ضمن سياسة الحكومة العراقية بالانفتاح على دول العالم للتخفيف من أزماتها، شارك الرئيس العراقي فؤاد معصوم في مؤتمر قمة الغاز في طهران الذي انعقد هذه الأيام على أمل جذب استثمارات أجنبية للاحتياطي الكبير من الغاز في العراق إضافة إلى التنسيق مع دول منظمة أوبك لتدارس سبل الحد من الهبوط المستمر لأسعار النفط الذي يبدو أن لا فائدة ترجى من تلك المحاولة لأن جميع دول العالم بما فيها دول أوبك تتسابق على تصدير أكبر ما يمكن من النفط لتعويض الانخفاض في أسعاره، وهو ما أغرق السوق بمعروض وفير سيمنع أي تحسن على الأسعار إن لم تتواصل في الانخفاض.
وبالطبع كان المستفيد الأكبر من المؤتمر هو إيران التي تسعى لفك العزلة الدولية عنها وتقوية الحلف الرباعي مع روسيا وسوريا والعراق ضد الحلف الدولي بقيادة أمريكا، كما أكدت إيران نفوذها على شؤون العراق عندما أشار المرشد الأعلى علي خامنئي لدى استقباله معصوم، بعدم السماح بالمس بوحدة العراق والتركيز على «الظاهرة المدهشة» المتمثلة بأواصر العلاقة المتنامية بين البلدين واستعداد إيران لنقل تجاربها إليه.
وفي المقابل، جاء اتصال نائب الرئيس الأمريكي جون بايدن برئيس الوزراء حيدر العبادي وإعلان الاستمرار في دعم العراق بمواجهة الإرهاب، كمحاولة لتأكيد مواصلة اعتماد العراق على المساعدات الأمريكية بالتزامن مع الحديث عن قرار الكونغرس الأمريكي حول تخصيص ميزانية لدعم العراق يكون فيها حصة للكرد والسنة، حيث قـوبـــل الـــقـرار وكــالمعتاد بحملة انتقادات واسعة وشديدة من إيران وكافة التنظيمات والقوى العراقية الصديقة لها.
ومع الإعلان عن تشكيل «لجنة التنسيق العليا «السنية من قبل اتحاد القوى الوطنية وبعض الشخصيات والنواب السنة، بهدف رسم خريطة طريق لمواجهة التطورات المقبلة في المحافظات الخاضعة لتنظيم»الدولة» تعالت أصوات قوى سياسية سنية برفض هذا التحرك الجديد. وأبرز تلك القوى الرافضة كتلة الوطنية بقيادة أياد علاوي ونواب وشخصيات سنية مختلفة. وكان وجه الاعتراض هو أن الشخصيات التي تقود التشكيل الجديد هي نفسها التي فشلت في تمثيل أهالي المحافظات الست السنية وأخفقت في حمايتهم سواء من تنظيم «الدولة» أو الميليشيات أو الفساد. كما أن التشكيل هو ترسيخ للتقسيم الطائفي الذي تسعى معظم القوى إلى تجنبه، خاصة مع تسريبات أن هـــدف لـجنة التنسيق هو التمهيد لإعلان الإقليم السني، كما أنه رد على مؤتمر المعارضة الذي انعقد قبل فترة في قطر.
وجاء قيام عناصر متشددة بحرق أعلام العراق أمام قلعة أربيل مع حرق أعلام الإقليم في كربلاء، ليشعل حملة هجمات متبادلة في التصريحات والتهديدات المتقابلة بين النواب الشيعة والكرد، مع نشاط مميز على مواقع التواصل الاجتماعي ساهم في تأجيج المشاعر المتوترة أصلا بسبب أزمة طوزخورماتو والتصريحات الكردية عقب تحرير سنجار والأزمة المالية بين المركز والإقليم.
وبالرغم من أجواء التوتر بين بغداد والإقليم، فقد زار وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي أربيل وسنجار وأجرى سلسلة لقاءات مع رئيس الإقليم مسعود البرزاني والقادة الأمنيين الكرد لمواصلة التنسيق والتحضير لمعركة تحرير الموصل وتوزيع الأدوار بين القوى التي ستشارك في العملية وهي القوات العراقية والبيشمركه ودعم التحالف الدولي.
وقد أكد البارزاني على «ضرورة التفكير في مرحلة ما بعد الهزيمة النهائية لتنظيم داعش، مشترطا قبل ان يتم تحرير مدينة الموصل وجوب عقد اتفاق شامل يحفظ حقوق جميع المكونات وألا يتعرض أي مكون للكوارث مرة أخرى».
كما شهدت هذه الأيام ضغوطا شديدة مارسها قادة الحشد الشعبي على الحكومة والبرلمان مع تهديدات علنية وغير علنية، من أجل زيادة التخصيصات المالية للحشد في ميزانية 2016 التي تجري مناقشتها في مجلس النواب ومجلس الوزراء، والتي تعاني أصلا من عجز كبير لا تعرف الحكومة كيف ستواجهه مع اضطرارها إلى الاقتراض من البنوك الدولية وبعض الدول رغم الشروط المشددة. وقد قام قادة الحشد وخاصة أبو مهدي المهندس وهادي العامري، بزيارات إلى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير المالية، حيث يبدو أن تلك الضغوط أثمرت عن استجابة الحكومة التي أعلنت زيادة مخصصات الحشد الذي يسعى إلى زيادة أعداد عناصره ومواصلة دعمهم وتجهيزهم بكل أنواع الدعم المالي والعسكري، ليكون للحشد وزن عسكري وسياسي مؤثر في الشأن العراقي حاضرا ومستقبلا.
مع اقتراب موعد زيارة أربعينية الإمام الحسين (ع)، تصاعدت الإجراءات الأمنية والاستعدادات التعبوية لتهيئة الساحة لتوافد ملايين الزائرين وخصوصا من إيران التي يتوقع قدوم ثلاثة ملايين إيراني إلى العراق وسط جهود مكثفة من الحكومتين العراقية والإيرانية لتسهيل التعامل مع هذه الأعداد الضخمة من البشر المتوجهين نحو كربلاء من خلال تسخير كل امكانيات الدولة لتأمين متطلبات الزيارة. وخلال فترة الزيارة التي تستغرق اسبوعين تقريبا، تصبح الحياة في الدوائر الحكومية والمدارس والأسواق في بغداد وباقي مدن الجنوب والوسط، شبه مشلولة جراء تشديد الإجراءات الأمنية وغلق الشوارع والازدحامات الخانقة التي أصبح الكثير من العراقيين مقتنعين بأنها مبالغة وتتبع الاسلوب التقليدي نفسه منذ عام 2003 دون تغيير.
ومن جهة أخرى، سجلت التظاهرات المطالبة بالاصلاحات ومحاربة الفاسدين تطورا نوعيا، عندما نقل الناشطون فيها مكان تحركهم من ساحة التحرير وسط بغداد، إلى أسوار المنطقة الخضراء القريبة من مجلس النواب ومقر الحكومة، حيث وجه المتظاهرون رسالة تحذير ومنحوا البرلمان والحكومة مدة اسبوعين لتنفيذ مطالب التظاهرات أو مواجهة تصعيد جديد، وذلك بالرغم من الضغوط الكبيرة التي تمارس على الناشطين للحد من تظاهراتهم ومطالبهم.
مصطفى العبيدي
صحيفة القدس العربي