أثار اختيار أشخاص للجان البرلمانية جدلا سياسيا وشعبيا في العراق، حيث يرى كثيرون أن العملية شهدت اختيارا وفق مبدأ المحاصصة بين الأحزاب في البرلمان من دون مراعاة التخصص أو الخبرة.
وتسبب تصويت مجلس النواب على أعضاء أغلب اللجان النيابية في إثارة حفيظة سياسيين ومراقبين من مختلف التوجهات، فإلى جانب ما شهدته مواقع التواصل من آراء وصفت اختيار اللجان بالعودة إلى المحاصصة، بعيدا عن شعارات الإصلاح التي رفعتها الكثير من الكتل السياسية قبل الانتخابات وبعدها.
توزيع مكوناتي
غير أن مستقلين قالوا إن اختيار الكثير من أعضاء تلك اللجان جاء بناء على التوزيع الحصصي والمكوناتي للكتل السياسية، بعيدا عن التركيز على التخصص والخبرة المطلوبة لطبيعة عمل اللجنة، لا سيما في اللجان السيادية المهمة منها كما أوضح رسول السراي الناطق باسم حركة امتداد (المنبثقة عن الاحتجاجات الشعبية).
وأضاف السراي أن اللجان النيابية أغلبها لم يكن موزعا حسب التخصصات الدقيقة. كما أشار إلى أن التوزيع المكوناتي والطائفي لا يزال حاضرا في توزيع أعضاء اللجان، وفرض نفسه حتى على الكيانات المدنية والجديدة.
وقال إن التشكيل المكوناتي ليس مدرجا ضمن الدستور، ورغم ذلك فقد طغى على عملية الاختيار للجان بحيث إن الكيانات الناشئة والمدنية قد اضطرت هي الأخرى للمشاركة بهذه اللجان، طبقا لتكونها الطائفي أو القومي.
لجان تحت المجهر
الصحفي المتخصص بشؤون مجلس النواب، فضل العبادي، يرى اهتمام الكتل السياسية باللجان النيابية، يختلف من واحدة لأخرى وفقا لأهميتها وارتباطها بالرقابة على شؤون ووزارات سيادية أبرزها (النزاهة، والمالية، والأمن والدفاع، والقانونية، والنفط والغاز، ومتابعة تنفيذ البرنامج الحكومي).
وأشار -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن الكتل النيابية تسعى بالخصوص إلى زج أسماء معينة في تلك اللجان، لمصالح خاصة تقوم على تنفيذ رؤيتها والضغط على الجهات والوزارات وفق ما تقتضي إرادتها، لافتا إلى أن هذا الموضوع “متراكم، وفي كل دورة انتخابية كان يتسبب في أن يكون عمل تلك اللجان أعرج، وبعيدا عن فحواه”.
وطالب العبادي بإصدار قانون أو تعديل النظام الداخلي لتنظيم عملية تشكيل اللجان، معتبرا أنه ليس من المقبول أن يكون في لجان حساسة -كالقانونية والتعليم ولجان أخرى سيادية- أشخاص ليس لهم تخصص في مجال اللجنة المحددة.
القانون هو السبب
إلقاء اللوم على الكتل السياسية وحدها لا يراه مراقبون كافيا لآليات التوزيع في تلك اللجان، إذ يرجع الكثير منهم اعتماد أعضاء اللجان النيابية بعيدا عن تخصصهم إلى طبيعة قانون الانتخابات الأخير، ووجود أصحاب التخصصات داخل المجلس، إلى جانب المحاصصة السياسية.
المحلل السياسي علي البيدر نبّه إلى أن القانون أسهم في إفراغ مجلس النواب من محتواه النوعي، إلى جانب البصمة السياسية في عملية التوزيع.
وأشار البيدر -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن قانون الانتخابات الخاص بالدورة الخامسة لمجلس النواب أسهم في إيصال شخصيات ذات بعد مجتمعي ومناطقي على حساب الشخصيات الأكاديمية والمهنية والفنية؛ وبذلك سوف توجد هذه الشخصيات في اللجان وسيكون وجودها على حساب أداء تلك اللجان وتأثيرها.
ويشارك البيدر في رأيه المستشار القانوني لاوند جلال، الذي ألقى هو الآخر باللائمة على قانون الانتخابات الذي دفع بالأحزاب إلى التركيز على شخصيات اجتماعية ومناطقية للظفر بالمقعد وليس باللجوء إلى الكفاءات، معتبرا أن السماح بترشح شخصيات ليست مؤهلة وليست من حملة الشهادات أضعف البرلمان.
وأشار جلال إلى أن أعضاء البرلمان أكثرهم لا يحمل حتى شهادة البكالوريوس؛ وهو ما تسبب في عدم وجود الكفاءات، وبالتالي وجود لجان من دون تخصص أو كفاءة.
نفي برلماني
في المقابل، ينفى برلمانيون اختيار أعضاء اللجان بعيدا عن التخصص، مؤكدين أن أكثر من 70% ممن صوت عليهم، تم اختيارهم بالاعتماد على الكفاءة والاختصاص، وفق ما يقول عضو مجلس النواب أوميد محمد.
وأضاف محمد -للجزيرة نت- أن اللجان الدائمة تشكلت على أساس الكفاءة والاختصاص، ليس هذا فحسب، بل يرى أن هذه اللجان سيكون لها دور كبير في حل الخلافات وتشريع القوانين التي تحل مشاكل المواطن.
واستدرك محمد بالقول “حاولنا -قدر الإمكان- أن يكون في اللجان متخصصون، ونحن راضون بهذه التوزيعة، وباعتقادي أننا استطعنا أن نوزع اللجان على أساس الكفاءة والاختصاص، وأكثر من 70% جاء وفق هذه المتطلبات”.
القانون والمنطق
تشير إحصائيات مجلس النواب إلى وجود 26 نائبا يحملون شهادة الثانوية فقط، و23 آخرين يحملون شهادة الدبلوم، وعند البحث في أسماء اللجان التي تم التصويت عليها فقد توزع معظم أصحاب هذين المستويين في لجان مهمة كالمالية والنزاهة والدفاع والخارجية والتخطيط الإستراتيجي والكهرباء.
وحسب مراقبين، فإن القانون لا يشترط حمل أعضاء اللجان شهادة الاختصاص، لكن المنطق وطبيعة العمل الرقابي لبعض اللجان السيادية يتطلب التخصص والخبرة للتعامل مع واقع الأزمات التي تعيشها البلاد.