بلا لف أو دوران: نحن نعيش في كوكب من الزبالة

بلا لف أو دوران: نحن نعيش في كوكب من الزبالة

مدريد – حوّل نظام الإنتاج الشره لكسب المال وأنماط الاستهلاك المفرط كوكب الأرض إلى مكب نفايات عملاق. ;يساهم قطاع النفايات بشكل كبير في تغير المناخ والتنوع البيولوجي والإضرار بالطبيعة ومضاعفة التلوث. ويهدر حوالي 931 مليون طن من الطعام سنويا، ويُدخل ذلك ما يصل إلى 14 مليون طن من النفايات البلاستيكية إلى النظم الإيكولوجية المائية.

ويتواصل هذا الهدر في عالم يسجّل مليار طبق فارغ، ويمكن إضافته إلى أحد مصادر مليارات الأطنان من البلاستيك والمنسوجات والإلكترونيات المهملة والحطام من مواقع التعدين والبناء.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قال بمناسبة اليوم الدولي الأول للقضاء على النفايات والهدر (30 مارس 2023) إن “الكوكب يغرق في القمامة، وقد حان وقت التنظيف”. وأضاف “نعامل كوكبنا كمكب للقمامة.. نحن نهدم بيتنا الوحيد ونطلق سيلا من النفايات والتلوث الذي يؤثر على بيئتنا واقتصاداتنا وصحتنا”. وشدد على أن الوقت قد حان لشن “حرب على الهدر” على ثلاث جبهات، داعيا الملوثين أنفسهم إلى تولي زمام المبادرة.

وتابع “يجب على أولئك الذين ينتجون النفايات تصميم منتجات وخدمات أقل كثافة من حيث المواد والموارد، وإدارة كل النفايات بذكاء عبر جميع مراحل دورة حياة المنتجات، وتحديد طرق إبداعية لإطالة عمر ما يطرحونه في السوق. نحتاج إلى إيجاد فرص لإعادة استخدام المنتجات وإعادة تدويرها وتوظيفها وإصلاحها واستردادها. ونحتاج إلى التفكير مرتين قبل رمي هذه الأشياء في القمامة”.

وبدأت بعض الدول في تبني خطط وإستراتيجيات للحد من الهدر وبالتالي تقليل الانبعاثات والتلوث. ونجح مشروع “صفر هدر” في تركيا حتى الآن في الحفاظ على حوالي 650 مليون طن من المواد الخام، والقضاء على أربعة ملايين طن من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من خلال إعادة التدوير.

وقالت السيدة الأولى التركية أمينة أردوغان التي قادت المشروع إن “كل أشكال الحياة على الأرض مرتبطة ببعضها البعض، لكن التصنيع أدى إلى الاستهلاك المفرط الذي يلوث الكوكب. وكان البشر من خلق هذا المشهد المخيف”.

وتابعت “نحن ملزمون بإقامة نظام عادل واتخاذ إجراءات تستند إلى تقاسم الأعباء، بحيث نعتني بالبلدان الأكثر تضررا من عواقب تغير المناخ دون أن يكون لها دور فيه”.

وكانت وكيلة الأمين العام والمديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (موئل الأمم المتحدة) ميمونة محمد شريف، حثت البلدان على أن تكون “حكيمة في إدارتها للنفايات”، بطرق تجد سبلا لإعادة استخدام كل المواد قبل التخلص منها.

وقالت إن “الخطوة الأولى تكمن في إنشاء مجتمعات تتعامل بحكمة مع النفايات. تتمثل الخطوة الأولى في تحمل المسؤولية وبذل جهود واعية لتقليل استهلاكنا للمواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد”. وتذكر أن “كل شيء نستخدمه ونتخلص منه يجب أن يذهب إلى مكان ما”.

يتجه عدد سكان العالم نحو بلوغ 10 مليارات نسمة بحلول سنة 2050. ومن المتوقع أن يرتفع الطلب على المنتجات الزراعية الغذائية وغير الغذائية بنسبة تصل إلى 56 في المئة، وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “الفاو”.

وقال المدير العام للفاو شو دونيو إن تلبية هذا الطلب “ستتطلب إنتاج أغذية أكثر صحة واستدامة. نحن بحاجة إلى معالجة أوجه القصور وعدم المساواة على وجه السرعة في أنظمتنا الغذائية الزراعية لجعلها أكثر كفاءة وأكثر شمولية ومرونة واستدامة”.

سيكون من الأفضل لذلك تنفيذ إستراتيجية عالمية للاستهلاك والإنتاج المستدامين في جميع القطاعات بحلول سنة 2030. وتكمن أداة أخرى في القرار التاريخي المعنون بـ”إنهاء التلوث البلاستيكي: نحو التوصل إلى صك ملزم قانونا دوليا”، الذي تقرر اعتماده في جمعية الأمم المتحدة للبيئة في الثاني من مارس 2022.

يتطلب نهج “صفر نفايات” إنتاج المواد واستهلاكها والتخلص منها بطريقة مسؤولة في نظام دائري مغلق يمكّن من إعادة استخدام مواردها أو استردادها قدر الإمكان، بما يقلل من تلوث الهواء أو التربة أو الماء.

ويتطلب الأمر تصميم منتجات ذات مواد أقل مع اختيار سبل الإنتاج والنقل الأقل استخداما للموارد، حتى يمكن للمصنعين الحد من التلوث والنفايات. ويمكن أن يلعب المستهلكون دورا محوريا في مسعى تقليل الهدر من خلال تغيير العادات وإعادة استخدام المنتجات وإصلاحها قدر الإمكان قبل التخلص منها بشكل سليم.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن “العالم أكبر من الخمسة”، في إشارة منه إلى الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة).

لكن الحقيقة هي أن هؤلاء الخمسة هم المنتجون الرئيسيون في العالم وأن شركاتهم تهيمن على الأسواق العالمية، وتحقق أرباحا مذهلة من الهدر، وهي من أكبر الملوثين.

ضاعفت شركات الأغذية على سبيل المثال أرباحها بأكثر من الضعف في 2022، بينما كان أكثر من 800 مليون شخص يعانون الجوع، وبينما يعيش 1.7 مليار عامل في بلدان يتجاوز فيها التضخم الأجور، وفقا لبيانات منظمة أوكسفام الدولية.

وتواصل صناعة المواد الغذائية أثناء ذلك استخدام المواد الكيميائية السامة بكثافة في منتجاتها، رغم أن بعضها يسبب أمراض القلب والوفاة المبكّرة. وليست الدهون المهدرجة سوى واحدة من هذه المواد التي تشمل الأسمدة الملوثة والمبيدات الحشرية والجسيمات البلاستيكية الدقيقة التي تلوث التربة والماء والهواء.

ويتساءل مراقبون ومهتمون بالبيئة عما إذا كان يجب تصنيف هذه الممارسات القاتلة على أنها “جرائم ضد الإنسانية”، وإحالة مرتكبيها إلى المحاكم الجنائية الدولية؟

العرب