صلاحيات أكبر لشي تعني خطوات إستراتيجية أكثر في أفريقيا

صلاحيات أكبر لشي تعني خطوات إستراتيجية أكثر في أفريقيا

بعد ما يقرب من عقد في السلطة، أمّن الرئيس الصيني شي جين بينغ علاقة مع الدول الأفريقية لا مثيل لها منذ عهد ماو تسي تونغ، الذي عزز العلاقات مع الحكومات المستقلة حديثا في القرن العشرين. وأدت مبادرتا “الحزام” و”الطريق” اللتان عمل عليهما شي إلى إنشاء مشاريع بنية تحتية ضخمة في جميع أنحاء أفريقيا. لكن الصين الأضعف اقتصاديا تغير الآن مسارها وتريد التأكيد على قوتها السياسية.

بكين – نال الرئيس الصيني شي جين بينغ فترة ولاية ثالثة غير مسبوقة، أعلن عنها يوم الأحد في المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني من خلال تعديل الدستور. ورغم استقرار العلاقات الصينية – الأفريقية، حيث يتحرك شي في اتجاه شمولي في الداخل، يشعر بعض المراقبين الغربيين بالقلق من أن نفوذ الصين سيزيد من إضعاف الديمقراطية في القارة، وفقاً لنزسموت غباداموسي في دورية “فورين بوليسي”.

وقبل جائحة كوفيد – 19، أعطى شي الأولوية لزيارة البلدان الأفريقية، بينما كان باراك أوباما آخر رئيس أميركي يزور القارة في العام 2015. ومن المرجح أن تضمن العلاقات الشخصية التي طورها شي مع القادة الأفارقة سعي الحكومات في القارة للحفاظ على العلاقات الجيوسياسية التي تتوافق مع العلاقات الصينية.

وقد يعني هذا استمرار البعد في العلاقات مع الولايات المتحدة وحلفائها المقربين. ويمكن للأفارقة أن ينظروا إلى الدول الغربية على أنها متعالية على حكوماتهم.

أعلن شي في مؤتمر الحزب العشرين أن العالم يحتاج إلى الصين. ومن المؤكد أن أفريقيا تعتمد على التكنولوجيا والتمويل القادمين من البلد الآسيوي.

وتعتمد العديد من الحكومات الأفريقية على أنظمة الذكاء الاصطناعي الصينية، وتهيمن بكين على سوق الهواتف الذكية في دول مثل نيجيريا، أكبر سوق في القارة، مع ما يقرب من 200 مليون اتصال بالهواتف المحمولة. وتعمل شركة “ترانسيون”، إحدى أكبر شركات تصنيع الهواتف الذكية في الصين، على تسويق علامتي إنفينيكس وتكنو إلى 1.4 مليار شخص في القارة السمراء.

ولا يوجد شك في أن تجدد الضغط الأميركي ضد صعود الصين سيؤثر على أفريقيا، وخاصة هيمنة بكين على سوق التكنولوجيا في القارة. وستدفع سياسات الولايات المتحدة للحد من صعود الصين التكنولوجي بكين إلى الاعتماد بشكل أكبر على موارد أفريقيا الطبيعية، مثل الكوبالت الذي يستخدم في تصنيع رقائق أشباه الموصلات. ويمكن أن يعمق هذا العلاقة بين الصين وأفريقيا أكثر.

وأشار خطاب شي في مؤتمر الحزب إلى تركيز متجدد على آسيا، فضلا عن التنافس بين الصين والولايات المتحدة. وأدت سياسة “صفر كورونا” في الصين وأزمة العقارات إلى تدمير الاقتصاد الصيني.

الصين حوّلت إقراضها في أفريقيا نحو استثمارات أكثر استهدافا في تكنولوجيا الاتصالات والزراعة والطاقة المتجددة

وقلصت بكين الإقراض المؤطر ضمن مبادرتي “الحزام” و”الطريق”، مما ترك الاقتصادات الأفريقية عرضة للخطر في وقت تشهد فيه أسعار العملات انخفاضا وأسعار الفائدة ارتفاعا والغذاء والوقود نقصا.

وفي منتدى التعاون الصيني – الأفريقي الذي عقد العام الماضي أعلنت الصين عن تخفيض بمقدار 20 مليار دولار في التمويل للقارة.

لكن هذا لا يعكس انسحابا كاملا من أفريقيا، بل نهجا أكثر إستراتيجية حيث تصبح الصين جهة إقراض أكثر خبرة. وأصبحت بكين الآن جزءا من اتفاقية إعادة هيكلة الديون مع صندوق النقد الدولي ومجموعة العشرين ودول نادي باريس. وحولت الصين إقراضها في أفريقيا نحو استثمارات أكثر استهدافا في تكنولوجيا الاتصالات والزراعة والطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

ومع تركيز اهتمام الصين على آسيا، قد لا يكون القادة الأفارقة قادرين على الاستفادة من التنافس بين القوى العظمى كما فعلوا في الماضي. وربما يفقدون بعض نفوذهم مع بكين. وتقدر شركة الاستشارات “ماكينزي” أن أكثر من 10 آلاف شركة صينية تعمل في أفريقيا وأن 90 في المئة منها مملوكة للقطاع الخاص. وبما أن الشركات الصينية الخاصة تقود الآن الكثير من قوة بكين الناعمة في أفريقيا، يجب على قادة القارة أن يبدأوا في الضغط من أجل شروط تجارية أكثر عدلا، فضلا عن مطالب أخرى من المواطنين الأفارقة.

ودخلت نيجيريا والصين منذ 2006 في شراكة في مناطق اقتصادية خاصة، وتوفر هذه الشراكة استراحة محددة المدة من الضرائب الفيدرالية والمحلية للشركات الصينية التي تصنع السلع للتصدير إلى الخارج. لكن البدائل الصينية الأرخص ثمنا دمرت صناعة النسيج التي كانت مزدهرة ذات يوم في نيجيريا.

وفي الآن نفسه، تستكشف الشركات الصينية الخاصة في غانا طرقا لزراعة الكاكاو وتصديره. ويذكر أن الكاكاو هو أثمن محصول في البلاد. وتغرس أنشطة مماثلة العداء، حيث يتهم الأفارقة الشركات الصينية بحرمانهم من وسائل عيشهم وبالمساهمة في زيادة التدهور البيئي.

ويجب أن تتوقع الشراكات المستقبلية كيف يمكن للسلع التي تصنعها الشركات الأفريقية أن تتقدم في سلسلة التصدير. وتعمل الدول الأفريقية حاليا على تنفيذ كتلة تجارة حرة قارية ساعدت الصين في التوسط فيها. ونظرا إلى أن الصفقات التجارية تميل إلى تفضيل الصين، فإن للاتفاقية القدرة على إلحاق الضرر بالصناعات المحلية.

وتحرّك الصين دوافع عديدة لبسط نفوذها الاقتصادي على القارة الأفريقية، لتوجد لنفسها موطئ قدم في قارة مترامية الأطراف تعدّ سوقاً استهلاكية مناسبة للمنتجات الصينية، إضافة إلى تحشيد الدعم السياسي من خلال علاقات أوثق مع دول أفريقيا.

تجدد الضغط الأميركي ضد صعود الصين سيؤثر على أفريقيا، وخاصة هيمنة بكين على سوق التكنولوجيا في القارة

ويقول الخبراء إن الصينيين اكتشفوا أن الأفارقة يمتازون عن غيرهم بضعف القدرة الشرائية بسبب الفقر، ما دفعهم إلى بيع سلعهم بأرخص الأثمان وحقق لها مكسباً كبيراً كمنافس للمنتجين الغربيين لا يمكن منافستهم.

وجعل شي من الانفتاح على أفريقيا جزءاً من عقيدته السياسية والاقتصادية والثقافية، وبذلك تمكن من إقناع الأفارقة بتحقيق مصلحة مشتركة للطرفين. علاوة على وضعه لمبدأ كان مريحاً للجميع يقضي بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان التي تنتشر فيها الاستثمارات الصينية، مقدماً نموذجاً معاكساً للنموذج الأميركي والأوروبي الذي جلب، حسب كثيرين في أفريقيا، الخراب لتلك البلدان.

وممّا نفذته الصين من مشاريع في أفريقيا إنشاؤها لنحو 3300 كيلومتر من الطرقات و50 مدرسة و100 محطة لتوليد الطاقة و30 مستشفى في 40 دولة أفريقية، وتنشط الشركات الصينية في قطاعات الدعم اللوجستي والزارعة والتعدين والتعمير والتجارة والبناء والاستثمار والموارد والتصنيع.

ومع دخول شي عقده التالي في السلطة، يجب على القادة الأفارقة البدء في السعي لنيل ما يريدون من بكين بدلا من أن يظلوا مساهمين في اتجاه واحد في نموها الاقتصادي.

العرب