لندن – لا تزال أزمة الهجرة على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، التي تشكل الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي تثير القلق في الأوساط الأوروبية، حيث يستمر البحث عن سبل الحيلولة دون حدوثها مجددا.
فعندما بدأ الآلاف من المهاجرين في التجمد حتى الموت في الغابات على حدود بيلاروسيا مع بولندا كان الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو يضغط على الاتحاد الأوروبي لاتخاذ خيار صعب، إما الرضوخ للابتزاز والترحيب بالمهاجرين الذين كانت محاولاتهم للتعدي على حدود الاتحاد الأوروبي هي نتيجة لسياسته لجذبهم إلى بيلاروسيا وممارسة الضغط على الاتحاد الأوروبي، أو إبقاء الحدود مغلقة وإعلان التضامن مع بولندا على الرغم من إساءة معاملتها لطالبي اللجوء المحتملين.
السعي للاستفادة المادية من الهجرة أو الموافقة على عسكرة حدود الاتحاد الأوروبي سيرقيان إلى منح لوكاشينكو النصر
ولحسن الحظ، تم التوصل إلى تسوية في أعقاب أسابيع من الجهود الدبلوماسية الحثيثة. وقد تم إجبار لوكاشينكو على التراجع وتقديم الرعاية للمهاجرين، ولم تكن هناك حاجة إلى ممر إنساني، حيث أرسل الاتحاد الأوروبي الأموال واتخذ إجراءات لدعم المنظمات التي توفر الملجأ للمهاجرين في بيلاروسا، في حين تمت ممارسة ضغوط على شركات الطيران وحكومات دول المصدر لفرض قيود على الرحلات إلى مينسك التي بدأت في ترحيل بعض المهاجرين.
واعتبرت الباحثتان أناييس مارين وسامانتا دي بنديرن بمعهد تشاتام هاوس البريطاني والمعروف رسميا باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية في تقرير نشره المعهد أن “عملية العبور” التي تردد أن مخططها وضع قبل سنوات عديدة واختبرته روسيا عام 2016 على حدودها مع كل من النرويج وفنلندا تسببت بالتأكيد في إزعاج، لكنها أدت في النهاية إلى نتائج عكسية حيث أصبح يتعين على لوكاشينكو التعامل ما تبقى من المهاجرين الذين رفضوا العودة، والذين تتراوح أعدادهم بين ألفين وخمسة آلاف مهاجر، بالإضافة إلى مواجهة عقوبات دولية متزايدة.
وأشارت الباحثتان إلى أنه في شهر يونيو الماضي أعلنت وزارة الخارجية في بيلاروسيا انسحابها من اتفاقية الشراكة الشرقية وتسهيل التأشيرة وإعادة الدخول الموقعة مع الاتحاد الأوروبي بينما أرسلت ليتوانيا تحذيرات مبكرة حول “هجوم هجين” على حدودها مع بيلاروسيا.
وفي أغسطس ذكرت مجلة “دير شبيجل” الألمانية تفاصيل عن خطة تهريب مزعومة، تورطت فيها شركة “سنتر كرورت”، وهي شركة مرتبطة بشكل وثيق بإدارة رئيس بيلاروسيا ولها مكاتب في الشرق الأوسط، حيث تتولى عملية تسفير المهاجرين وإقامتهم وانتقالهم إلى أماكن أخرى.
وكانت عملية تهريب اللاجئين متوقعة تماما حيث ألمح لوكاشينكو في العديد من المرات إلى أن بيلاروسيا يمكن أن تتوقف عن حماية الاتحاد الأوروبي من المهاجرين المسلحين الذين يسعون لدخوله بشكل غير قانوني. وقد شدد من لهجته إلى ما هو أبعد من مفاهيم الحرب الهجينة، حيث قال إنه يحتاج إلى قاذفات روسية ذات قدرة نووية من أجل “مساعدته على حل أزمة المهاجرين”، حتى أنه ألمح إلى أن بيلاروسيا يمكن أن تنشر أسلحة نووية روسية وأنظمة صواريخ إس – 400 المضادة للطائرات. وهذا يدل على أنه يشعر بشكل متزايد أنه محاصر، الأمر الذي قد يؤدي إلى المزيد من الأزمات الأمنية التي لا يمكن التنبؤ بها.
ألكسندر لوكاشينكو يضغط على الاتحاد الأوروبي لاتخاذ خيار صعب، إما الرضوخ للابتزاز والترحيب بالمهاجرين أو إبقاء الحدود مغلقة وإعلان التضامن مع بولندا
وعلى الرغم من أنه لا يوجد دليل مؤكد يشير إلى تورط روسي مباشر في تدبير الهجوم الهجين على حدود الاتحاد الأوروبي، فقد تم اتخاذ خطوة جديدة في التقارب العسكري بين البلدين عندما اتفق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره البيلاروسي على عقيدة عسكرية جديدة لدولة اتحاد روسيا وبيلاروسيا، وهي وثيقة غير معلنة، تشمل مفهوما مشتركا لسياسة الهجرة. كما اتخذ لوكاشينكو قرارا بشأن القرم، من خلال القبول علنا بقانونية دمج شبه الجزيرة في روسيا.
وفي ظل التهديد من روسيا باستخدام القوة ضد أوكرانيا، يتزايد خطر تحول تصعيد عرضي إلى نزاع مسلح فيما يبدو وكأنه عودة إلى منطق الحرب الباردة الكلاسيكي، مع وجود اختلاف وهو أن الشرق يستخدم الجنوب الآن بشكل عدواني لمواجهة الغرب. وفي اعتراف بالتهديد، انضمت بريطانيا إلى الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي في العقوبات الجديدة على مينسك.
وفي حين أن المنظمة الدولية للطيران المدني لم تنشر بعد تقريرها بشأن الهبوط القسرى لطائرة رايان إير في رحلتها رقم 4978 في مينسك في مايو الماضي، فإن الوقت قد حان لوضع استراتيجية قوية تهدف إلى منع ما تعتبر الآن دولة مارقة من التحول إلى نظام يمثل أكثر تهديدا، وأعظم تحد هو القيام بذلك دون المساس بالقيم الديمقراطية.
واختتمت الباحثتان أناييس مارين وسامانتا دي بنديرن تقريرهما بالقول إن السعي إلى الاستفادة المادية من الهجرة أو الموافقة على الصد غير القانوني أو عسكرة حدود الاتحاد الأوروبي سيرقيان إلى منح لوكاشينكو النصر الذي يسعى إليه في تسليح المهاجرين لأغراض الابتزاز.
العرب