الباحثة شذى خليل*
تعد الثروة السمكية في العراق من أهم الموارد التي ترفد الاقتصاد العراقي، حيث كانت الثروة السمكية مزدهرة في العراق قبل 2003 ، حينما كانت تخضع لرقابة وقوانين صارمة فيما يتعلق بالصيد وتنظيم المواسم في فترة التكاثر ، وهذا ما عده مراقبون إحدى الطرق التي ساهمت في زيادة إنتاج الأسماك آنذاك.
لكن بعد عام 2003 أصبح البلد يعاني من انخفاض كبير في الإنتاج، و نقص حاد في المياه، كما هو معروف أن 90% من منابع الأنهار التي تجري في العراق تأتي من خارج أراضيه، مما يجعله عرضة للأزمات، مالم لم تكن هناك مواثيق وعقود ومعاهدات دولة قوية تضمن حقوق العراق المائية.
إن دول المنبع (تركيا وايران) استغلتا الوضع العراقي بعد الغزو الأميركي عام 2003، وأنشأتا مشاريع عدة، بالإضافة إلى أن التطور الكبير والزيادة في النمو السكاني زاد من أعباء سبل تأمين مياه الشرب والزراعة في العراق .
إن شح المياه وما لحقه من ارتفاع في الملوحة وغياب الدعم الحكومي والرقابة، مع انتشار الصيد الجائر واستخدام وسائل صيد بدائية من جانب، ومن جانب آخر ازاد الاستيراد من الدول المجاورة وغيرها، كلها أسباب دفعت بالصيادين العراقيين إلى ترك مهنة الصيد وباتت مهددة بالانقراض.
إن النقص الحاد في الثروة المائية التي تعد السبب الرئيس للحياة لجميع الثروات الأخرى، والأهم هي الحياة البشرية، فاليوم بدأ العراق يعاني من الشحة، وهو ما انعكس على الثروة السمكية والزراعة والحيوانات، مما أجبر الحكومة على تقليص مساحة الأراضي المشمولة بالخطة الزراعية إلى النصف، فيما يواصل الجفاف اكتساح الأهوار والمسطحات المائية على خلفية قطع وتقليص التدفقات المائية من قبل إيران وتركيا، مما ينذر بخطر الجفاف وانقراض تلك الثروة .
أنواع الأسماك في العراق:
يمتاز العراق بأرقى أنواع الأسماك، ومن أبرزها الكارب، الكراف، السلفر، الكطان، البني، الشبوط، وغيرها، وتتراوح أسعارها بين 3.8 دولارات و12.7 دولارا للكيلوغرام الواحد.
ويعد أكل السمك من الوجبات المفضلة لدى العراقيين وعلى رأس قوائم موائدهم، وتحديدا أكلة “المسكوف” الشهيرة، ولا سيما عند سكان المحافظات الجنوبية.
أكدت بعض التقارير تراجع حصة الفرد العراقي من لحوم الأسماك المنتجة محليا لتتراوح بين 0.9 و2.4 كيلوغرام في السنة، مع ارتفاع الأسعار، في حين تؤكد معايير لمنظمة الصحة العالمية حاجة الفرد من لحوم الأسماك بما لا يقل عن 6.5 كيلوغرامات سنويا.
كما أكد مسؤولون في دائرة الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة العراقية، ان أكبر التحديات التي تواجه هذه الثروة هي شح المياه والإصابات المرضية وارتفاع أسعار الأعلاف، حيث تراجع إنتاج العام الحالي إلى نحو 400 ألف طن أو أقل بسبب قلة الأمطار والفيروسات التي أصابت الأسماك، وبلغ إنتاج العراق العام الماضي من الأسماك زهاء 800 ألف طن، منها 100 ألف طن فقط من المزارع المجازة.
لا ينحصر تهديد الجفاف وشح المياه وتراجع الأمطار في فصل الشتاء على منطقة دون أخرى في العراق، إلا أن الأهوار في المناطق الجنوبية -التي اعتبرت في وقت سابق من أكثر المناطق إنتاجا للأسماك- باتت الآن أكثر المناطق تضررا بتراجع الثروة السمكية فيها.
والتقارير الحكومية تقول إن الأهوار كانت تنتج شهريا نحو 15 ألف طن، ليتراجع الإنتاج إلى ما بين ألف و3 آلاف طن فقط، وانحسار المياه وتراجعها من 5662 كيلومترا مربعا إلى 550 كيلومترا مربعا في الأهوار، رغم أن الأمطار خلال الفترة الأخيرة أعادت إليها الحياة نوعا ما ولكن بشكل محدود.
بعض الحلول التي من الممكن ان تسهم في استدامة هذه الثروة والقيام بتقييم حقيقي لها، من خلال زيادة الاهتمام بالقطاع، بالإضافة الى رسم خارطة طريق جديدة لرفع مستوى الإنتاج واستغلال المياه بطريقة مدروسة من أجل تكاثر الأسماك وتنويع مصادرها.
دعت وزارة الموارد المائية العراقية في 2021 إلى ضرورة العودة إلى اتفاقية الجزائر الموقعة منذ عام 1975 والمتعلقة بتقاسم مياه نهر شط العرب، لحل مشكلة شح تدفق المياه من إيران، وأكدت أن ممارسات إيران بتحويل مجرى المياه مخالفة صريحة للمواثيق الدولية، وأن المياه القادمة من إيران -وإن كانت نسبتها 15% كواردات مائية- تؤثر بشكل كبير على محافظة ديالى (شرقي البلاد)؛ لأن تغذية المحافظة بشكل كامل بالمياه تأتي من إيران.
أما مع تركيا تبقى المفاوضات مستمرة لمعالجة أزمة شح المياه في نهري دجلة والفرات، لتمهد الطريق لتمرير مذكرة التفاهم في البرلمان التركي قبل فترة والموقعة بين الطرفين عام 2014.
وعلى الصعيد الداخلي، فقد اقترح رئيس الجمعية الوطنية لمنتجي الأسماك في العراق (منظمة غير حكومية) إياد الطالبي، بعص المقترحات لمعالجة أزمة الثروة السمكية في البلاد، أهمها اللجوء إلى استخدام مياه “المبازل” والأنهار الفرعية التي تبدأ من العاصمة بغداد (وسط) وتنتهي بمحافظة البصرة (جنوبا) ويتجاوز مجموعها 800 كيلومتر.
وقال الطالبي إنه من المهم جدا التركيز على دور دائرته في إعادة إنعاش الأهوار والثروة السمكية من خلال إطلاق إصبعيات الأسماك (أسماك صغيرة جدا تستخدم للاستزراع والتكاثر) سنويا في الأهوار من خلال مفاقس الأسماك التابعة للدائرة، وإدخال التقنيات الحديثة لتربية أسماك الأقفاص العائمة والنظام المغلق لغرض ترشيد استخدام المياه في ظل الأزمة الحالية .
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية