مستوى خطر الأمن الغذائي يرتفع مع ارتفاع درجات الحرارة

مستوى خطر الأمن الغذائي يرتفع مع ارتفاع درجات الحرارة

فرض “جنون” المناخ المتزايد وارتفاع درجات الحرارة على الحكومات التفكير جديا في مسألة انعدام الأمن الغذائي خاصة بعد أن دقت بعض الدول ناقوس الخطر لتعلن أنها على شفا مجاعة تهدد بتأجيج الاضطرابات الاجتماعية والسياسية، وهو ما يقول محللون إنه يدعو لبحث ضمانات أفضل تحدد العلاقة بين المناخ والغذاء في حالتي الرخاء والقحط.

لندن – يحذر العلماء منذ سنوات من تأثير الاحترار المناخي الناجم تحديدا عن استخدام الوقود الأحفوري وانبعاثات غازات الدفيئة على التغيّر المناخي والأمن الغذائي العالمي، الأمر الذي أصبح حاليا جليّا للملايين من الأشخاص الذين يواجهون خطر انعدام الغذاء بالتزامن مع تغيرات جنونية في المناخ، أبرزها الارتفاع الكبير في درجات الحرارة.

ولفهم الطبيعة العالمية لنظامنا الغذائي يمكن النظر إلى فنجان القهوة الذي تحتسيه كل صباح، فتلك الكمية الصغيرة من الكافيين تأتي إلى مائدتك عبر شبكة معقدة تضم حوالي 25 مليون مزارع قهوة من البرازيل إلى فيتنام مرتبطين بالعالم من خلال سلسلة إمداد ضخمة وواسعة من التجار والمحامص والممولين والشاحنين ومحلات البقالة والمقاهي، وفي النهاية إلى فنجانك.

والقهوة هي ثاني أكثر السلع تداولا في العالم بعد النفط الخام، وهي صناعة تبلغ قيمتها 466 مليار دولار، وتصل على طاولتك بفضل الوقود الأحفوري الذي يزود السفن بالوقود ويصنع العبوات، وعليه فالقهوة تمثل العولمة في كوب.

لكن القهوة ليست العنصر الوحيد، حيث يتألف نظامنا الغذائي من شبكات الإمدادات التي لا تعد ولا تحصى والمترابطة عبر البحار والقارات، والتي تنقل زيت زيتون البحر المتوسط ولوز كاليفورنيا والقمح الأوكراني والأرز الهندي والكاكاو من غرب أفريقيا وفول الصويا البرازيلي إلى الأسواق في جميع أنحاء العالم، فنظامنا البيئي للغذاء عالمي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ويخلق كمية مهولة من الطعام والذي لم يشهد التاريخ البشري له مثيلا.

أفشين مولافي: العلاقة بين المناخ والغذاء تدعو إلى بحث ضمانات أفضل
ويقول الباحث والخبير السياسي أفشين مولافي إن “لتلك الوفرة نفسها التي تغذيها العولمة جانبا آخر، حيث يمكن أن تؤدي الاضطرابات المفاجئة إلى إحداث فوضى، مما يؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي وانتشار الجوع الجماعي”. لقد شهدنا ثلاثة أحداث كبيرة مثيرة للفوضى في العامين ونصف العام الماضيين، وهي جائحة كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا وأخيرا الجفاف الذي لا يزال قائما وموجات الحرارة التاريخية من الساحل الغربي للولايات المتحدة إلى أوروبا والصين.

ويرجح الباحث أن يكون الحدث الأخير الناتج عن ارتفاع درجات الحرارة هو الأكثر إثارة للفوضى على المدى الطويل، فبالنظر إلى الفوضى التي تعيشها أوروبا اليوم، حيث عانت إسبانيا والبرتغال وفرنسا وإيطاليا مؤخرا من موجات حرارة تاريخية وبعض أسوأ موجات الجفاف المسجلة منذ خمسة قرون، وأدت تلك الضربات المزدوجة من الحرارة والجفاف إلى خفض مستويات الأنهار، وتدمير المحاصيل، وفرض ضرائب على الكهرباء، وتباطؤ التصنيع.

وأدى انخفاض مستويات الأنهار إلى تقليل الطاقة الكهرومائية، والذي تزامن مع أوقات صعبة للغاية بالنسبة إلى البنية التحتية للطاقة في أوروبا نظرا للارتفاع السريع في أسعار الغاز الطبيعي. وتستخدم ألمانيا المزيد من الفحم، الوقود الأحفوري الأكثر تلويثًا، للتعامل مع هذا الحدث الطارئ، ومع ذلك، فإن انخفاض مستويات الأنهار قد أدى إلى تعقيد استخدام الفحم، فالسفن التي تحمل الفحم على نهر الراين راسية بلا حراك.

والحكومات الأوروبية لديها نظام حماية أقوى وضمانات أفضل لسلسلة التوريد مقارنة مع معظم دول العالم، وفي حين أن الاضطرابات الحالية ستكون مؤلمة للقارة العجوز، إلا أن القارة لن تشهد مستويات هائلة من انعدام الأمن الغذائي أو الجوع، ولكن ليس الأمر كذلك بالنسبة إلى القرن الأفريقي، حيث تركت أشد موجات الجفاف حدة منذ أربعة عقود ما يقرب من 18 مليون شخص في جميع أنحاء الصومال وكينيا وإثيوبيا يكافحون من أجل العثور على ما يكفي من الغذاء، ويعاني عشرات الملايين من مستويات متفاوتة من انعدام الأمن الغذائي. ونحن نشهد كارثة إنسانية أمام أعيننا، بسبب الصدمات الخارجية لنظامنا الغذائي على مدى العامين ونصف العام الماضيين، والقرن الأفريقي هو مثال حي على العلاقة بين المناخ والغذاء. أما بالنسبة إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فقد أصدر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة تحذيرا واضحا.

ويرى مولافي وهو أيضا زميل أول في معهد السياسة الخارجية بكلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة ومحرر ومؤسس النشرة الإخبارية للعالم الصاعد، أن هناك أزمة كبيرة تتفاقم في جميع أنحاء المنطقة حيث يفتقر 73 مليون شخص في 14 دولة إلى الإمدادات الغذائية الكافية، في حين أن بعض البلدان الأكثر تضررا تعاني من عوامل خارجة مثل الحرب أو سوء الإدارة أو الفساد، وعليه فإن العلاقة بين المناخ والغذاء ستلعب دورا بارزا في مستقبل المنطقة.

وأشار تقرير حديث لصندوق النقد الدولي إلى أن الكوارث المناخية تؤدي إلى نزوح 7 ملايين شخص سنويا في جميع أنحاء الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وفي المتوسط تؤدي الكوارث المناخية أيضا إلى 2600 حالة وفاة و2 مليار دولار من الأضرار سنويا، وتعكس أرقام صندوق النقد الدولي هذه فقط قصة الأحداث الكارثية، ولكنها لا تعكس الآثار الصحية طويلة المدى لتلوث الهواء اليومي أو حالات الفقر الغذائي للأطفال.

◙ مما زاد من تفاقم المشكلة هو أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي المنطقة الأكثر شحا للمياه في العالم

ومما زاد من تفاقم المشكلة هو أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي المنطقة الأكثر شحا للمياه في العالم وذلك وفقا لمكتب المراجع السكانية، كما يشير المكتب إلى أن المنطقة هي موطن فقط لـ1.4 في المئة من المياه العذبة المتجددة في العالم على الرغم من أنها موطن لحوالي 6.3 في المئة من سكان العالم، ومن المقرر أن تستمر الضغوط الديموغرافية على إمدادات المياه خلال العقدين المقبلين.

كما ضرب الجفاف الصين، حيث شهدت العديد من المقاطعات الصينية أسوأ فترات الجفاف منذ أكثر من ستة عقود، وقد أدى هذا إلى تباطؤ التصنيع وعرقلة سلاسل التوريد وخفض الطلب على المنتجات الصينية. وكانت الصين محركا رئيسيا للطلب على النفط والغاز في الخليج العربي على مدى العقدين الماضيين، ويمكن أن تخفض أي مؤشرات على تباطئ الطلب أسعار النفط.

ويشدد الباحث السياسي على أنه يجب اعتبار تقلبات الطقس الشديدة الآن كوضع طبيعي، وليس وضعا استثنائيا، كما لا ينبغي أن تتفاجأ أنظمتنا الغذائية بمثل تلك التقلبات المناخية، وتحتاج العلاقة بين المناخ والغذاء إلى ضمانات أفضل. ونظرا لأنه من المقرر عقد التجمعين العالميين التاليين للمناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في مصر في عام 2022 والإمارات العربية المتحدة في عام 2023، فيجب أن تكون العلاقة بين المناخ والغذاء على رأس جدول الأعمال.

العرب