جمهورية الحشد الشعبي

جمهورية الحشد الشعبي

d212bdcf-6596-4776-9e47-cc038e175961

العراق دولة فاشلة. ذلك ما يمكن اكتشافه بيسر من إلقاء نظرة سريعة على أحوال الحكومة هناك وهي التي صارت تتعثر بين ملفات الفساد من غير أن تجرؤ على فتح ملف واحد من بينها.

أما إصلاحات تلك الحكومة المدعومة شعبيا فإنها تواجه بعاصفة من الرفض القاطع من قبل الكتل السياسية المساهمة في الحكم، حتى وإن كانت تلك الإصلاحات شكلية.

غير أن الأقسى من الفشل الذي تعيشه الدولة والمتمثل في عجز السلطات الثلاث عن القيام بواجباتها، يكمن في الشعور المتزايد بأن العراق نفسه في طريقه إلى الزوال.

تلك الفرضية المأساوية التي لطالما عزز الاستقطاب الطائفي مصداقيتها يضعها الحشد الشعبي الذي تم تلفيقه على عجل على طاولة التنفيذ. فهذا الكيان العسكري الذي لا يرتبط بأي جهة حكومية عراقية، ولا تحكمه ضوابط قانونية صار وجوده يشكل مصدر تهديد لإمكانية استمرار العراق دولة موحدة.

إعلاميا لم يعد لدى العراقيين شيء يهتمون به بقدر اهتمامهم بالحشد الشعبي.

انتقل الخط الأحمر من السيستاني إلى الحشد الشعبي، فلم يعد مسموحا بتوجيه أي نقد إليه، مهما كانت دواعي ذلك النقد.

لقد تمت أسطرة ذلك التجمع بما ينسجم مع مخيلة طائفية لا تنظر إلى ما يشهده العراق إلا من ثقب ضيق، يرد الفشل إلى أسباب لا علاقة لها بحقيقة النظام السياسي القائم على أساس مبدأ المحاصصة، بما يستبعد عنصريْ الكفاءة والنزاهة جانبا. وهو ما ألقى بظلاله على العجز عن تشكيل جيش وطني موحد.

الحشد الشعبي هو الحل الطائفي لمشكلة غياب الجيش الوطني.

غير أن بنية ذلك الحشد الذي جرى تأليفه من مجموعة من الميليشيات الخارجة على قانون الدولة من شأنها أن تعيق إمكانية قيام أي محاولة لبناء جيش في المستقبل.

فتلك الميليشيات التي سبق لها أن ارتكبت جرائم ضد الإنسانية عبر السنوات الماضية لن تقبل بأقل من التهام المجتمع، بعد أن صار استقواؤها على الدولة موضع ترحيب من المجتمع نفسه.

لقد حظي سلوك أفراد الحشد الإجرامي في حق المدنيين في غير منطقة من المناطق التي تم تحريرها من احتلال داعش بغطاء شعبي، وجد ضالته في الرمزية التي تمثلها بطولات أولئك الأفراد وهم يضحون بحياتهم من أجل الوطن. وهو ما يشكل تبريرا مقنعا لقيامهم بعمليات القتل والخطف والنهب والسرقة وحرق ممتلكات المواطنين.

بسبب ذلك الدعم ذي البعد الطائفي فقد صار قادة الميليشيات التي يتألف منها الحشد لا يتورعون عن توجيه التهديدات إلى أطراف سياسية محلية أو دول إقليمية.

وقد يكون اتفاق التعاون العسكري الذي وقعه هادي العامري، وهو زعيم الحشد المتوج إيرانيا، مع حزب العمال الكردستاني (المحظور تركيا) خير دليل على حالة الانفلات، شديدة التغول التي يمثلها الحشد في غمار الفوضى العراقية.

ما لم يجرؤ على القيام به أكراد العراق أنفسهم قام به الحشد الشعبي بأوامر إيرانية، الغرض منه توتير علاقات العراق مع تركيا، وهي الجارة الراعية لجزء من مشكلة داعش، وبالأخص في ما يتعلق بوجود ذلك التنظيم في الموصل.

وإذا ما كانت الصدامات التي تقع بين حين وآخر بين الحشد الشعبي والبيشمركة الكردية أمرا متوقعا بسبب خلل بنيوي في العلاقة بين المركز والإقليم الكردي، فإن انقلاب الحشد الشعبي على الحكومة أمر متوقع هو الآخر. فالحشد المتبنى إيرانيا من خلال ارتباطه بالحرس الثوري، والذي يحظى بدعم طائفي داخلي، لا يجد ضرورة في العودة إلى الحكومة في اتخاذ قراراته، وهو ما يضيف ضعفا على ضعف الحكومة المتداعية تحت ضربات خصومها الذين هم شركاؤها في الحكم.

إذا ما استمر الحشد الشعبي في تمدده – وهو ما نتوقعه – فإن الإعلان عن قيام جمهوريته في عراق ما لن يفاجئ أحدا.سيكون ذلك نهاية للعراق الذي نعرفه.

فاروق يوسف

صحيفة العرب اللندنية