لحظة موسكو: مقابلة مع خبير أمريكي: هل يمكن لبوتين وضع حد للحرب السورية؟

لحظة موسكو: مقابلة مع خبير أمريكي: هل يمكن لبوتين وضع حد للحرب السورية؟

4010

نفّذت روسيا أولى ضرباتها الجوية ضد سوريا في 29 سبتمبر 2015 بعد حشد عسكري دام أسابيع. وقد تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن التهديد الذي تُشكّله “الدولة الإسلامية” أثناء الخطاب الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. لكن التقارير الأولية تشير إلى أن الضربات الجوية الروسية لم تستهدف مسلحي الدولة الإسلامية، بل استهدفت قوى المعارضة السورية.

وفي هذا الشأن، قال إدوارد جيرجيان، مدير معهد جيمس بيكر التابع لجامعة رايس، في حوار أجراه معه برنارد جويرتسمان، المحرر المساهم في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في الأول من أكتوبر، والمنشور على الموقع الالكتروني لمجلس العلاقات الخارجية ( Council on Foreign Relations)، إن تشكيل ائتلاف عريض القاعدة ضد الدولة الإسلامية قادر على وضع الأساس لانتقال سياسي يظل فيه الرئيس السوري بشار الأسد في موقعه في البداية، مستدركًا بقوله: “لكن ليس بالضرورة أن يظل فيه في النهاية”. ويطرح جيرجيان الذي خدم من قبل كسفير للولايات المتحدة في سوريا، السؤال التالي: “أيمكن لملمة شعث سوريا في يوم من الأيام؟ لا أحد لديه إجابة عن ذلك”.

نص الحوار:

بصفتك مراقبًا قديمًا للشرق الأوسط وسفيرًا أمريكيًّا سابقًا إلى سوريا، كيف يمكن برأيكم للقوى العالمية أن تضع نهاية للأهوال الحالية التي تشهدها سوريا؟

لا توجد إجابة سهلة عن هذا السؤال. فالأسد لا يسيطر إلا على ما بين 20 و25 في المائة من أراضي سوريا، تتمثل في دمشق وحمص وحماة وساحل البحر المتوسط. أما الأجزاء الأخرى من الدولة فتخضع لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا أو الجماعات المتمردة أو الأكراد. وقد تفاقم التحدي بفعل تدفق اللاجئين السوريين إلى الخارج. فهناك نحو سبعة ملايين سوري مشردين داخليًّا من أصل تعداد سكان كان يبلغ أربعة وعشرين مليون نسمة قبل الحرب. وهناك أربعة ملايين آخرين لاجئين في الخارج، حيث يوجد في لبنان نحو مليون لاجئ، وفي تركيا نحو مليونين، وفي الأردن ما يقرب من 800 ألف لاجئ، ويوجد البعض في العراق. ويمثّل هؤلاء اللاجئون مصدرًا محتملا لاستمرار التدفقات إلى أوروبا؛ لأنهم يائسون.

تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا يُعد واحدًا من القضايا الأساسية. القضية الأخرى هي مستقبل الدولة السورية: فهل يمكن لملمة شعث سوريا في يوم من الأيام؟ لا أحد لديه إجابة عن ذلك.

يحظى نظام الأسد بدعم سياسي وعسكري قوي من روسيا وإيران وحزب الله. وقد تلقت المعارضة -وهي عبارة عن جماعات علمانية، وبعض الجماعات الإسلامية مثل جبهة النصرة- معونات من دول الخليج وتركيا. أما الولايات المتحدة فقد ظلت تقدم الدعم للمعارضة العلمانية، لكن ثبت أنها عديمة الجدوى، حيث أُنفقت ملايين الدولارات لكن لا يمكننا أن نتحدث إلا عن حوالي خمسين مقاتلا متمردًا دُرِّبوا على أيدي القوات الأمريكية. وهذا إخفاق حقيقي من منظور عملياتي. فهل سيستمر الصراع إلى أن يستبد الإنهاك بمختلف الأطراف إلى أن يأتوا زاحفين إلى مائدة المفاوضات؟ هذا ما رأيناه في الحرب الأهلية اللبنانية.

في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ركزت كل من روسيا والولايات المتحدة على سوريا. فهل من الممكن أن يتم التوصل إلى حل وسط بين القوتيْن الكبرييْن بشأن سوريا؟

في وقت سابق صرح الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأن الأسد يجب أن يرحل لأنه جزء من المشكلة، وبالتالي لا يمكن أن يكون جزءًا من الحل، وقد ذكرت الإدارة الأمريكية أنه يطلق النار على رجاله. وفي السنوات التي مضت من ذلك الحين، استخدم الأسد سلاح الجو لتنفيذ عمليات مدمرة ضد قوى المعارضة، كما استخدمها أيضًا ضد قطاع كبير من السكان المدنيين.

يتخذ بوتين موقفًا شديد الوضوح حيال الأسد ونظامه. فهو يرى أن أي شيء من شأنه أن يُضعف النظام سيفتح الباب أمام الدولة الإسلامية في العراق وسوريا وغيرها من الجماعات المتطرفة للاستيلاء على الدولة السورية. ويريد الروس تكوين ائتلاف مناهض للدولة الإسلامية في العراق وسوريا، وترك نظام الأسد وشأنه. وهم يلتمسون تعاون الولايات المتحدة.

لكن هناك غموضًا خطيرًا في التكتيكات والسياسات الروسية. فانضمام روسيا إلى ائتلاف دولي مناهض للدولة الإسلامية في العراق وسوريا شيء، لكن إذا كانت أعمالها العسكرية تستهدف أيضًا الجماعات المتمردة، فسوف يُنظر إليها في المقام الأول على أنها تعمل على تعزيز نظام الأسد الذي استبد به الضعف. وهذا يمكنه أن يؤدي إلى قضايا سياسية بل وعسكرية خطيرة مع الولايات المتحدة ومع الائتلاف المناهض للدولة الإسلامية في العراق وسوريا ككل.

ما الذي يكمن وراء مقترحات بوتين باستخدام القوة؟ فلا يبدو أن مصالحه في سوريا مقصورة على قتال مسلحي الدولة الإسلامية.

تعمل روسيا على تعزيز وضعها العسكري في سوريا. ومن وجهة نظر بوتين، فإن التهديد الأكبر هو انتشار الراديكالية الإسلامية على الحدود الجنوبية لروسيا الاتحادية. فقد خاض حربًا دامت سنتيْن في الشيشان، وهناك حركة إسلامية راديكالية في داغستان. وهو ينظر إلى سوريا كمصدر محتمل للراديكالية في بلده (روسيا). وتزعم موسكو أن الدولة الإسلامية في العراق وسوريا نجحت في تجنيد ألفي روسي على الأقل من جماعات عرقية مختلفة. وبمقدور هؤلاء أن يُشكلوا تهديدًا إرهابيًّا داخليًّا في روسيا الاتحادية ذاتها.

كما أن للروس أيضًا مصلحة قوية في الاحتفاظ بإمكانية استخدامهم المنشأة البحرية الواقعة في مدينة طرطوس الساحلية السورية، والتي تمثل القاعدة البحرية الوحيدة التي يملكها الأسطول الروسي في المياه الدافئة على البحر المتوسط. وحدوث تغيير في النظام الحاكم في سوريا من شأنه أن يهدد وجود روسيا العسكري والبحري في سوريا.

وتعود العلاقات التي تجمع روسيا بالنظام البعثي الذي تتزعمه عائلة الأسد في دمشق إلى زمن الاتحاد السوفيتي، ونظرًا لانحسار النفوذ الروسي في الشرق الأوسط مع سقوط الاتحاد السوفيتي، يرى بوتين مصلحة في إعادة ترسيخ هذا النفوذ حيثما أمكن في المنطقة. وسوريا مناسبة تمامًا لهذا الغرض. لكن ينبغي على بوتين أن يحذر مما يطمح إليه. فالتدخل العسكري الروسي في سوريا يمكن أن تترتب عليه تبعات غير مقصودة، وهي توجيه أنظار الجماعات الإسلامية الراديكالية إلى روسيا كعدو أول وهدف للثأر. كما ينبغي أن يتذكر بوتين أيضًا التجربة السوفيتية في أفغانستان؛ حيث نجح المجاهدون في إخراج الجيش السوفيتي من أفغانستان.

قال وزير الخارجية جون كيري إنه على الرغم من الألفاظ القاسية التي خرجت من الرئيسين الأمريكي والروسي، كلٌّ في كلمته المنفصلة التي ألقاها في الأمم المتحدة، فإن الولايات المتحدة يمكن أن ترى إمكانيةً ما للتعاون مع روسيا في حال وافق الأسد في مرحلة مستقبلية على التنحي عن منصبه. فما تفسيرك لهذا؟

هذا تحول دقيق في الموقف الأمريكي. فعندما كان كوفي أنان وسيط الأمم المتحدة في شأن سوريا، كان يرى أنه لا يمكن أن يكون هناك حل ما لم يكن اللاعبون الخارجيون الكبار جزءًا من مجهود الأمم المتحدة، وهو ما كان يعني روسيا وكذلك إيران. وقد ظلت الولايات المتحدة نافرة من أي انخراط إيراني، ومرتابة في أي انخراط روسي، لكننا رأينا الرئيس أوباما يدعو في الأمم المتحدة إلى “انتقال منظَّم” يتضمن قيام ائتلاف دولي تشارك فيه الولايات المتحدة وروسيا وإيران والمملكة العربية السعودية وقطر وتركيا والأوروبيون بالهجوم على الدولة الإسلامية في العراق وسوريا. وثمة فرصة هنا، لأن الدولة الإسلامية في العراق وسوريا تشكّل تهديدًا كبيرًا لكل الأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط بما في ذلك إيران.

لكن البراعة تكمن في كيفية التعامل مع مسألة الأسد. هناك تحول مهم في أعقاب التوصل إلى الاتفاق النووي الإيراني. فالولايات المتحدة لم تعد نافرةً من أي دور إيراني. وقد تمحورت مناقشات بوتين مع أوباما ومفاوضات كيري مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف حول تلك النقطة على الأرجح؛ حيث يمكن إيجاد صيغة معينة للبناء على هذا الائتلاف العالمي استنادًا إلى العداء تجاه الدولة الإسلامية في العراق وسوريا ربما تتضمن بقاء الأسد في موقعه في بداية عملية انتقال سياسي لكن دون أن يبقى فيها بالضرورة في نهايتها.

هل الظروف الآن أكثر ملاءمة للتفاوض بشأن تسوية للحرب الأهلية الدائرة؟

هناك مجال الآن للدبلوماسية. فالرئيس الإيراني حسن روحاني قال في كلمته التي ألقاها في الأمم المتحدة إن الاتفاقية النووية أساس يمكن البناء عليه. ثم أوضح أن التهديد الذي يشكله تحول المنظمات الإرهابية إلى دول إرهابية مشكلة حقيقية في الشرق الأوسط، والدولة الإسلامية في العراق وسوريا نموذج.

هناك مجال للعمل مع الإيرانيين الذين يتمتعون بنفوذ كبير على ما يجري في سوريا، وهناك فرصة للعمل مع الروس الذين لديهم شواغل مشروعة فيما يتعلق بالراديكالية الإسلامية. لكن يجب علينا أن نحذر من ممارسة بوتين لعبة تكتيكية ماكرة، بأن يُقيم منشآت عسكرية في سوريا لتعزيز قدرته التفاوضية بشأن أي مستقبل لسوريا. التحدي عظيم، لكنها فرصة متاحة لكي نطلق مبادرة متجددة سيرًا على الخطى التي بدأها عنان وسلفه (كمبعوث للأمم المتحدة في سوريا) الأخضر الإبراهيمي في الأمم المتحدة، لكن بدعم قوي من المجتمع الدولي.

     برنارد جوبرتسمان

ترجمة وإعداد: طارق راشد عليان

المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية