المياه الجوفية المشتركة بين الجزائر وتونس وليبيا برميل بارود مؤجل

المياه الجوفية المشتركة بين الجزائر وتونس وليبيا برميل بارود مؤجل

الجزائر- تضم المنطقة الرابطة بين الجزائر وتونس وليبيا احتياطيات كبيرة من المياه الجوفية قد تكون ملاذ هذه الدول الوحيد لمواجهة أزمة ماء قاسية في المستقبل، كما يمكن أن تكون برميل بارود يهدد بتفجير حروب ثنائية إذا لم تتوصل الحكومات إلى اتفاقيات واضحة وعادلة تقضي بتقسيم هذه المياه الجوفية.

وتدفع أزمة الجفاف، التي تضرب منطقة شمال أفريقيا عموما، الحكومات المحلية إلى التفكير في استغلال خزان المياه الجوفية المشتركة بين الدول الثلاث، خاصة في ظل المؤشرات الحمراء التي تتهدد المصادر التقليدية لمياه الشرب والسقي في المنطقة، وهو ما يهدد الحياة برمتها في شمال أفريقيا.

وأدرجت تقارير أممية، عُرضت بمناسبة قمة المناخ التي احتضنتها مصر مؤخرا، دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في خانة الدول المهددة بموجة جفاف وأزمات ماء وغذاء بسبب التغيرات المناخية التي يعرفها العالم في السنوات الأخيرة.

◙ أكبر مؤشر على الخلاف حول المياه الجوفية في حوض غدامس هو توجه الجزائر لاستغلالها في استخراج الغاز الصخري

وقاد تراجع هطول الأمطار إلى تراجع لافت في مستويات تخزين المياه على السدود، وهو ما أثر على المنتجات الزراعية القائمة على ضفاف العديد من الأودية المشتركة، خاصة بين الجزائر وتونس وحتى داخل كل بلد على حدة.

وسجلت المحاصيل المعتمدة على السقي من الأودية والسدود تراجعا لافتا في السنوات الأخيرة، فالسلطات المختصة عادة ما تلجأ إلى التضحية بالإنتاج الزراعي مقابل الحفاظ على مياه الشرب، كما هو الشأن في محيط سدود سوق أهراس وتبسة بالجزائر، ووادي مجردة في تونس.

وباتت تقارير محلية في تونس تتحدث عن تضرر منسوب وادي مجردة وضفافه بسبب الجفاف المسجل في السنوات الأخيرة، وإقدام الجزائر على تشييد عدد من السدود على مستوى المنبع بمنطقة سوق أهراس، الأمر الذي أثر على الكميات التي تصل إلى المصب.

وتوجد تخوفات في تونس من أن تعمد الجزائر إلى زيادة السدود على وادي مجردة واحتكار المياه المشتركة وتوجيهها إلى الأراضي الجزائرية ومنع تونس من الاستفادة من مياه الوادي، في وقت تعيش فيه الجارة الشرقية أزمة مياه حادة دفعت إلى وضع خطة لتوزيع مياه الشرب بنظام الحصص ومنع استثمارها في أنشطة أخرى.

وأقامت الجزائر سد عين الدالية على وادي مجردة بسعة 75 مليون متر مكعب ودخل الخدمة عام 2017، وهناك سد ثان على الوادي لم يدخل الخدمة بعد وسعته 35 مليون متر مكعب، وهما مخصصان لمياه الشرب. وهناك سد ثالث موجه للسقي جنوب ولاية (محافظة) سوق أهراس.

لكن مصادر جزائرية تقول إنه لا داعي إلى هذه التخوفات، مشيرة إلى أن مصادر المياه المشتركة بين الجزائر وتونس، لاسيما منبع سوق أهراس ووادي مجردة، محكومة باتفاقيات ثنائية، وأن السدود المشيدة في المحافظات الشرقية الجزائرية لا تؤثر في منسوب المصب؛ فهي إلى جانب أنها لم تدخل حيز الخدمة لا تعتمد على نفس المصدر وحده في التموين بالمياه.

وإذا كانت المياه المشتركة بين تونس والجزائر محدودة المساحة في الشمال، فإن هناك منطقة جوفية كبرى في الجنوب تشترك فيها الدول الثلاث، هي حوض غدامس الذي يمكن أن تتحول حصص استغلاله إلى مثار خلافات وصراعات بين الدول الثلاث.

وكانت ليبيا أولى الدول التي استشعرت حجم الجفاف وحاجة البلاد إلى مشاريع ري فعالة، وقامت بإنجاز ما عرف بـ “النهر الصناعي العظيم”، لتزويد العاصمة ومدن الغرب بالمياه الصالحة للشرب انطلاقا من الحوض الذي تشترك فيه البلدان المغاربية الثلاثة (ليبيا وتونس والجزائر).

ويمتد الحوض المشترك بين الدول الثلاث على مساحة واحد مليون متر مربع، يقع معظمها (700 ألف كيلومتر مربع) في الجزائر ونحو 260 ألف كيلومتر مربع في ليبيا وحوالي 60 ألف كيلومتر مربع في تونس، ويعتبر أكبر خزان للمياه الجوفية في المنطقة إلا أنه لا يتجدد إلا بنسبة ضئيلة.

وفي الظرف الراهن تتركز وتيرة الاستغلال في أعداد من النقاط والآبار، حيث تتواجد قرابة 6500 ألف بئر منها في الجزائر و1200 في تونس وحوالي 1000 في ليبيا، أما الكميات المستغلة فتقدر بنحو 2.2 مليار متر مكعب، منها 1.33 في الجزائر و0.55 في تونس و0.33 في ليبيا.

ودعا نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي موسى الكوني، في كلمة له ألقاها في قمة الأمم المتحدة حول إدارة الموارد المائية، حكومات المنطقة إلى “إنشاء لجنة مشتركة لاستغلال المياه، لإدارة المخزون في الأحواض المشتركة مثل حوض غدامس”.

وأضاف “لدى ليبيا بعض البحيرات كبحيرة الكفرة التي ينطلق منها النهر الصناعي، والبحيرات الجوفية المشتركة مع بعض الدول، وأنه يفترض التفكير في كيفية استغلال حوض غدامس بشكل جماعي مع تخفيض الكلفة ما أمكن لاستخراج المياه واستغلالها استغلالاً أمثل”.

ولعل أكبر مؤشر على الخلاف حول الثروة المائية الجوفية في المنطقة هو توجه الجزائر إلى استغلالها في استكشاف واستخراج الغاز الصخري، مما يهدد البيئة والإنسان. وقد تكون مصدر عدم استقرار سياسي حتى داخل الجزائر نفسها، بسبب رفض قطاع عريض من الجزائريين لجوء الحكومة إلى التضحية بمصادر حياة الأجيال القادمة مقابل عائدات آنية آيلة إلى الزوال.

العرب