أسلمة الأنظمة الاجتماعية تقود إلى قهر المرأة واضطهادها

أسلمة الأنظمة الاجتماعية تقود إلى قهر المرأة واضطهادها

يخيّل إلى متابعي المشهد في الدول التي حاول الإسلام السياسي السيطرة على الحكم فيها وأخفق، أن الجهود المبذولة هي مجرّد أنشطة سياسية، وفي الواقع فإن الإسلاميين كانوا قد قرروا منذ زمن بعيد المضي في جهود أسلمة الأنظمة الاجتماعية، بغض النظر عن انتظارهم لفرصة الوصول إلى السلطة، كما في الحالة الإيرانية التي تبدو مثالا فاقعا للتعامل العنيف والتمييزي مع المرأة.

لندن – الإستراتيجيات التي يتبناها الإسلاميون تعكس بشكل أساسي مواقفهم تجاه “العلوم الاجتماعية الحديثة”، والتي يعتبرونها في الأصل علوما مضادة للفكر الديني الإسلامي، والحل إزاءها هو رفضها جذريا والسعي لتطبيق ما يجدونه في التراث الإسلامي، ليكون هناك ”نظام اجتماعي إسلامي“ بالكامل.

ولا يقود هذا المنهج إلا إلى التصادم مع متطلبات بناء الدولة الحديثة على قواعد المساواة، لأن كل القائلين بـ”أسلمة العلوم الاجتماعية“ مجمعون على أن تلك الأنظمة يجب أن “تتواءم” مع المعايير الإسلامية للحياة الاجتماعية، كما يقول سي هون بيو الباحث والمحاضر في كلية برجايا بماليزيا. وقد نشرت في الأسابيع القليلة الماضية تقارير صادمة تكشف أن ”الجمهورية الإسلامية“ في إيران تنفذ عمليات إعدام بشكل مستمر، إلا أن تلك العلميات تمتاز بأنها تنفذ بنسبة عالية جدا بحق النساء.

النساء يشكلن أكثر من 50 في المئة من حملة الشهادات الجامعية، بينما تبلغ نسبتهن 17 في المئة فقط من القوى العاملة

المديرة التنفيذية لمركز “عبدالرحمن بوروماند” الإيراني لحقوق الإنسان رويا بوروماند قالت لهيئة الإذاعة البريطانية إن ست نساء إيرانيات تم إعدامهن في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، إضافة إلى ثلاث نفذ فيهن حكم الإعدام في شهر أغسطس الماضي، وهذا كله قبل اندلاع الانتفاضة الشعبية الأخيرة.

وأضافت بوروماند “سجلنا بين عامي 2000 و2022 إعدام ما لا يقل عن 233 امرأة، حوالي 15 في المئة فقط من هذه الحالات تم الإعلان عنها رسميا“.

أما الصحافية الإيرانية آسيا أميني فتقول إنه في إيران “بموجب القانون، الأب والجد للأب، هما رب الأسرة وهما من يقرران مصير بنات الأسرة، بما في ذلك الزواج واختيار الزوج“، مضيفة قولها إن النساء يبقين ضحايا العنف طوال حياتهن.

وتستحضر أميني قضية الفتاة عاطفة التي تبلغ من العمر 16 عاما والتي تعرضت للاغتصاب من قبل عدد من الرجال، وبدلا من تحقيق العدالة للفتاة المراهقة، أجمع القضاة في العام 2004 على أنها مارست الجنس خارج إطار الزواج، فحُكم على عاطفة بالإعدام لاعترافها بممارسة الجنس مع بعض الرجال، في حين كانت الحقيقة هي أنها تعرضت للاغتصاب فعلا.

تشتكي الإيرانيات من أن قانون العقوبات الإسلامي في إيران يطبّق بشكل اعتباطي، فإذا اعترف شخص ما بممارسة الجنس خارج إطار الزواج، فسيُحكم عليه بالجلد 100 جلدة، لكن غالبا يجري إعدام النساء خارج إطار القانون، ووفقا لما يرتئيه القاضي.

الأنظمة القانونية الاجتماعية المتّبعة في إيران لا تطبّق التمييز ضد النساء في حالة الإعدام، بل في كافة الحقوق المدنية، وعلى رأسها العمل، ووفقا لتقرير لـ”هيومن رايتس ووتش“ فإن النساء الإيرانيات يواجهن ”مروحة واسعة من الحواجز القانونية والاجتماعية“، لا تقيّد حياتهن فحسب بل مصادر رزقهن، وتساهم في انعدام المساواة الاقتصادية بينهن وبين الرجال.

وتشكل النساء أكثر من 50 في المئة من حملة الشهادات الجامعية، بينما تبلغ نسبتهن 17 في المئة فقط من القوى العاملة. وقد وضع التقرير العالمي للفجوة بين الجنسين والذي نشره “المنتدى الاقتصادي العالمي”، إيران بين آخر 5 بلدان في العالم من حيث المساواة بين الجنسين، بما في ذلك المساواة في المشاركة الاقتصادية.

الأيديولوجيا المهيمنة في إيران منذ الثورة الإسلامية فاقمت التمييز ضد النساء في سوق العمل الإيرانية، وتركت للنساء أدوارا محدودة ليقمن بها، مثل أن يكنّ أمهات وزوجات، مهمشة إياهن من الحياة العامة.

صحيح أن القوانين التمييزية في القانون المدني الإيراني تعود إلى العام 1936، ولكن بعد سيطرة الإسلاميين على الحكم عام 1979 تراجعت السلطات عن التقدّم الذي حققته التشريعات التي سُنَّت عام 1976 المروِّجة للمساواة بين الجنسين، لاسيما في قانون الأسرة، واستعادت تلك القوانين القديمة، وفرضت قيودا حتى على الملابس في الحياة العامة، وعاقبت الناشطات بسبب محاولتهن ترويج المساواة بين الجنسين في القوانين والممارسات.

العرب