مع حلول الذكرى السنوية الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا، يبدو أن اليقين الوحيد الواضح بشأن الصراع هو أن بعض الشركات تجني عوائد مالية هائلة من القتل.
وعلى الرغم من وجود نزاع مسلح في أوكرانيا منذ العام 2015، إلا أن معظم الحكومات الغربية لم تعترف بهذه الحقيقة حتى الغزو الروسي في العام 2022.
ومنذ ذلك التاريخ في العام 2022، ضخت حكومات الناتو وأتباعها عشرات المليارات من الدولارات في هذه الحرب.
ولكن، على الرغم من هذا الضخ الكبير للمساعدات العسكرية، يبدو أن الصراع في أوكرانيا وصل إلى طريق مسدود.
وفي الوقت نفسه، يواصل أمير كييف المهرج -المعروف باسم الرئيس زيلينسكي- التماسه المتفاخر والمبالغ فيه لمصنعِّي الأسلحة والحكومات التي تعمل لصالح هؤلاء المصنعين.
ويبدو أنه لا يمر يوم لا يطالب فيه السيد زيلينسكي بأسلحة وأموال أكثر فتكًا وعددًا.
وتقترب مطالبه من حدود نزعة القتل وتعكس واقع نظام متعجرف وأناني يدعمه تحالف عسكري مغرم بالحرب. وفي الوقت نفسه، يغذي حلفاؤه في واشنطن وبرلين ولندن الشعور بالأهمية الذاتية لحكومته بينما يصرفون انتباههم عن عدد القتلى الأوكرانيين.
ترفض قوى حلف شمال الأطلسي الدعوات إلى إجراء محادثات سلام وتطفئها قبل أن تظهر في الأخبار تقريبًا. ويدعم هذا الرفض الديمقراطيون الاجتماعيون، وبيروقراطيو “حزب الخضر”، والديمقراطيون والجمهوريون، وبعض عناصر الحركة الاشتراكية في الولايات المتحدة وأوروبا.
بطريقة ما، أقنعت هذه المجموعة الأخيرة نفسها بأن هذه المعركة التي أعدت لها وقدحت زنادها أعظم حكومة إمبريالية في العالم وتحالفها العسكري هي حرب من أجل التحرر الوطني الأوكراني.
وكان ينبغي أن تعلّمنا الحرب العالمية الأولى أن دعم جانب أو آخر في حرب بين حكومات إمبريالية هو مسعى متهور ودموي. وكنقطة نظام، أود أن أوضح أنه على الرغم من أنني أخاطب واشنطن والمتآمرين معها فقط في هذا المقال، فإن هذا لا يعني أنني أعتبر موسكو خالية من اللوم.
قرأت مؤخرًا بيانًا صحفيًا صادرًا عن البنك الدولي. وكما يعلم القارئ على الأرجح، فإن البنك الدولي هو جزء من نظام إقراض مفترس يضم العديد من الحكومات الغربية وصندوق النقد الدولي.
وعادة ما تتطلب ممارسات الإقراض من الحكومة المعنيّة اقتراض الأموال لإعطاء الأولوية لدفع الفائدة على القرض قبل أي شيء آخر تقريبًا.
وهذا يعني عادة أن يكون المدين مجبرًا على خصخصة العديد من خدماته الاجتماعية وإنهاء دعم الوقود والغذاء للفقراء. وفي كثير من الأحيان، تعني الطريقة التي يتم بها تنظيم القروض أنها لن تسدَّد أبدًا ما لم تعمد الدولة المتلقية إلى بيع أراضيها المملوكة ملكية عامة وأنظمتها التعليمية، وخصخصة رعايتها الصحية -في أغلب الأحيان عن طريق تعهيدها لمصادر خارجية تنتمي إلى كيان أجنبي.
على أي حال، دعونا نعد إلى هذا البيان الصحفي. كان جوهر البيان كما يلي: “اعتبارا من كانون الثاني (يناير) 2023، حشد البنك الدولي أكثر من 18 مليار دولار (معظمها من الولايات المتحدة) في تمويل طارئ، بما في ذلك التزامات وتعهدات من المانحين بالمساعدة على تخفيف الآثار البشرية والاقتصادية واسعة النطاق للحرب”.
من دون مسحة من ملاحظة المفارقة أو الاعتراف بأن التصعيد المستمر للحرب هو الذي يسبب الدمار والموت في أوكرانيا، فإن هذا المسعى يتماشى مع الاختصار PEACE، الذي يرمز إلى برنامج “النفقات العامة لتحمل القدرة الإدارية”.
(1) ووفق هذا البرنامج، تستخدم الأموال المقدمة إلى الصندوق لدفع مرتبات العاملين الحكوميين، والمعاشات التقاعدية، ومساعدة الفقراء، والمساعدة على تعويض دفع فواتير الخدمات، ومساعدة الأطفال ذوي الإعاقة، من بين أمور أخرى.
وليس هذا سوى مبلغ صغير من الأموال الممنوحة لكييف من أجل إدامة الحرب.
وفي الوقت نفسه، يتوقف معظم العالين في القطاع العام في بريطانيا عن العمل لأن رواتبهم لم تواكب التضخم الناجم إلى حد كبير عن الصراع والعقوبات التي فرضتها واشنطن وحلف شمال الأطلسي.
“تشامبرز وشركاه” Chambers and Partners هي شركة قانونية تلبي احتياجات المستثمرين الكبار؛ من نوع المستثمرين القادرين على شراء الخدمات والصناعات الاجتماعية في الدول التي تأمل الرأسمالية النيوليبرالية في تفكيكها.
وكانت أوكرانيا واحدة من هذه البلدان منذ التسعينيات، عندما أصبحت دولة ذات سيادة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وكانت هذه الجهود متفاوتة في أحسن الأحوال حتى وقت قريب، على الرغم من أن المستثمرين في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كثفوا جهودهم المتعلقة بالخصخصة منذ اضطرابات العامين 2014 و2015 في أوكرانيا.
ومع ذلك، وفقًا لموقع “تشامبرز وشركاه” فإن هذا يتغير الآن. وسوف أقتبس من مقال بعنوان “أوكرانيا تعيد إطلاق الخصخصة: المستقبل ملك للشجعان” من هذا الموقع هنا (ضع في اعتبارك أن هذه مجرد لقطة صغيرة من عملية نقل الثروة التي تحدث الآن):
“بعد الغزو الروسي واسع النطاق في 24 شباط (فبراير) 2022، تم تعليق الخصخصة الجارية في أوكرانيا.
ولكن عندما تم صد الهجمات الروسية الأولية، جددت الحكومة الأوكرانية مسارها نحو الخصخصة. ونتيجة لذلك، وقعت أربعة أحداث بارزة في الأشهر الأخيرة:
* في 19 آب (أغسطس) 2022، دخل القانون الجديد رقم 2468IX الخاص بالخصخصة حيز التنفيذ.
وأعاد القانون إطلاق مزادات الخصخصة الصغيرة في ظل ظروف جديدة، وغيَّر إجراءات الخصخصة الكبيرة. وتم تبسيط الإجراءات، حيث جرى تقليل كل الجداول الزمنية بينما تظل الإجراءات ملتزمة بالشفافية.
* في 7 أيلول (سبتمبر) 2022، تم تعيين السيد رستم أوميروف رئيسًا جديدًا لصندوق ممتلكات الدولة في أوكرانيا.
ومنذ أول يوم له في منصبه، أعلن أوميروف مرارًا وتكرارًا عن هدفه المتمثل في جعل الخصخصة سهلة قدر الإمكان للمستثمرين الأجانب.
* في 19 أيلول (سبتمبر) 2022، أقيم أول مزاد للخصخصة منذ الغزو الروسي واسع النطاق. وآذن هذا الحدث بإعادة تفعيل عمليات الخصخصة بموجب شروط مبسطة جديدة.
* في 4 تشرين الأول (أكتوبر) 2022، وضع صندوق أملاك الدولة 800 شركة أخرى مملوكة للدولة تحت سيطرته.
ووفقًا لوزيرة الاقتصاد الأوكرانية السيدة يوليا سفيريدينكو، فإن بعض هذه الشركات قد يتم تعيينها قريبًا للخصخصة”(2). (انتهى الاقتباس)
بعبارات أخرى، ما يزال الاندفاع نحو الخصخصة مستمرًا. وفي ما يشبه نسخة إلى حد ما جديرة بالازدراء من مزادات “إي باي” EBay، (شركة مزادات على الإنترنت)، وبينما يواصل الصراع العسكري إحداث شكله الخاص من الدمار، تقوم الأوليغارشية التي ترأس أوكرانيا ببيع الثروة العامة التي يفترض أنها ملك للناس الذين يقول الأوليغارشيون إنهم يقاتلون من أجلهم. وإذا أردنا أن نكون صادقين هنا، فيجب أن يكون عنوان المقال المشار إليه “أوكرانيا تعيد إطلاق الخصخصة: المستقبل ملك للجشعين”.
بينما يستمر تدفق الأسلحة إلى أوكرانيا، يصادف المرء في بعض الأحيان حكاية مثيرة للاهتمام. ولعل أكثرها جدارة بالانتباه هي تلك التي تأتي من الدنمارك؛ حيث “قرر الديمقراطيون الاجتماعيون الحاكمون وشركاؤهم في الائتلاف اليميني زيادة الإنفاق العسكري الدنماركي إلى 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام 2030”.
(بيبول ديسباتش 2/8/2023). وللقيام بذلك، يفكر الائتلاف الحاكم في إلغاء عطلة وطنية من أجل جمع 3 مليارات كرونة، يكون من شأنها أن تدفع كلفة الزيادة في نفقات الأسلحة؛ من الضرائب المتولدة كما أفترِض.
ولا يرتبط هذا الجهد بتسليح حلف الناتو لأوكرانيا في الصراع بين الناتو وروسيا فحسب، بل إنه أيضًا جزء من حملة مستمرة تشنها واشنطن لجعل أعضاء الحلف ينفقون اثنين في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على التسلح.
إذا كان المرء يتذكر زيارة دونالد ترامب البائسة إلى أوروبا للحديث عن “الناتو” وتعليقاته حول إنهاء وجود الحلف، فإن إحدى شكاواه الرئيسية كانت أنها ليست هناك حكومة في الحلف تحقق هدف زيادة الاثنين في المائة على الإنفاق، على الرغم من وجود فهم لكون هذا شرطًا.
وبطبيعة الحال، تقوم بتصنيع الجزء الأكبر من الأسلحة التي يُسمح لأعضاء التحالف بشرائها صناعة الحرب الأميركية والشركات التابعة لها في أوروبا.
وبعبارات أخرى، فإن جزءًا من الانتماء إلى هذا التحالف ذي النزعة الحربية هو وجود شرط لدعم اقتصاد الحرب الدائم في الولايات المتحدة.
وقد نظمت أحزاب يسارية ونقابات عمالية وطنية وغيرها في جميع أنحاء الدنمارك احتجاجات كبيرة تعارض إلغاء العطلة من أجل زيادة ميزانية الأسلحة.
إضافة إلى ذلك، يرى الناس في جميع أنحاء دول حلف الناتو أن حياتهم أصبحت أكثر تكلفة بسبب العقوبات المفروضة على روسيا التي تسببت بفقدان مصدر الوقود الأرخص، وتضخم أسعار الوقود المستورد من الولايات المتحدة، وارتفاع أسعار المواد الغذائية وغيرها من الضروريات، والتخفيضات في الإعانات التي كانت تساعد على دفع ثمن تلك السلع. وفي ما لا يمكنني فهمه إلا على أنه شيء جدير بالشفقة ويذكرنا بحروب الرئيسين بوش ضد العراق حتى “يتمكن الأميركيون من أن يبتكروا” كيفما يريدون، بينما يحافظون على طريقة الحياة الأميركية كما لو أنها متفوقة بطريقة ما، أخبر زيلينسكي برلمان الاتحاد الأوروبي أن جنود كييف ومرتزقة الناتو يقاتلون من أجل “طريقة الحياة الأوروبية”.
إلى جانب حقيقة أن طريقة الحياة الأوروبية هي طريقة تشمل الاستعمار المنطوي على القتل والإبادة الجماعية والحروب التي لا تنتهي، وحيث إيطاليا وألمانيا الفاشية جزء من تاريخها، لا يمكنني التفكير في سبب أسوأ من هذا للمخاطرة بنشوب حرب نووية.
ليست هناك سوى طريقة واحدة للخروج من هذا الوضع. وسوف تبدأ بإجراء محادثات سلام بين موسكو وواشنطن وكييف وبروكسل.
ثمة احتجاجات مناهضة للحرب قادمة في الأسابيع القليلة المقبلة. وتدعو كلها إلى تسوية تفاوضية ووقف لإطلاق النار.
وإذا كان لديك خلاف سياسي أكبر من أن تتغلب عليه مع واحدة أو أخرى من المنظمات التي تنظم حاليًا هذه الاحتجاجات، فإن بإمكانك أن تقوم بتنظيم احتجاجاتك الخاصة.
ويخبرنا التاريخ بأن الحركات المناهضة للحرب غالبًا ما تبدأ على الهامش. وفقط عندما يصل جهد الاحتجاج إلى كتلة حرجة معينة، يتم سماع الإرادة الشعبية لأولئك الذين يعارضون الحروب الإمبريالية حقًا.
ويبدو أن الوقت الذي نحتاجه للوصول إلى تلك الكتلة الحرجة يقترب بسرعة. مثل كل الحروب، لهذه الحرب حياة خاصة بها، وإذا تركت من دون رادع، فإنها قد تكون السبب في موتنا جميعًا. المفاوضات، وليس التصعيد.
الغد