يشن بافل طالباني زعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، حملة علاقات عامة تبدو أقرب إلى الحملة الانتخابية المسبقة. وهو يهدف من ناحية أولى إلى تعزيز موقعه كمنافس سياسي جدي لسلطة مسعود بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، ومن ناحية أخرى يسعى لتمتين العلاقات مع الأطراف الفاعلة في برلمان بغداد لأجل القبول به مرشحا لرئاسة الجمهورية خلفا للرئيس عبداللطيف رشيد، زوج عمته، عندما تنقضي مدة ولايته، أو إذا جرت انتخابات مبكرة جديدة.
وعقد طالباني سلسلة من الاجتماعات بلغت نحو 100 اجتماع في بغداد وحدها، من ضمن أكثر من 140 اجتماعا عقدها منذ توليه زعامة الحزب في يونيو الماضي وأعقبت التخلص من الرئاسة التشاركية مع لاهور شيخ جنكي.
وعقد طالباني اجتماعين مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في بغداد والسليمانية وقدم خلالهما دعمه لبرنامجه الحكومي. كما عقد اجتماعا آخر الخميس الماضي مع إياد علاوي زعيم ائتلاف القائمة الوطنية، اتفقا خلاله “على ضرورة اللجوء إلى الحوار الوطني البناء والعمل المشترك ومن بين ذلك إنهاء الخلافات داخل البيت الكردي”.
واجتمع بافل مع رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، حيث أكد “على ضرورة حماية الاستقرار وترسيخ القانون”. وقدم “دعمه الكامل للقرارات القانونية والدستورية لمجلس القضاء الأعلى من أجل مواجهة الفساد وسيادة القانون في البلاد”.
◙ بافل يحتاج فوزا أفضل في برلمان الإقليم يتحاشى به الاستخفاف بمكانته من جانب قيادة آل بارزاني في أربيل
ويقول مراقبون إن طالباني يريد من خلال لقاءاته المكثفة أن يكشف عن أنه يتبنى إستراتيجية تقوم على فكرة أن طريق النجاح في كردستان يمر من بغداد، وهو ما أكده بالقول “نستطيع خدمة أبناء إقليم كردستان عبر بغداد”. ويعد ذلك بمثابة موقف مناوئ للميول الانفصالية التي قادها مسعود بارزاني. كما أن اللقاءات بالأطراف الفاعلة في بغداد تشير إلى أن إنشاء علاقات بنّاءة مع بغداد هو خيار أنسب من خيار المواجهة مع بغداد الذي تتبعه حكومة الإقليم في أربيل.
وكان “معهد الشرق الأوسط” في واشنطن لاحظ في تقرير له أن نسبة 33 في المئة من اجتماعات بافل في بغداد كانت مع قيادات الإطار التنسيقي، تليها 30 في المئة مع الدبلوماسيين الأجانب. ومن بين القيادات الشيعية البارزة التقى طالباني مع قيس الخزعلي، الأمين العام لحركة أهل الحق، أكثر من 16 مرة، ثم التقى 15 مرة مع ريان الكلداني، الأمين العام لحركة بابليون، و13 مرة مع مثنى السامرائي زعيم تحالف العزم. ولكن طالباني لم يجر لقاءات مع ممثلين للتيار الصدري أو ممثلي التيارات التشرينية المعارضة.
ويقول مراقبون إن طالباني يقود معركتين؛ واحدة في بغداد من أجل القبول به كمرشح مستقبلي للرئاسة، خلفا لوالده الراحل جلال طالباني، أول رئيس كردي بعد الغزو الأميركي للعراق. والثانية في السليمانية، مركز حزبه التقليدي، في مواجهة نفوذ الحزب الديمقراطي في أربيل.
ويقف تراجع حظوظ الاتحاد الوطني في الانتخابات التي جرت في أكتوبر 2021 حافزا وراء النشاط الذي يبديه طالباني، إذ فاز حزبه بـ18 مقعدا مقابل 31 مقعدا للديمقراطي الكردستاني في برلمان بغداد. وهذه النتيجة هي التي شجعت قيادة مسعود بارزاني على تجاوز العرف الذي كان يقضي بأن تكون رئاسة العراق لصالح الاتحاد الوطني في مقابل أن تكون رئاسة الإقليم لصالح الديمقراطي الكردستاني، حيث تمسك بارزاني بتنصيب أحد مرشحين؛ فإما وزير داخليته ريبر أحمد أو عمه هوشيار زيباري، رغم الاتهامات بالفساد التي تلاحق الأخير.
وتشكل الانتخابات المقبلة في الإقليم التحدي الأول الذي يواجه طالباني. لأنها يمكن أن تكون مؤشرا على مدى نجاح مقاربته تجاه بغداد وأربيل.
ويتمسك مسؤولون من الاتحاد الوطني بإجراء الانتخابات في العام المقبل. وطالب قوباد طالباني، نائب رئيس حكومة الإقليم، بضرورة المضي قدما في الانتخابات و”عدم تأجيلها أكثر من اللازم”. ودعا إلى “إزالة العراقيل التي تعترض إجراء انتخابات شفافة ونزيهة، لتعزيز ثقة المواطنين ومكانة إقليم كردستان من خلالها”.
وكان الحزبان الكرديان الكبيران قد تمكنا من التوصل إلى توافقات بشأن مجمل النقاط المتعلقة بتعديل قانون الانتخابات وتفعيل المفوضية العليا للانتخابات والاستفتاء في الإقليم، وذلك خلال لقاء جمع ممثلي الحزبين في مدينة السليمانية.
◙ بافل عقد سلسلة من الاجتماعات بلغت نحو 100 اجتماع في بغداد وحدها، من ضمن أكثر من 140 اجتماعا عقدها منذ توليه زعامة الحزب في يونيو الماضي
واتفق الحزبان في بيان مشترك على “إجراء الانتخابات بأربع دوائر انتخابية، وإجراء الانتخابات بدوائر نصف مفتوحة ونصف مغلقة، وتحديد عدد مقاعد الدوائر الانتخابية وفق إحصاء وزارة التجارة الاتحادية”، ثم التنسيق مع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق للاستفادة من سجلّات الناخبين لديها.
ولكنهما لم يتفقا على موعد لإجراء الانتخابات، ما دفع المفوضية العليا للانتخابات في إقليم كردستان إلى القول إن عدم الاتفاق بين القوى السياسية على تحديد موعد لإجراء الانتخابات في الإقليم ستكون له تداعيات سلبية، لاسيما أن “المفوضية تحتاج إلى ستة أشهر على الأقل قبل موعد إجراء الانتخابات، وهذه الفترة ستكون كفيلة بتنظيم الأمور اللوجستية والفنية المتعلقة بتحديث سجلَّات الناخبين”، حسب شيروان زرار المتحدث الرسمي باسم المفوضية.
ويحتاج طالباني إلى تحقيق حزبه، ولو بالتحالف مع قوى كردية أخرى معارضة لسلطة الحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل، فوزا بما لا يقل عن 50 مقعدا من مقاعد البرلمان الكردي المؤلف من 111 مقعدا، 11 مقعدا منها مخصصة للأقليات الدينية والقومية في الإقليم (التركمان والمسيحيون وغيرهم).
وكان الحزب الديمقراطي فاز في انتخابات البرلمان الكردي عام 2021 بـ45 مقعدا، وحصل الاتحاد الوطني على 21 مقعدا، بينما كسبت حركة التغيير 12 مقعدا، والجيل الجديد 8 مقاعد، مقابل 7 مقاعد للجماعة الإسلامية، و5 مقاعد لقائمة الإصلاح، ومقعد واحد لكل من تحالف العصر (سردم) وقائمة آزادي.
وتشكلت حكومة الإقليم من تحالف الحزبين الكبيرين، وهو ما يتوقع أن يستمر ولو تغيرت الموازين جزئيا لصالح أحدهما دون الآخر. لكن طالباني يحتاج إلى فوز أفضل كي يتحاشى ما يعتبره استخفافا بمكانته من جانب القيادة البارزانية في أربيل، وهو السبيل الوحيد الذي يفتح له الطريق إلى الرئاسة في بغداد.
صحيفة العرب