُنع الكثيرون من العودة إلى منازلهم التي ظلت مدمرة، بعضها لا تزال الميليشيات تحتلها”.
وقال الأستاذ مفضلا عدم الكشف عن هويته في تصريح لـ”العرب”، “ما يحدث بين السياسيين السنة من صراعات تصل إلى حد التشهير اللاأخلاقي إنما يعود إلى خلاف على المصالح، حيث صار التمثيل الطائفي يُدر أموالا خرافية فمَن يذهب إلى مجلس النواب بوظيفته البسيطة يخرج منه بعد أربع سنوات وقد أصبح امبراطورا. لذلك تشهد مرحلة ما بعد الانتخابات عمليات إنفاق أموال بطريقة استعراضية من أجل شراء الأصوات ولو أن تلك الأموال أنفقت على إعمار المدن المدمرة لالتحقت تلك المدن بالعالم المعاصر”.
العرب