بيروت- يجد الجيش اللبناني نفسه في وضع استثنائي وفي مواجهة متصاعدة مع حزب الله، في بلد يعاني من أزمات كبرى سياسية واقتصادية قد تقرر مصير بقائه موحدا.
ويعول اللبنانيون على الجيش كواحدة من المؤسسات السيادية الأخيرة الصامدة وكضامن لوحدة البلاد، لكن الجيش يرى نفسه أمام أزمة تمويل لا تنحصر في الدعم اللوجستي لوحداته، بل تمس رواتب الجنود والضباط وتجعلهم في وضع يصعب معه استمرارهم في أداء واجباتهم.
~ إذا أثار مرشحو التغيير قضية سلاح حزب الله فلن يساعد الجيش اللبناني الضعيف أو المنهار على فرض الحلول
واعتاد الجيش اللبناني على دفع ما يعادل ألف دولار شهريا للجنود، لكن هذا المبلغ انخفض منذ أواخر عام 2019، وبلغ 30 دولارا وفقا لقيادة الجيش اللبناني، وذلك بسبب فقدان الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المئة من قيمتها مقابل الدولار.
ويصر الجيش رغم هذه الأوضاع التي يعيشها على إظهار قوته والاضطلاع بدوره في فرض الأمن ولو كان داخل المناطق الخاضعة لنفوذ حزب الله.
ويقود الجيش اللبناني منذ أكثر من أسبوع حملة واسعة ضد شبكات وتجار المخدرات في منطقة البقاع جنوب البلاد، رغم التهديدات التي صدرت ضده من شخصيات محسوبة على حزب الله.
ورد قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون على تلك التهديدات خلال زيارته اللواء السادس في بعلبك شرق لبنان بالقول “الأمن خط أحمر، وليس مسموحاً المسّ به، ونحن على أبواب موسم سياحي”، بحسب بيان صادر عن الجيش اللبناني في موقعه على تويتر.
ويتوقع مراقبون أن يتفاقم الإجرام والتشدد في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة، مما سيؤدي إلى تدهور الأمن بشكل عام، مقابل ازدهار تجارة المخدرات مرة أخرى في منطقة البقاع، وهو ما سيعود بالفائدة على حزب الله والنظام السوري.
ورفعت الكثير من الأحزاب التي حصلت على نتائج مهمة في الانتخابات التشريعية شعار نزع سلاح حزب الله، لكن إثارة هذا الموضوع -الذي يبدو صعب التحقيق على المدى القريب نظرا إلى محافظة القوى القديمة على مواقع مهمة رغم تراجعها- تحتاج بالضرورة إلى جيش قوي.
ويرى الزميل الأول والمدير المؤسس لبرنامج الدفاع والأمن في معهد الشرق الأوسط بلال صعب أن نتائج الانتخابات الأخيرة كانت دعما غير مباشر للقوات المسلحة اللبنانية.
وقال في مقال “تكمن الرسالة الأهم في الانتخابات النيابية التي أجريت مؤخرا في أن المزيد من الناس يريدون لبنانا مستقلا وذا سيادة. ويبقى الجيش اللبناني أكثر مؤسسة تسعى إلى التمسك بمثل هذه المبادئ”.
وأضاف “كان هذا تصويتا للجيش اللبناني. وإذا أثار مرشحو التغيير قضية سلاح حزب الله في البرلمان ودعوا إلى تجديد الحوار حول استراتيجية دفاع وطني، فلن يساعد الجيش اللبناني الضعيف أو المنهار على فرض الحلول”.
بلال صعب: نتائج الانتخابات الأخيرة كانت دعما غير مباشر للقوات المسلحة اللبنانية
ويثير التعاطي الغربي السلبي مع أزمة الجيش اللبناني استغراب المتابعين للشأن السياسي في منطقة الشرق الأوسط، حيث يرى هؤلاء أن انهيار القوات المسلحة اللبنانية يعني خسارة الغرب -وخاصة الولايات المتحدة- شريكًا مهمّا في البلاد.
وقبل نحو سنة عقدت فرنسا مؤتمرا دوليا في باريس لدعم الجيش اللبناني لم يتحقق منه أي شيء على الأرض، وفي يناير الماضي قالت الولايات المتحدة إنها تخطط لتوجيه 67 مليون دولار لفائدة القوات المسلحة اللبنانية، وهو ما لم يتحقق بسبب معارضة أعضاء في الكونغرس.
وعبر أعضاء من الحزب الجمهوري عن تخوّفهم من هذه المبادرة، وقالوا إنه لا ينبغي للولايات المتحدة أن تشكل سابقة بتقديم مدفوعات نقدية مباشرة لجيوش الدول الشريكة، ولا ينبغي إعطاء أموال قد تفيد حزب الله.
ويرى صعب أن هذه الحجج غير مقنعة، محذرا من خطورة انهيار الجيش اللبناني على الولايات المتحدة والغرب.
وقال “إذا كان من الممكن الوثوق بالجيش اللبناني لحماية الأسلحة المتطورة التي يتلقاها من الولايات المتحدة، مع سجله المثالي في مراقبة الاستخدام النهائي وفقا لوزارة الخارجية، فمن المؤكد أنه يمكن الوثوق بإدارته للموارد المالية. ويمكن اعتماد مراقبة المنظمات الدولية لضمان أفضل الممارسات والقرارات المالية”.
وأضاف صعب “يجب أن تتفوق الاعتبارات الاستراتيجية لفوائد دعم الولايات المتحدة للجيش اللبناني على المخاوف الثانوية التي أثارها بعض المشرعين الأميركيين. فلا جدوى من الاستمرار في إعطاء معدات أميركية بقيمة عشرات الملايين من الدولارات للجيش اللبناني كل سنة إذا كان الجندي اللبناني العمود الفقري للجيش يكافح للبقاء على قيد الحياة وتلبية احتياجاته الأساسية”.
العرب