دور قطر في حل أزمة نقص الغاز في القارة العجوز

دور قطر في حل أزمة نقص الغاز في القارة العجوز

الباحثة شذى خليل*

قطر في ظل الأزمة الروسية الأوكرانية المتمثلة بتقلبات سوق الطاقة العالمي وبالأخص في القارة الاوربية، تمتلك مكانة مميزة لتعزيز دورها في سوق الغاز الطبيعي المسال العالمية، بعد أن انتزعت صدارة أكبر المصدّرين من الولايات المتحدة، بعد ارتفاع الطلب على الغاز غير الروسي الذي خلق مشهدا جديدا، بالرغم من تأثر الوضع التنافسي لقطر بعد ثورة النفط الصخري الأميركية، فهي تمتلك الآن فرصة لاستعادة مكانتها في الساحة الدولية كلاعب مهم في أسواق الغاز وأيضا من خلال تحسين العلاقات مع الغرب.
وتضع قطر خططًا لزيادة الطاقة الإنتاجية لحقل الشمال العملاق، بما يتجاوز 126 مليون طن سنويًا، وفقًا لما نقلته منصة “أبستريم أونلاين” وشركة قطر للطاقة تملك خطَّي إنتاج آخرين للغاز المسال إلى المرحلة الثانية من التوسعة، وهي مشروع حقل الشمال الجنوبي، مدعومة بأسعار الغاز المرتفعة المستمرة والاهتمام المتزايد من المستهلكين الأوروبيين والآسيويين.
الوضع الجيوسياسي الآن يعمل لمصلحة قطر ويعتقد مراقبو الصناعة أنه لا يوجد وقت أفضل لتحقيق سعة غاز طبيعي مسال أعلى، على الرغم من أن تحقيق هذا الهدف قد يستغرق سنوات، وان موقع قطر بين آسيا وأوروبا يضعها أيضًا شريكًا مفضلًا لصادرات الغاز الطبيعي المسال.

ويؤكد الاقتصاديون، أن نظام الطاقة العالمي سيكون قد تغير بشكل كبير بحلول الوقت الذي سيتم فيه رفع العقوبات الغربية عن روسيا. التبعية المتبادلة في قطاع الطاقة – وهي واضحة بشكل خاص فيما يتعلق بالغاز – وفقا للخبير الإيطالي، هي الجسر الأخير الذي يربط بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، فـ “عندما يصبح (الاعتماد المتبادل) ممكنا سياسيا، ولن يتحقق ذلك قريبا، ستحاول الدول الأوروبية عبور هذا الجسر مرة أخرى. ثم قد يظهر اهتمام جديد بموارد الطاقة الروسية.
قطر تتقدم من الناحية الإنتاجية على الولايات المتحدة لتصبح أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، إذ تجاوزت صادرات قطر في أبريل/نيسان 7.5 مليون طن متري، وفقًا لبيانات تتبّع السفن التي جمعتها بلومبرغ.
خلال أشهر الشتاء، أدت درجات الحرارة المنخفضة -جنبًا إلى جنب مع رغبة أوروبا في خفض الاعتماد على الطاقة الروسية- إلى زيادة الطلب على الغاز الطبيعي وأسعار الوقود، وعند انتهاء فصل الشتاء، استغلت بعض محطات التصدير الأميركية مدة انخفاض الطلب وانخفاض الأسعار للخضوع للصيانة، ما أدى إلى خفض الإنتاج في الولايات المتحدة.
هذا يجعل الولايات المتحدة وقطر في سباق للهيمنة على سوق الغاز الطبيعي المسال العالمية، وبمجرد اكتمال محطة تصدير كالكسيو باس في لويزيانا في وقت لاحق من هذا العام، من المتوقع أن تصل الولايات المتحدة إلى ذروة قدرة إنتاج الغاز المسال عند 13.9 مليار قدم مكعّبة من الغاز الطبيعي يوميًا.

خطط قطر للإنتاج:
تعتزم شركة قطر للطاقة -أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم- رفع إنتاجها من الغاز المسال بنحو 40% إلى 110 ملايين طن سنويًا بحلول عام 2026.
في حين تخطط قطر لمشروع تصدير ضخم في أواخر القرن الـ21، والذي يمكن أن يعزز الدولة الشرق أوسطية بوصفها أكبر مورّد لوقود الغاز المسال، اكتشفت قطر حقل الشمال، أحد أكبر احتياطيات الغاز في العالم الذي تشترك فيه مع إيران، في الخليج شمال شرقي شبه الجزيرة العربية في عام 1971، وسلمت أول شحنة من الغاز الطبيعي المسال إلى اليابان في عام 1996، وبحلول عام 2010، كانت قطر أكبر مزود للغاز الطبيعي المسال في العالم، حيث أنتجت 55 مليون طن في ذلك العام.
وحسب كارول نخلة، الرئيسة التنفيذية لشركة “كريستول إنرجي” الاستشارية، فإنه بعد التنافس على المركز الأول مع أستراليا والولايات المتحدة لمدة عقد من الزمان، ساعدت الاضطرابات الناجمة عن الحرب الروسية قطر على إعادة تأكيد أهميتها.
وتسعى قطر جاهدة منذ التسعينيات لتطوير أول مشروع في حقل الشمال، وقامت بتحويل ثرواتها من الغاز إلى صندوق ثروتها السيادية، مما عزز مكانة البلاد الدولية من خلال إجراء استثمارات بارزة مثل صفقة عام 2011 لشراء نادي باريس سان جيرمان لكرة القدم.
وفقا لفرانشيسكو ساسي يعمل في ، Ricerche Industriali ed Energetiche المتخصص في أسواق الغاز في شركة البحوث والاستشارات الإيطالية ، سوف تتمكن قطر، بعد اكتمال المشروع في العام 2027، من زيادة إمدادات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا بشكل كبير. أما الآن، أثناء حاجة العالم القديم إلى هذا الغاز، فإن إمكانات الدوحة لزيادة حادة في الصادرات محدودة للغاية.
وحسب فرانشيسكو، فإن المشترين الآسيويين للغاز القطري أكثر موثوقية من المشترين الأوروبيين، من الناحية التجارية ومن حيث المصداقية، عندما يثبت الشركاء الآسيويون مصداقيتهم على مدى سنوات عديدة من التعاون، نجد أن أوروبا ليست على استعداد تام لتوقيع عقود طويلة الأجل.

الأسعار:
ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي المسال الفورية إلى مستويات قياسية في آسيا خلال الأشهر الأخيرة، إذ جرى تداوله بأكثر من 30 دولارًا/مليون وحدة حرارية بريطانية في بعض الأوقات، وهو ما أجبر الدول الرئيسة المستهلكة للغاز على النظر في ترتيبات التوريد طويلة الأجل مع منتجين مثل قطر وأستراليا والولايات المتحدة، وفي حين ان ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المسال يمكن أن يُضعف الطلب العالمي على المدى الطويل.
كثّفت الشركات الألمانية مباحثاتها مع قطر من أجل تأمين إمدادات غاز كافية تعوضها عن نقص الغاز الروسي، وجديدها مبادرات من “يونيبر” و”آر.دبليو.إي”.
الشركة تقول: “تربطنا علاقة عمل جيدة مع قطر منذ سنوات عديدة. منذ الزيارة السابقة للحكومة الألمانية التي شاركنا فيها، نجري محادثات جيدة وبناءة بشأن مزيد من شحنات الغاز الطبيعي المسال”.
وقالت الشركة في تعليقات عبر البريد الإلكتروني: “تعمل يونيبر جاهدة حالياً لتنويع مصادر إمدادات الغاز. وتلعب قطر أيضاً دوراً مهماً في هذا”، ومع ذلك، لا يوجد اتفاق حتى الآن بشأن توسيع أو تمديد تسليم الغاز الطبيعي المسال”.
وتستحوذ ألمانيا على محطات غاز طبيعي مسال في إطار جهودها لتنويع وارداتها بعيداً عن الغاز الروسي، وكان هابيك يتحدث في لوبمين بشمال ألمانيا، حيث تأمل الحكومة في تشغيل وحدة عائمة لتخزين الغاز الطبيعي المسال وإعادة تحويله إلى حالته الغازية بنهاية عام 2023 على أقرب تقدير.
كانت الصفقات مع شركات “شل” (Shell) البريطانية و”إكسون موبيل” (Exxon Mobil) و”كونوكو فيلبس” (ConocoPhillips) الأميركية و”توتال إنرجي” (Total Energies) الفرنسية و”إيني” (Eni) الإيطالية في طور الإعداد منذ سنوات وليست نتيجة للرغبة في إيجاد إمدادات الطاقة البديلة في أعقاب الحرب الروسية.
مع ذلك، فإن حقيقة أن كبرى شركات الطاقة الغربية كانت حريصة للغاية على الانضمام إلى المشروع دليل على الأهمية المتزايدة لقطر باعتبارها قوة عظمى في مجال الغاز، وصرح كلاوديو ديسالزي، الرئيس التنفيذي لشركة “إيني” إن “انضمام قطر إلى المنافسة يعد علامة فارقة بالنسبة لنا”.

ختاما، وحسب تاريخ قطر الإنتاجي ، انها من البلدان الموثوق بها إنتاجيا والتزامها اتجاه الأطراف الأخرى ، إذ باعت قطر معظم الغاز الطبيعي المسال الخاص بها إلى المرافق الآسيوية بموجب عقود طويلة الأجل، وأصبحت موردا موثوقا، وذلك وفقا لفرانك هاريس، خبير الغاز الطبيعي المسال في شركة “وود ماكينزي”.
قد يساعد هذا الأمر في تهدئة المخاوف ببعض العواصم الأوروبية بينما تستعد للبحث عن بدائل أخرى للطاقة الروسية، وعلى الرغم من أن حوالي ثلثي صادرات قطر موجهة نحو الدول الآسيوية بموجب عقود طويلة الأجل، فإن قطر حريصة على أن يكون تقسيم العرض لمشروع حقل الشمال الشرقي أكثر توازنا، حيث يتدفق نصف الإنتاج تقريبا إلى أوروبا.

وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية