تونس – انتقدت أوساط سياسية وحقوقية في تونس تراجع مشاركة المرأة في الحياة السياسية، رغم تعدد المحاولات الهادفة إلى إقرار مبدأ التناصف في المناصب السياسية وصناعة القرار، وحسم حضورها على المستوى القانوني والانتخابي دستوريا.
ويقول مراقبون إن وضع المرأة في إطار الانتقال الديمقراطي لم يتحسّن بعد تاريخ الخامس والعشرين من يوليو 2021 وما رافقه من إجراءات استثنائية للرئيس قيس سعيد، فيما جعلت بعض الأحزاب صورة المرأة فرصة لتسويق الديمقراطية.
وكشفت نتائج الانتخابات التشريعية في تونس بجولتيها عن تراجع حضور المرأة في البرلمان الجديد، وسط عزوف نسوي عن الاقتراع والانخراط في القائمات المترشحة.
واعتبرت رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن، السبت، أن “مشاركة المرأة في الانتخابات التشريعية الأخيرة كانت دون المأمول”.
وأضافت بودن في تصريح لإذاعة محلية أن “ضعف مشاركة النساء في الانتخابات الأخيرة قد يعود إلى العزوف العام الذي ساد في البلاد إثر تقلص منسوب الثقة في الطبقة السياسية بناء على تراكمات العشرية السابقة وما شهدته من عنف ضد المرأة حتى تحت قبة البرلمان”.
وتابعت “الحكومة تعمل على دراسة أسباب هذا العزوف وتشخيصها ووضع البرامج الكفيلة بمزيد انخراط المرأة ومشاركتها في مختلف الاستحقاقات كناخبة وكمترشحة” .
وتعتبر تونس أول بلد عربي أقرّ قانونا للأحوال الشخصية بعد استقلاله عام 1956، ورفع فيه الكثير من الحيف الذي مورس بحقّ المرأة، وأقر لها بحقوقها السياسية والقانونية ومنع تعدد الزوجات ونظّم مسألة الطلاق.
وحققت المرأة التونسية على مدار العقود الماضية مكاسب كثيرة على مستوى التشريعات والقوانين وأيضا على مستوى التعليم، حيث تفوّقت على الرجل في عدة مجالات. في المقابل لا يزال ضعف مشاركتها في المشهد السياسي يثير الكثير من التساؤلات، خصوصا في رئاسة القوائم المرشحة للانتخابات وعملية صنع القرار.
وإثر ثورة يناير 2011 ازداد لدى النساء منسوب أمل المشاركة في هياكل المجتمع المدني والحياة السياسية عبر الانخراط في الأحزاب أو في الانتخابات (المجلس الوطني التأسيسي في 2011، والانتخابات البرلمانية والرئاسية في 2014).
وأقرت أطراف حقوقية بضعف مكانة المرأة السياسية في تونس بعد 2011 وكذلك إثر المسار الانتقالي الذي أقره الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو 2021.
تونس تعتبر أول بلد عربي أقرّ قانونا للأحوال الشخصية بعد استقلاله عام 1956، ورفع فيه الكثير من الحيف الذي مورس بحقّ المرأة
وقالت الحقوقية والناشطة السياسية بشرى بلحاج حميدة “ما زلنا في التقسيم التقليدي للأدوار السياسية بين الرجل والمرأة في تونس، وحضور المرأة في الحياة السياسية جاء متأخرا، فضلا عن ضعف الوعي النسائي بضرورة التخلّص من العقلية الذكورية”.
وأوضحت بلحاج حميدة في تصريحات لـ”العرب”، “بعد ثورة 2011 شعرت الحركات النسوية بأن الصورة غير مقبولة، فتمّ فرض مبدأ التناصف في الانتخابات، وقد حققت المرأة في انتخابات 2014 و2019 مشاركة جيدة نسبيا بنسبة 35 في المئة (75 امرأة في البرلمان)، فضلا عن حضور 47 امرأة في الانتخابات البلدية 2018، لكن القانون الانتخابي لسنة 2022 تراجع عن احترام مبدأ التناصف”.
وأكّدت الناشطة الحقوقية أنه “حتى بوجود نساء في تركيبة الحكومات فليس ذلك معيارا حقيقيا لتحسن الوضع السياسي للمرأة، وكل مكونات المجتمع المدني متمسكة بضرورة الرجوع إلى التناصف”.
وأثار اعتماد نظام الاقتراع على الأفراد، بدل القوائم الانتخابية في الانتخابات التشريعية التي جرت في 17 ديسمبر من العام الماضي في البلاد، مخاوف من تهميش النساء المتطلّعات إلى لعب دور ريادي في المشهد السياسي.
ويرى مراقبون أنه تم قطع الطريق أمام مبدأ التناصف، وسط تراجع شعبية المرأة سياسيا وتنكّر واضح لقيمة المرأة ومكاسبها في المجتمع.
وأفاد الكاتب والمحلل السياسي مراد علاّلة بأن “وضع المرأة السياسي الآن لا يتناسب مع التاريخ والواقع، وهناك ردّة على مكاسب المرأة ومكانتها في تونس، وفيها ما هو مرتبط بالمجتمع والقوى السياسية التي هيمنت على المشهد وتعاملت مع صورة المرأة بمنطق الاستغلال والاستفادة”.
وأكّد علالة في تصريحات لـ“العرب” أن “هناك تصدّيا لمحاولات تأنيث المجتمع المدني والسياسي، فضلا عن الردّة على المستوى التشريعي، كما أن العقلية الذكورية حرمت المرأة من الولوج إلى مواقع القرار”.
وشدّد مراد علاّلة على أن “التراجع أصبح مخيفا أكثر، والقانون الانتخابي اليوم يحرم المرأة من الحضور القوي في البرلمان”.
بدورها، أكدت نائبة رئيس جمعية “عتيد” ألفة عباس أن “الجمعية ستسعى إلى اقتراح إدخال تنقيحات على القانون الانتخابي لضمان تعزيز مشاركة المرأة وذوي الإعاقة في الانتخابات القادمة”.
وأوضحت عباس، خلال انعقاد يوم تقييمي لمشروع تعزيز مشاركة الفئات الهشة في الانتخابات بالحمامات (شمال)، أن “‘عتيد’ سجلت ضعفا في نسب الإقبال على الاقتراع في الانتخابات التشريعية، فضلا عن النسب المحتشمة والضعيفة لحضور المرأة في مجلس النواب القادم”.
وسبق أن أكّد فاروق بوعسكر رئيس هيئة الانتخابات في نهاية يناير الماضي أن “نسبة المشاركة في الدور الثاني من الانتخابات التشريعية بلغت 11.3 في المئة بما يعني تصويت 887638 ناخبا من مجموع 7 ملايين و853 ألفا و447 ناخبا، وأن نسبة الإقبال حسب الجنس كانت في حدود 32.3 في المئة بالنسبة إلى الإناث و67.6 في المئة بالنسبة إلى الذكور”.
العرب