تعددت المؤتمرات والفعاليات العربية التي اهتمّت بمناقشة أوضاع الإعلام العربي على ضوء جملة من الصعوبات المختلفة التي يتعرض لها هذا القطاع، وبدت الجهات الأكاديمية أكثر رغبة في الدخول على خط المشكلات وتسليط الضوء عليها وإصدار توصيات للتعامل معها دون أن يفرز ذلك واقعًا جديداً، وظلت أزمات التضييق على الحريات وعدم التوظيف الجيد للتكنولوجيا مهيمنيْن على العمل الإعلامي.
القاهرة – شهد ملتقى شباب الإعلام العربي في دورته الأولى تحت عنوان “صناعة الإعلام في عصر التكنولوجيا.. تجارب ملهمة – فرص وتحديات”، والذي عقدته كلية الإعلام بجامعة القاهرة الأحد، نقاشات عديدة بين خبراء الإعلام والممارسين وعدد من الدارسين الشباب حول مهارات سوق العمل المتطورة وصناعة المحتوى في الإعلام التقليدي والرقمي وعرض نماذج من تجارب استطاعت المزج بين أدوات الإعلام المختلفة.
وقالت عميدة كلية الإعلام بجامعة القاهرة هويدا مصطفى إن الملتقى يستهدف التطرق إلى أحدث التطورات على مستوى صناعة الإعلام التقليدي والرقمي والتعرف على مهارات السرد والكتابة للإعلام الرقمي ومهارات الإنتاج التلفزيوني المتقدم، واعتبرت الملتقى “ساحة للنقاش بين الهيئات والجهات الحكومية وخبراء الإعلام والطلاب والدارسين حول سبل الارتقاء بالمنظومة الإعلامية”.
وما تطرق إليه مؤتمر جامعة القاهرة تكرر قبل أيام خلال انعقاد مؤتمر “إعلام القاهرة” الذي نظمته الجامعة الأميركية بالقاهرة في نسخته الثالثة تحت عنوان “إعادة بناء الصحافة في عصر الترفيه وعدم اليقين”، وسلط الضوء على كيفية التعامل مع أدوات العرض الحديثة واستغلالها لإنتاج محتوى جيد وعرض جذاب للمعلومات ودعم جهود التحول الإعلامي إلى التخصص في مجالات نوعية ومهنية تركز على تلبية احتياجات المستخدمين.
ومن المقرر أن تعقد كلية الإعلام بجامعة الأزهر مؤتمرها الدولي الثالث بعنوان “الإعلام العربي والمبادرات الوطنية في ضوء أهداف التنمية المستدامة” خلال شهر مارس المقبل، وهو نفس التوقيت تقريبًا الذي تنعقد فيه الدورة الثانية من المنتدى العالمي لصحافة الذكاء الاصطناعي في دبي.
بالنظر إلى القضايا التي تناقشها مؤتمرات الإعلام يلاحَظ أن العامل المشترك بينها يظل في قضيتين أساسيتين، الأولى كيفية توظيف التكنولوجيا الحديثة بالشكل الأمثل وتدريب الطاقات الشبابية وتطويعها للاستفادة منها، إلى جانب قضايا الحريات العامة والتطرق إلى قوانين حرية تداول المعلومات والصعوبات التي تواجه وسائل الإعلام في التعامل مع المؤسسات والجهات الرسمية.
صفوت العالم: توصيات المؤتمرات تطرح على الأنظمة السياسية كمقترحات
ويشير البعض من خبراء الإعلام إلى أن هموم الإعلام العربي يعرفها الجميع وليست بحاجة إلى المزيد من المؤتمرات، والاستفادة منها تتمثل في التعرف على كل ما هو جديد في مجال الأبحاث الأكاديمية، والتأثيرات الإيجابية من نصيب الجهات الأكاديمية التي تعقدها وتُشرف عليها لتطوير مناهجها ومقرراتها دون وجود استفادة مماثلة لوسائل الإعلام ذاتها التي تشكل التطبيق الواقعي للتطور الأكاديمي.
من وجهة نظر هؤلاء فإن الفجوة الظاهرة بين زخم الملتقيات العربية للإعلام خلال السنوات الأخيرة والواقع التنفيذي على الأرض ترجع إلى حالة الانفصام الواضحة بين الدراسة العلمية للإعلام وتطبيق نظرياته على الأرض، وأن الكثير من الدراسات التي تُقدم لا تتماشى مع البيئة المحيطة بالإعلام، بجانب ضعف اهتمام القائمين عليه بمناقشة تفاصيل التوصيات التي تخرج من الملتقيات في ظل افتقادها للإلزامية.
وذهب أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة صفوت العالم إلى بعد آخر يحمل صبغة سياسية بتأكيده أن الإعلام يتطور وفقًا لرؤية الأنظمة السياسية، وكل تطور إعلامي يحدث في الممارسة المهنية عادة ما يتعلق بتوجهات القيادة الحاكمة في أي من الدول العربية، وظل هذا الارتباط حاضراً منذ عقود طويلة.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “توصيات المؤتمرات العلمية تُطرح على الأنظمة السياسية كمقترحات أو أفكار يمكن تنفيذها، ولا يصاحبها تطبيق عملي في الممارسة طالما لم تكن وفقًا لأولويات النظام الحاكم ورؤيته”.
وقد يحدث أن تتفق مقترحات الباحثين مع ترتيبات النظام الحاكم، وقد لا تكون هناك بيئة مواتية على الأرض لتطبيقها، في النهاية تبقى هناك حالة من الجمود تسيطر على عمل غالبية وسائل الإعلام.
وتحظى مؤتمرات الإعلام دائما بانتقادات دوائر مهنية ترى أنها تقدم توصيات لا تتماشي مع طبيعة الإمكانيات المادية والتكنولوجية المتاحة، وتبحث عن المدينة الفاضلة في مجال الإعلام، ما يدفع الكثير من القائمين عليها إلى تجاهل ما يصدر عنها من مقترحات، لأن الجهات المسؤولة عن تطوير مهارات الإعلاميين الشباب متمثلة في النقابات المهنية والمجالس المنظمة لعمل وسائل الإعلام لا تقوم بدورها.
بشير العدل: المؤتمرات وسيلة لتوصيل أصوات من يواجهون الأزمات
وطالب المؤتمر السنوي السابع الذي نظمته جامعة أكتوبر للعلوم والآداب في القاهرة بعنوان “الإعلام الصحي في العصر الرقمي أثناء جائحة كورونا”، واختتم أعماله الأربعاء الماضي، بتدريب الإعلاميين على استخدام عينات الذكاء الاصطناعي للتأكد من المعلومات وتطبيقات الهاتف المحمول لتوفير الخدمة للجميع وتأسيس ميثاق لتنظيم العلاقة بين الإعلام وصحة المصريين.
واعتبر صحافيون يعملون في الملف الصحي أن تلك التوصيات لا ترتبط بواقع عملهم الذي يجدون فيه صعوبات جمة للحصول على معلومات طبية دقيقة مع حالة الفوضى التي يعاني منها الإعلام جراء طغيان الجانب الإعلاني على المحتويات المقدمة في هذا المجال وعدم قدرة مجلس تنظيم الإعلام على اتخاذ إجراءات ضد المخالفين، علاوة على غياب الخبرات المساعدة على استخدام الصحافيين للذكاء الاصطناعي.
وأكد رئيس لجنة استقلال الصحافة بشير العدل أن قيمة مؤتمرات الإعلام بالنسبة إلى وسائل الإعلام والعاملين فيها على الأرض تنحصر في كونها وسيلة لتوصيل أصوات من يواجهون أزمات مهنية واقتصادية وتكنولوجية عديدة، فهي تشبه الاحتجاج على الأداء الإعلامي وتكرر مطالبات تنشد العودة إلى مسار الرسالة الصحيح.
وطالب إعلاميون وأكاديميون مصريون شاركوا في مؤتمر القاهرة للإعلام، الذي اختتم أعماله الأسبوع الماضي، بحرية تداول المعلومات لضمان الحفاظ على مهنة الصحافة، وأكدوا على أنه لا بد من ضمان مادي لحرية الوصول إلى المعلومة، وتضمين ذلك في الدستور المصري.
وأوصى المؤتمر بالإسراع في إصدار قانون يضمن حق وسائل الإعلام في الوصول إلى المعلومات الرسمية وحرية تداولها التزاما بنص الدستور، وضرورة الاهتمام بالسياق والعمق كشرطين لإنتاج محتوى مفيد وإطلاق مدونة سلوك مهني لتنظيم الأنماط الإعلامية الجديدة على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل البث المباشر.
وأضاف العدل في تصريح لـ”العرب” أن “توصيات مؤتمرات الإعلام تشبه قرارات الجامعة العربية التي تظل حبراً على ورق ولا تجد آذانا صاغية من الجهات التي من المفترض أن تلتقط ما يخرج عنها لتطبيقه، ويشير الواقع إلى أنه ليست هناك نية واضحة لإصلاح الإعلام المصري، وهناك قصد لأن يخرج عن رسالته الأساسية بما يقوض استقلاليته ويُسهّل مهمة فرض الوصاية عليه”.
العرب