تونس – طرحت التغيرات المناخية، التي تحذر منها تقارير دولية، تساؤلات حول طرق مواجهتها في تونس، ومدى قدرة وزارة البيئة ومن ورائها الحكومة على توفير الآليات والخطط اللازمة لذلك، خصوصا في ظّل تفاقم أزمة الجفاف والارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة والتغيّرات القائمة في طبيعة الفصول. وبدأت آثار الأزمة في الظهور بطرق متفاوتة من دولة إلى أخرى، وتستهدف الصحة والزراعة والحصول على الغذاء والمياه والسكن والعمل.
وأشرفت وزيرة البيئة ليلى الشيخاوي المهداوي على يوم مفتوح بالمعهد العالي لعلوم وتكنولوجيات البيئة ببرج السدريّة حول التغيرات المناخية في تونس والذي عنون بـ”الواقع وآليات التأقلم”، وذلك بحضور سفير دولة اليابان طاكاشي أوسوغا والممثّل المقيم للوكالة اليابانية للتعاون الدولي شينوهارا شوني، إضافة إلى خبراء وباحثين.
وتضمّن اللقاء مداخلات بخصوص واقع التغيرات المناخية وأهم التحديات في تونس، فضلا عن فرص التمويل المتاحة لمواجهة هذه التحدّيات المناخية، كما تم التطرق إلى الوضع المائي في تونس واقتصاد الطاقة في علاقة بتعزيز الطاقات المتجددة.
وأفادت وزيرة البيئة أن “تونس معنيّة، كغيرها من سائر دول العالم، بتأثيرات التغيّرات المناخيّة”، مؤكدة “التزام الدولة التونسية بتعهّداتها الدولية في مجال التخفيف من انبعاثات الغازات الدّفيئة وضرورة التسريع في تنفيذ التوجّهات الإستراتيجية المدرجة ضمن المساهمات المحدّدة وطنيا”. واستعرضت الوزيرة أهم البرامج والتوجّهات القطاعيّة والمحليّة التي تمّ تحديدها ضمن الإستراتيجية الوطنية للتنمية ذات الانبعاثات الضعيفة والمتأقلمة مع التغيّرات المناخيّة.
وتعتبر تونس من بين الدول الأفريقية التي تعاني من آثار التغيرات المناخية وذلك حسب عديد المؤشرات المقدمة من وزارة الفلاحة التونسية التي تتعلق بدرجة الحرارة المرتفعة بشكل ملحوظ مقارنة ببقية دول العالم، فضلا عن انخفاض نسبة التساقطات السنوية ومستوى تعبئة السدود وتوسع مناطق التصحر خاصة في الجنوب وتقلّص الغطاء الغابي بالشمال الغربي نحو الجزائر.
ويرجح مراقبون أن تظهر الآثار السلبية للظاهرة بشكل أوسع وأسرع في السنوات القادمة، من خلال أزمة الغذاء والزراعة. ويقول هؤلاء إنه على الرغم من التزامات تونس الدولية في مسألة تغير المناخ على غرار اتفاق باريس وبروتوكول كيوتو، إلا أنه لم يتم الاهتمام بمسألة تغير المناخ بالشكل المطلوب، وإدراجها في السياسات الوطنية، أو عبر وضع إستراتيجية واضحة الأهداف للحد من تأثيرات الظاهرة.
وأفادت روضة القفراج الخبيرة في الموارد المائية والتأقلم مع التغيّرات المناخية أن “مواجهة التغيرات المناخية في تونس من مشمولات عدة وزارات على غرار وزارة البيئة ووزارة الفلاحة المسؤولة عن حوكمة الموارد المائية والزراعة، فضلا عن وزارة التخطيط والمالية والحكومة التونسية عموما”.
وقالت لـ”العرب” إن “درجات الحرارة ارتفعت خلال شهر أبريل الجاري بين 8 و10 درجات على المعدل المعتاد، لكن لا بدّ من التأقلم مع ذلك، وتونس تعاني منذ فترة من الجفاف الذي كانت له تداعيات سلبية على الزراعة”. وأضافت أن “التغيرات المناخية لها تأثير كبير، ومستوى الوعي لم يصل بعد حتى تعلن الدولة على حزمة من القرارات المهمة، بسبب تراكم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وأنجزت دراسات وخططا لكنها لم تنفّذ”.
ودعت إلى “ضرورة أن تعلن الدولة حالة الجفاف ككارثة طبيعية، وتأثيراته أكبر بكثير على الإنسان والحيوان والأرض، إلى جانب إعلان حالة الطوارئ، وسنّ قانون وخطة طارئة للمحافظة على المياه نظرا لوجود جملة من الخروقات”. ولئن اعتبرت روضة القفراج أن “ارتفاع درجات الحرارة من بين أسباب التغيرات المناخية في العالم، فقد دعت الدولة إلى ضرورة تخصيص الموارد المالية اللازمة لتنفيذ خطة الحد من تأثيرات التغيرات المناخية في المستقبل”.
وتظهر التوقعات المناخية في تونس انخفاضا في هطول الأمطار إلى 22 مليمترا بحلول عام 2050 أي تدنٍّ بـ9 في المئة مقارنة بالقيمة الحالية، وسيبلغ 45 مليمترا في عام 2100 أي تدن بـ18 في المئة. وسيكون لهذه الانخفاضات تأثير كبير بشكل خاص على النشاط الزراعي، إذ من المتوقع أن ينخفض إنتاج الحبوب بنسبة 40 في المئة تقريبا، بينما من المحتمل أن تعاني محاصيل الزيتون من انخفاض في مردوديتها بنسبة 32 في المئة، فضلا عن زيادة في تواتر حالات الجفاف وفي شدتها خصوصا في الجنوب التونسي.
◙ الوضع القانوني والسياسي لمواجهة التغيرات المناخية يتسم بالغموض رغم المطالب المتكررة بالحق في بيئة سليمة ووضع إجراءات عاجلة وفعّالة
ويبدو أن الوضع القانوني والسياسي بخصوص مواجهة التغيرات المناخية، يتسم بالغموض، رغم المطالب المتكررة بالحق في بيئة سليمة ووضع إجراءات عاجلة وفعّالة. وأفاد الخبير البيئي عامر الجريدي بالقول “إن هناك ارتفاعا في درجات الحرارة وتغيرا في طبيعة الفصول ووزارة البيئة وزارة أفقية في الأصل، أي أن مهمتها ليست العمل الميداني بقدر ما يتمثل في اقتراح سياسة بيئية (هي جامع وأصل السياسات القطاعية) والتشريعات ذات الصلة والاتصال والتربية البيئية”.
وأضاف الجريدي في تصريح لـ”العرب”، “في ظلّ الدور الهجين وغير الواضح لمهامها، فإنّها تسعى لمواكبة التطورات البيئية بما أوتيت من تقاليد موروثة تجعل جهودها غير ذات فاعلية، وبالتالي لا يمكن القول إن للدولة إستراتيجيات وخططا واضحة في غياب رؤية تنموية شاملة، تكون أساس المضمون الأخلاقي والمعرفي لمنظومة التعليم، وعلى وقع التغيرات المناخية تحاول الوزارة القيام بما في وسعها، لكن المفعول يبقى محدودا رغم وجود نقطة اتصال مكلّفة بالعمل حول مجابهة التغيرات المناخية والتكيف معها”.
وتابع الجريدي “الدليل على عدم النجاعة هو التفاجؤ بمفعول التغيرات المناخية من خلال الجفاف وشحّ المياه غير المسبوقيْن اللذين تشهدهما تونس حاليّا، ويبقى للدولة حاليا فضل السعي إلى التخفيف من هذه الأزمة بحزمة من الإجراءات يمكن إرساؤها في ظل الاستقرار السياسي النسبي الذي تشهده البلاد بعد العشرية الماضية.
واعتبر أن “وضع رؤية تنموية وسياسة بيئية تستعيد بها البلاد بوصلتها أوكد خطوة تتخذها الدّولة والتحدي الأكبر لمستقبل استدامة تنمية البلاد واللتيْن بدونهما تبقى البلاد تتخبط عشوائيا بين مساعي مختلف أجهزة الدولة التي لئن كانت محمودة، فهي تبقى غير مستدامة في غياب بوصلة جامعة موجّهة تضمن الاستقرار التنموي (بأضلعه الثلاثة: الاجتماعي والاقتصادي والإيكلوجي) واستدامته تجعل من الديمقراطية المغشوشة ديمقراطية تنموية مستدامة”.
العرب