دخلت السلطة المصرية بكافة هياكلها، وخاصة الإعلامية وتلك المتخصصة في قطاعي البيئة والطاقة، في حالة تجنيد تام هدفها الاستعداد لمؤتمر المناخ الذي لم تتبق على انعقاده سوى ثلاثة أشهر، لكن محللين يحذرون من أن هذا الضجيج المتزايد لا يكفي لترسيخ قضايا تغير المناخ في بلد تسير سياسته العامة عكس المتطلبات الضرورية للبلد، بدءا من تعاطيه مع المساحات الخضراء وصولا إلى دور الإعلام الذي يبدو مغيبا عن القضايا الحارقة في حين يوجه اهتمامه أكثر إلى الترفيه.
القاهرة – تعمل الحكومة المصرية على حشد جهود الوزارات والهيئات المختلفة للتوعية بقضايا التغيرات المناخية، وضاعفت وتيرة اتفاقات تبادل التعاون المشترك بين جهات ذات صلة مباشرة بملف البيئة وبين مؤسسات تعليمية ودينية وثقافية ومجتمعية، في محاولة لخلق رأي داعم لضمان نجاح فعاليات الدورة السابعة والعشرين من مؤتمر تغير المناخ “كوب 27” الذي تستضيفه مدينة شرم الشيخ المطلة على البحر الأحمر بجنوب سيناء في نوفمبر المقبل.
وتولي القاهرة اهتماما كبيرا بهذه القمة التي ستكون محل تركيز من دول مختلفة لما يصاحبها من فعاليات رسمية وشعبية تريد الحكومة المصرية التعامل معها بإيجابية.
ووقعت وزارة البيئة اتفاقا هو الأول من نوعه مع وزارة التربية والتعليم لتدريب 350 ألف معلم ومعلمة لدمج مفهوم التغيرات المناخية في المواد الدراسية، كل في ما يخصه بمجالات التعليم المختلفة، وسبقه اتفاق مماثل مع وزارة التعليم العالي المسؤولة عن الطلاب في المرحلة الجامعية بهدف توعيتهم بقضايا المناخ.
واستهدفت الوزارة التي تقود الاستعدادات لاستضافة قمة المناخ التأثير في المواطنين عبر مؤسسات عديدة، بينها جمعيات دينية، وذهبت باتجاه الهيئة القبطية الإنجيلية التي تأخذ جهودها طابعًا مجتمعيًا لأجل نشر الوعي البيئي.
ومن المقرر أن يُطلق مجمع البحوث الإسلامية التابع لمؤسسة الأزهر مبادرة جماهيرية الأحد بعنوان “مناخنا حياتنا” بالتعاون مع وزارة البيئة للهدف ذاته الذي يرتبط بنشر الوعي البيئي، وقد يكون للاتفاق أثر مباشر على توجيه الخطاب الديني نحو قضايا المناخ قبل انطلاق قمة “كوب 27”.
وارتبطت المبادرات والاتفاقات التي جرى تدشينها بالاستعداد لاستضافة هذه القمة، ما يشي بأن الهدف الرئيسي يتمثل في نجاحها، بغض النظر عن ترسيخ قضايا المناخ في المجتمع، حيث بات المناخ متحكما رئيسيا في مستقبل الإنسانية من عدمه.
ولم تأخذ أشكال التعاون الأخيرة الصورة التي تدعم إحداث تحول نوعي وتفاعل مجتمعي مع جهات حكومية تضع على عاتقها مهمة تعريف المواطنين بقضايا المناخ.
وتواجه الحكومة انتقادات لأن ممارساتها خلال السنوات الماضية لم تعبر عن الاهتمام الحالي الذي أخذ في التصاعد مع اقتراب انعقاد قمة المناخ، وأن الحملات التي شنها مواطنون لوقف ما جرى وصفه بـ”مذابح الأشجار” وغياب الرقابة على محارق قش الأرز، وتجاهل تحذيرات الجهات المهنية للطبيعة وعدم وجود دراسات بيئية لكثير من المشروعات التي دشنتها، ما يبرهن على عدم وجود خطة واضحة تسير عليها.
وقال أمين عام اتحاد خبراء البيئة العرب مجدي علام إن الجوانب التوعوية لا تقل أهمية عن تحويل زخم قضايا المناخ إلى مشروعات تنفيذية وتحسين الأوضاع البيئية الراهنة، لكن الأهم وضع دراسات بشأن الأثر البيئي على كافة المشروعات التي تنفذها على رأس أولوياتها بما يساهم في إقناع المواطنين وتوعيتهم بالطريقة السليمة.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن البرلمان مازال مقصراً تجاه سن تشريعات رادعة لكثير من الممارسات المضرة بالبيئة، ولا يمكن الحديث عن توعية في وقت يرى فيه الناس حرائق قش الأرز ومكامير الفحم تنتشر داخل بعض المدن ووسط مناطق زراعية، كما أن حرائق المخلفات التي تنتشر في كثير من الشوارع والأزقة من أبرز مسببات الأمراض حاضرة دون رقابة وتسهم في زيادة معدلات الإصابة بالسرطان.
ويؤكد متابعون أن تعديل سياسات الحكومة لا بد أن يكون سابقًا لمساعي التوعية، لأن المواطنين يرون الممارسات السلبية أمام أعينهم، ومحفزات الحفاظ على البيئة من عوامل التلوث المختلفة غائبة، ولدى الكثير منهم قناعة بغياب الإرادة الحقيقية لتحسين أوضاع البيئة، حتى مع كثرة المبادرات.
وتزايدت حالة الرفض الشعبي مع قيام جهات محلية بقطع الآلاف من الأشجار في مناطق متفرقة لتطويرها وتهيئتها لاستيعاب الكثافات المرورية وخاضت جهات مستقلة تراقب الحالة البيئية معارك مع الحكومة لوقف قطع أشجار حدائق منطقة المنتزه بمحافظة الإسكندرية، كذلك الوضع بالنسبة إلى حديقة الأسماك في حي الزمالك الراقي بوسط القاهرة، بجانب تعرض بعض الحدائق العامة في محافظات مختلفة لأضرار بالغة.
حسن علي: اهتمام الإعلام بالترفيه يقلل من تأثيره في القضايا المهمة مثل البيئة
وبدت مبادرة “100 مليون شجرة” التي أعلن عنها رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي الأسبوع الماضي متعارضة مع مذابح الأشجار، وبسبب عدم الاهتمام الحكومي بها جرى إرجاء تنفيذ أولى خطواتها أكثر من مرة على مدار العامين الماضيين، وحينما توفرت الإرادة السياسية الآن أخذت خطوات متقدمة بشأنها، لتعزيز الاهتمام بقضايا المناخ قبيل عقد قمة “كوب 27”.
وتشير تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) إلى أن المساحات الخضراء الموجودة في مصر أقل من 10 في المئة من المساحات الواجب توافرها لعدد سكان مصر، وأن إجمالي حدائق النباتات والمتنزهات عامة يبلغ فقط 37.5 مليون متر مربع، بينما تشير الأرقام الطبيعية إلى حاجة المواطنين إلى نحو 58 مليون متر مربع.
وتخطت منطقة القاهرة الكبرى، وتضم محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية، الحدود العالمية المسموح بها في قانون البيئة في ما يتعلق بملوثات الجسيمات الصلبة العالقة، بحسب مؤشرات ومعلومات وزارة البيئة.
وأشار مجدي علام إلى أن عدم الاكتراث بدراسات الأثر البيئي يقود إلى زيادة ظواهر الجفاف والتصحر في بعض المناطق التي لا تتوفر فيها المساحات الخضراء، كما أن الحكومة مطالبة بتبني سياسات بيئية تتماشى مع الطبيعة الجغرافية لكل منطقة، وليس من المنطقي أن مناطق الحزام المطري والتي تصل إلى 400 ألف فدان من المساحات الخضراء على ساحل البحر المتوسط من العريش شرقًا وحتى السلوم غرباً يجري التعامل معها على نفس أسس مناطق الصعيد الجافة التي تعاني من زيادة زحف الصحاري عليها.
وتتجاهل سياسات الحكومة مشاكل التصنيع الزراعي الذي يضمن الاستفادة القصوى من المحاصيل التي تتعرض للتلف في أوقات قصيرة بسبب التغيرات المناخية الحالية وارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير، وأن تجفيف النباتات والمحاصيل من أبرز طرق تحقيق الأمن الغذائي.
ويقود الاعتماد على طرق ري قديمة إلى معدلات استهلاك عالمية غير مسبوقة لزراعة قصب السكر في أقصى جنوب مصر، ما يشكل خطورة داهمة على تلك المناطق في المستقبل جراء مهددات الجفاف والتصحر التي تواجهها.
◙ الحكومة تواجه انتقادات لأن ممارساتها خلال السنوات الماضية لم تعبر عن الاهتمام الحالي الذي أخذ في التصاعد مع اقتراب انعقاد قمة المناخ
ويؤكد خبراء أن سياسات الحكومة ليست السبب فقط في عدم تماهي المجتمع مع خطواتها، لأن طريقة الترويج ذاتها التي تتسم بأسلوب الحشد الإعلامي لا تساعد على تحقيق نتائج إيجابية في المستقبل، وأن استدعاء قضايا المناخ للنقاش في وسائل إعلام محلية بشكل مفاجئ وخلال فترة وجيزة يشي بأنها مؤقتة إلى حين تحقيق هدف بعينه.
ويرى الخبراء أن هناك حالة من الانفصام بين وزارة البيئة التي تتصدر المشهد وبين دوائر العديد من المثقفين والمؤثرين في الرأي العام، لأن الحديث دائما ما يصدر عن دوائر رسمية، وتدور الدراسات التي تمت في مراكز بحثية للتعريف بقضية التغيرات المناخية في فلك الحكومة، بالتالي فالخطاب أخذ طابعا رسميا وليس موضوعيا ومهنيا يبين بشفافية حقيقة الأوضاع على الأرض.
وأوضح أستاذ الإعلام بجامعة قناة السويس حسن علي أن الإعلام المصري يسير بمنطق إثارة الضجيج السريع تجاه قضية بعينها ثم سرعان ما ينطفئ بعد تحقيق هدفه أو للانشغال بإثارة قضايا أخرى، ويفتقد إلى القدرة على تسليط الضوء على أمور عديدة أبرزها الأزمات المترتبة على التلوث البيئي، ما يجعل وعي المواطنين بها محدودا.
ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن أجندة الإعلام ترتبط مباشرة بتوجهات الحكومة ويأخذ على عاتقة مهمة تنفيذها، لكنه يواجه أزمة تتعلق بعدم وجود خبرات كافية في المجالات العلمية بوجه عام لدى القائمين عليها قدرة على إقناع المواطنين، ويتسبب اهتمامه المبالغ في قضايا الترفيه في تراجع تأثيره في قضايا مهمة.
العرب