ضعف الشراكة التونسية مع الاتحاد الأوروبي وليبيا يعمّق أزمة ملف التشغيل

ضعف الشراكة التونسية مع الاتحاد الأوروبي وليبيا يعمّق أزمة ملف التشغيل

فشلت الحكومات التونسية المتعاقبة منذ 2011 في حلحلة أزمة ملف التشغيل وامتصاص البطالة المرتفعة خاصة في صفوف أصحاب الشهائد العليا. ويعود الفشل، حسب خبراء، إلى فشل السياسات التونسية الخارجية في إنتاج منظومة شراكة فعالة مع شركائها الدوليين والإقليميين إضافة إلى ضعف سياسات التشغيل الداخلية الهشة.

تونس – ظلّ حلّ ملف التشغيل في تونس بعد 2011 رهين الشعارات والمطالب الشعبية، حيث لم تسع السلطات إلى تعزيز الشراكة مع شركائها الإستراتيجيين لبحث سبل تجاوز أزمة البطالة المتزايدة، خصوصا مع الاتحاد الأوروبي الذي يريد عمالة متخصّصة ولا مع جارتها ليبيا، وسط إجماع الخبراء على أن أزمة التشغيل تتطلب خططا وبرامج واضحة، فضلا عن مراجعة المنوال التنموي.

وتدارس وزير التشغيل والتكوين المهني نصرالدين نصيبي مع سفير إيطاليا بتونس فابريزيو سادجو، الخميس، الإمكانات المتاحة لتطوير مجالات التعاون بين تونس وإيطاليا في مجال التشغيل والتكوين المهني.

وشدد نصرالدين نصيبي على انفتاح الوزارة واستعدادها التام للارتقاء بمستوى الشراكة بما يساعد على تشجيع المستثمرين الإيطاليين للعمل في تونس باعتبارها وجهة استثمارية متميزة وباعتبار السّمعة التي تحظى بها الموارد البشرية محليا ودوليا وخاصة من حيث الكفاءة العالية.

وثمّن المجهودات التي تقوم بها الوزارة لتأمين الدورات التكوينية قصيرة المدى وذلك لتلبية حاجيات المؤسسات الاقتصادية القائمة في تونس من المهارات والكفاءات، مؤكّدا على أولويات الوزارة التي ترتكز أساسا على مزيد تحسين السياسات العمومية في مجال التشغيل وخاصة فيما يتعلق بدعم الإدماج المهني والمحافظة على مواطن الشغل.

من جهته أكد سفير إيطاليا بتونس استعداد بلاده التام للاستثمار في تونس بما يساعد على خلق مواطن شغل دائمة ولائقة والتزامها بمزيد تعزيز أواصر التعاون بين البلدين في مجال التشغيل والتكوين المهني وعلى إنجاح مختلف البرامج المشتركة.

ويرى مراقبون، أنه على الرغم من الدعوات المتكررة لتعزيز تونس الشراكة مع الاتحاد الأوروبي كشريك إستراتيجي إلى جانب ليبيا، إلا أن تلك الدعوات لم تفعّل بالشكل المطلوب لغياب الخطط والبرامج الواضحة.

وطالب هؤلاء بضرورة القيام بدراسات معمقة تحدّد ما تطلبه تونس من شركائها في ملف التشغيل الذي يتجاوز الإطار المحلّي ليرتبط بجلب الاستثمار الخارجي وبعث المشاريع ذات القدرة التشغيلية العالية.

وأفاد فوزي بن عبدالرحمن، وزير التشغيل السابق، أنه “يجب على السلطات التونسية أن تذهب إلى شركائها الإستراتيجيين مثل الاتحاد الأوروبي بأفكار واضحة ومدروسة، فضلا عن مطالب معيّنة وملفات ثقيلة وتتناقش معهم حول كل الجزئيات والتفاصيل”.

وقال لـ”العرب”، “الاتحاد الأوروبي بصدد استقطاب جزء من اليد العاملة التونسية والكفاءات دون شراكة، وبالتالي الشراكة مطلوبة ويجب أن تخضع لدراسات معمقة، ولا يوجد أيّ برامج في التكوين المهني، والشراكة الإستراتيجية لا تقتصر على العمالة دون تكوين وتعليم وشروط”.

وبخصوص الشراكة المهنية مع ليبيا التي تمثل شريكا إستراتيجيا لتونس مع الاتحاد الأوروبي، أوضح بن عبدالرحمن أنه “لا توجد أيّ دراسة إستراتيجية مع ليبيا، وكل وزير خارجية جديد يأتي بسياسته الخاصة، وعليه يجب أن تضع السياسة الخارجية برامج واضحة بخصوص ملف التشغيل، كما لا توجد مطالب معينة، وغيبنا السياسة في مفهومها النبيل”.

وأردف “هناك أكثر من مليون عاطل عن العمل في تونس، كما يوجد مليون شاب بين 15 و35 سنة لا يشتغلون ولا يدرسون ولا يبحثون عن عمل، والمشكلة أن العطالة سياسية بالأساس، والوضع السياسي بعد 2011 هو من عطّل حلحلة الملف”.

وأشار بن عبدالرحمن إلى “وجود شراكة مع كندا ودول الخليج العربي التي تستقطب من 3 إلى 5 آلاف عامل كل سنة، لكنهم يعملون خارج إطار شراكة مع الدولة التونسية”.

وربط مراقبون سياسيون ملف التشغيل بضرورة تحسين المنوال التنموي في تونس والإصلاح الهيكلي للأزمة عبر الانكباب على تحسين ظروف المؤسسات الصغرى والمتوسطة خصوصا بعد تراجع دورها الاقتصادي تبعا لتداعيات جائحة كورونا.

وأكّدوا أن تونس لم تحدّد موقعها من الأزمة الليبية ولم تجهّز نفسها لحالة السلم هناك، فضلا عن كون تطوير العلاقات الاقتصادية يتطلب بالأساس التخلي عن فكرة النأي بالنفس عن صراع المحاور في ليبيا.

وقال الناشط السياسي المنذر ثابت إن “ملف التنمية ظلّ متروكا لأكثر من 10 سنوات، وملف التشغيل هو جزء لا يتجزأ من التنمية، وقبل 2011 سجّل الاقتصاد معدّل نمو في مستوى 5 في المئة، لكن مع هذا لم تتراجع نسبة البطالة تحت سقف 14 في المئة، وبالتالي المشكلة هيكلية بالأساس”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “هناك عدم تطابق بين العرض والطلب، فالحكومة الإيطالية تسعى لضرورة ترحيل المهاجرين التونسيين، بما يعني أن أوروبا ترحّب بهجرة الأطباء والمهندسين، ولا ترحّب بالهجرة المكثفة وغير المتخصّصة”.

وتابع ثابت “المشكلة في التشغيل هي الوضع الداخلي المتعلق أساسا بالمؤسسات الصغرى والمتوسّطة، وهي السبيل الوحيد لحلحلة الملف عبر تسهيل الإجراءات البيروقراطية وتمكين الشباب من فرص بعث المؤسسات الخاصة”.

وأكّد الناشط السياسي أن “السلطات التونسية لم تشتغل على الملف الليبي، ولم تكن ذلك الفاعل الذي يدخل بطريقة دبلوماسية مقابل تدخل مصري وتركي للاستثمار والدعم، وتونس لم تحسن كسب الحلفاء داخل المساحة الليبية، والمعطى الجغرافي قد يكون عاملا مهما، لكن لا بد من شراكات وعقود عمل بين الطرفين”.

وأوضح “لم نجهّز أنفسنا لحالة السلم في ليبيا، وتونس عليها أن تتجاوز وهم البقاء خارج صراع المحاور في ليبيا، لأن مصالحها أساسا مع الغرب الليبي، وعندها يمكن تطوير العلاقات”.

ويقول متابعون إن الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي مبنية على فكرة العمالة المتخصصة وحسب الشغورات والمتطلبات.

وتتواصل موجة هجرة الأدمغة والكفاءات من تونس بشكل غير مسبوق في اختصاصات عدة مسجلة ارتفاعا في عدد الأطباء المختصين الذين يغادرون تونس بأعداد كبيرة. ويبلغ مجموع عدد الأطباء الناشطين في تونس حوالي 8500 طبيب مقابل 3 آلاف طبيب اختاروا الهجرة إلى أوروبا ودول الخليج.

وبحسب ما أفادت به عمادة الأطباء فإن حوالي 80 في المئة من الأطباء الشباب غادروا البلاد قبل سنتين للعمل في دول أجنبية. وتتصدر ألمانيا وفرنسا ودول الخليج وكندا القائمة كنقطة جاذبة.

وبينت نتائج مسح التشغيل الخاص بالثلاثي الثالث من السنة الماضية أن عدد السكان النشيطين في تونس قد بلغ 4 ملايين و11 ألفا مقابل 4 ملايين و80 ألفا خلال الثلاثي الثاني من سنة 2022، أي بانخفاض قدره 68.8 ألف نشط. ويتوزع عدد النشيطين إلى مليونين و837 ألفا من الذكور ومليون 174 ألفا من الإناث، وهو ما يمثل على التوالي 71 في المئة و29 في المئة من مجموع السكان النشيطين.

وارتفعت نسبة بطالة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة خلال الثلاثي الثالث من سنة 2022 لتبلغ 37.8 في المئة مقابل 37.2 المئة خلال الثلاثي الثاني من نفس السنة.

العرب