الناقورة (لبنان) – يوقّع ممثلون عن لبنان وإسرائيل الخميس اتفاق ترسيم الحدود البحرية بعد أشهر من مفاوضات مضنية بوساطة أميركية، ما أتاح لإسرائيل البدء بإنتاج الغاز من منطقة كان متنازعا عليها، فيما يأمل لبنان الغارق في انهيار اقتصادي، ببدء التنقيب قريبا.
ووقّع رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد على اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان الخميس، واصفا الخطوة بـ”الإنجاز السياسي”.
وقال لابيد قبيل التوقيع على الاتفاق “اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان يعزز ويحصن أمن إسرائيل وحرية عملنا ضد حزب الله”.
وتابع رئيس الوزراء الإسرائيلي قائلا “هذا إنجاز سياسي، فليس كل يوم تعترف دولة معادية بدولة إسرائيل في اتفاق مكتوب أمام المجتمع الدولي بأسره”.
وأضاف لابيد “اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان يشكل أيضا إنجازا اقتصاديا. إسرائيل ستحصل على 17 في المئة من أرباح حقل قانا – صيدا، وهذا سيدخل للاقتصاد الإسرائيلي أموالا ستصرف على الرفاهية والصحة والتعليم والأمن”.
ويأتي هذا الاتفاق في وقت تبحث الدول الغربية، والأوروبية تحديدا، عن مصدر جديد للغاز لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي إثر الحرب في أوكرانيا.
وعشية توقيع الاتفاق الذي وصفه الرئيس الأميركي جو بايدن بـ”التاريخي”، أعلنت شركة إنرجيان بدء إنتاج الغاز من حقل كاريش البحري الإسرائيلي.
وتسارعت منذ أشهر التطوّرات المرتبطة بالملف. وبعد لقاءات واتصالات مكوكية، قدّم الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الذي تقود بلاده وساطة منذ عامين، بداية الشهر الحالي عرضه الأخير، وأعلن الطرفان موافقتهما عليه.
والتقى هوكشتاين الخميس الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري، على أن يتوجه عصرا إلى مقر قوات الأمم المتحدة في بلدة الناقورة في جنوب لبنان، حيث سيتم توقيع الاتفاق، وينتقل بعدها إلى إسرائيل.
وإثر لقائه عون، أعرب هوكشتاين عن سعادته بالوصول إلى “هذا اليوم التاريخي في المنطقة.. وإلى اتفاق يخلق الأمل والفرص الاقتصادية والاستقرار بجانبي الحدود”.
وأضاف “المهم الآن بعد وصولنا إلى هذا الإنجاز، ما سيحصل بعده، وأتمنى أن يكون ذلك بمثابة نقطة تحوّل اقتصادية للبنان، لمرحلة جديدة من الاستثمار والدعم للنهوض بالاقتصاد”.
وأشار هوكشتاين إلى الانتخابات المقبلة في إسرائيل في الأول من نوفمبر، ونهاية ولاية الرئيس اللبناني في الحادي والثلاثين من أكتوبر، وقال إن من المتوقع أن يستمر الاتفاق “بغض النظر عمن سيتم انتخابه قريبا رئيسا للبنان”. وأضاف “سيبقى قائما وآمنا مهما حصل في الانتخابات الإسرائيلية”.
ومن المفترض أن يسلّم كل من وفدي البلدين اللذين لا يزالان في حالة حرب، في الناقورة في غرفتين منفصلتين، رسالة تتضمن موافقة بلديهما على الاتفاق، إلى الوسيط الأميركي.
وقال الرئيس اللبناني إن اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل بوساطة أميركية لن يغير السياسة الخارجية لبلاده، التي لا تزال رسميا في حالة حرب مع إسرائيل.
وأضاف عون في بيان للقصر بعد توقيع الاتفاق “إنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية عمل تقني، ليست له أي أبعاد سياسية أو مفاعيل تتناقض مع السياسة الخارجية للبنان في علاقاته مع الدول”.
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إن الاتفاق “سيأخذ شكل تبادل رسالتين، واحدة بين لبنان والولايات المتحدة وأخرى بين إسرائيل والولايات المتحدة”.
وأعرب رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية الخميس عن أمله في أن يساهم إنجاز ترسيم الحدود البحرية الجنوبية في حل الأزمات المالية والاقتصادية.
وقال ميقاتي، خلال لقائه هوكشتاين، “نأمل في أن يكون ما تحقق خطوة أساسية على طريق الإفادة من ثروات لبنان من الغاز والنفط، بما يساهم في حل الأزمات المالية والاقتصادية التي يمر بها لبنان، ويساعد الدولة اللبنانية على النهوض من جديد”.
وأضاف ميقاتي “التعاون بين مختلف المسؤولين اللبنانيين، بمساعدة أصدقاء لبنان، حقق هذه الخطوة النوعية الأساسية في تاريخ لبنان، بعد سنوات من العمل الدؤوب”.
وأكّد أن “الاهتمام الشخصي للرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعطى دفعا لمسار جديد في المنطقة، ولدعم لبنان لاستعادة عافيته الاقتصادية”.
وستحضر المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسك التوقيع، وسيتم تسليمها الإحداثيات الجغرافية المتعلقة بترسيم الخط البحري التي اتفق عليها الطرفان. وستحل تلك الإحداثيات مكان تلك التي أرسلتها الدولتان إلى الأمم المتحدة في العام 2011.
وأوضح نائب رئيس البرلمان إلياس بوصعب المكلّف بملف الحدود البحرية، إثر حضوره لقاء هوكشتاين وعون، أن الأخير وقّع على “رسالة تقول إن لبنان استلم الرسالة الأميركية ووافق على مضمونها”، مشيرا إلى أن الوفد اللبناني سيسلم الرسالة إلى الوسيط الأميركي لاحقا في الناقورة.
ولفت إلى أنه “ستكون هناك رسالة أخرى موقعة من وزارة الخارجية في لبنان، ستوجّه إلى الأمم المتحدة”، وتتضمن نسختين عن الرسائل المتبادلة بين لبنان والولايات المتحدة.
وأوضح متحدث باسم الرئاسة اللبنانية أن مهمة الوفد اللبناني ستقتصر على “تسليم الرسالة فقط بحضور هوكشتاين وممثل الأمم المتحدة، ولن يلتقي الوفد الإسرائيلي إطلاقا”.
الوفد اللبناني الذي كلفه الرئيس عون بالتوجه إلى الناقورة، حيث مراسم توقيع الاتفاق، يضم كلا من مدير عام رئاسة الجمهورية أنطوان شقير ومفوض الحكومة لدى القوات الدولية العميد الركن منير شحادة وعضو هيئة إدارة النفط وسام شباط ورئيس مركز الاستشارات القانونية أحمد العرفة.
وفي إسرائيل، يأتي توقيع الاتفاق قبل أيام على انتخابات تشريعية هي الخامسة في ثلاث سنوات. وقد انتقد رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو الذي يقود المعارضة حاليا، الاتفاق.
وشدّد هوكشتاين على أن الاتفاق “يصب في مصلحة الطرفين (…) إذا انتهك أي طرف الاتفاق، فإن الطرفين يخسران”.
واعتبر الوسيط الأميركي الأسبق فريدريك هوف إن الهدف من الاتفاق “استبعاد احتمال نشوب حرب بحرية” بين الطرفين. وكان لابيد اعتبر سابقا أن التفاهم يبعد إمكانية اندلاع حرب مع حزب الله، العدو اللدود لإسرائيل الذي كان هدد بتصعيد عسكري في حال أقدمت إسرائيل على أي نشاط في حقل كاريش قبل الاتفاق على ترسيم الحدود.
ومن الواضح أن الاتفاق لم يكن ليتم، لولا موافقة حزب الله، القوة السياسية والعسكرية النافذة في لبنان، ولو غير المعلنة حتى الآن، على مضمونه.
وبموجب الاتفاق الجديد، يصبح حقل كاريش بالكامل في الجانب الإسرائيلي، فيما يضمن الاتفاق للبنان حقل قانا الذي يتجاوز خط الترسيم الفاصل بين الطرفين.
وستشكل الرقعة رقم 9، حيث يقع حقل قانا، منطقة رئيسية للتنقيب ستقوم به شركتا توتال الفرنسية وإيني الإيطالية اللتان حصلتا عام 2018 مع شركة روسية على عقود للتنقيب عن النفط والغاز، قبل أن تنسحب الأخيرة خلال العام الحالي.
ومع البدء بإنتاج الغاز من حقل كاريش، أشارت شركة إنرجيان الأربعاء إلى أن “تدفق الغاز يتزايد باطراد”. وقالت إنها تأمل في أن تتمكن في المدى القريب من إنتاج 6.5 مليار متر مكعب سنويا، على أن ترتفع الكمية لاحقا.
أما في لبنان، فقد أعلنت السلطات أنه تم الاتفاق مع شركة توتال على البدء بمراحل التنقيب فور الاتفاق النهائي.
وبما أن جزءا من حقل قانا يقع خارج المياه الإقليمية اللبنانية، ستحصل إسرائيل على تعويض من مشغلي البلوك 9.
ويرى خبراء أن لبنان لا يزال بعيدا عن استخراج الموارد، وقد يحتاج الأمر إلى ست سنوات.
وتعوّل السلطات اللبنانية على وجود ثروات طبيعية من شأنها أن تساعد على تخطي التداعيات الكارثية للانهيار الاقتصادي الذي تشهده البلاد منذ ثلاث سنوات، وصنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850. وقد بات أكثر من 80 في المئة من اللبنانيين تحت خط الفقر، وخسرت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المئة أمام الدولار.
العرب