يستمر فقدان بعض المواد الاستهلاكية في تونس، على غرار مادة الخبز الأساسية، في ظل أزمة اقتصادية ومالية خانقة تشهدها البلاد، بسبب ضعف مواردها، في وقت تتعثر فيه المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لحلحلة الأوضاع المأزومة.
تونس – استفحلت أزمة الخبز في مختلف المناطق التونسية خلال الفترة الأخيرة، حيث سجلت البلاد نقصا فادحا في التزود بالمادة التي تعتبر من أهم المواد الغذائية لدى التونسيين.
وطرح فقدان مادة الخبز تساؤلات لدى المواطنين عما إذا كان أزمة حقيقية تعود إلى نقص التزود بالحبوب والمواد الأساسية، أم أنه محاولات تقودها أطراف معينة للضغط على الرئيس قيس سعيد، الذي اعتبر مؤخرا أن “لوبيات معارضة تسعى لتحريك الأزمة وأن تلك الأطراف هي المسؤولة عن فقدان المواد الأساسية لإنتاج الخبز”.
وأعلن المجمع المهني للمخابز العصرية التابع لـ”كنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية كوناكت”، الاثنين، إيقاف إنتاج الخبز في جميع المخابز التابعة له اعتبارا من الثلاثاء.
وجاء ذلك وفق بيان صادر عن المجمع، نشرته نقابة “كوناكت” عبر صفحتها الرسمية في فيسبوك.
وقال البيان “على إثر اجتماع أعضاء المكتب التنفيذي الوطني للمجمع المهني للمخابز العصرية المنضوي تحت منظمة الأعراف ‘كوناكت’، قرر إيقاف إنتاج الخبز في جميع المخابز التابعة له في جميع أنحاء تونس”.
وأكّد رئيس المجمع المهني الوطني للمخابز العصرية بمنظمة “كوناكت” محمد الجمالي أن “المخابز التابعة للمجمع بكامل البلاد التزمت بقرار إيقاف النشاط بداية من الاثنين، بنسبة 95 في المئة”.
وقال الجمالي في تصريح لإذاعة محلية إنّ “قرار توقف المخابز غير المصنفة عن النشاط لم يعد قرار منظمة ‘كوناكت’ بشكل اختياري، بل أصبح قرارا إجباريا صادرا عن وزارة التجارة”، لافتا إلى أنه “بأمر من وزارة التجارة.. منعنا اليوم من التزود بمادتي الفرينة والسميد ومنعنا من النشاط.. ولا يمكننا العودة إلى العمل لعدم تزوّدنا من المطاحن”.
ويأتي هذا القرار وسط أزمة تشهدها تونس في إنتاج الخبز، برزت من خلال الطوابير الطويلة أمام المخابز نتيجة ندرة الخبز.
وفي تصريحات سابقة لوكالة الأنباء الرسمية التونسية “وات”، أكد رئيس المجمع المهني للمخابز العصرية محمد الجمالي أن نقابته “تضم 1500 مخبزة”.
وتشكو المخابز التونسية منذ فترة طويلة نقصا في المواد الأولية، خاصة الدقيق، بسبب تراجع في كميات الحبوب جراء تواصل الجفاف وتداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية.
وتتكرر مشاهد الطوابير الطويلة منذ الصباح الباكر في تونس أمام المخابز، ويعتبر البعض أن الأزمة مفتعلة وناتجة عن توقف أصحاب المخابز عن إعداد الخبز العادي المدعوم من الدولة مقابل إنتاج أصناف أخرى من الخبز بأسعار مرتفعة.
وأفاد عبودة برشاني، رئيس الغرفة الجهوية لأصحاب المخابز بصفاقس، بأنه “لا توجد أزمة خبز، والمادة متوفرة في مدينة صفاقس بصنفيها (190 مليما) و(230 مليما)، والمخابز تتزود بمادة الدقيق من المطاحن”.
وأكّد في تصريح لـ”العرب” أن “الأزمة مفتعلة من أصحاب المخابز العشوائية التي تبيع الخبز بأسعار مضاعفة وبطرق ملتوية لرفع الدعم عن هذه المادة، ويمكن أن تكون للضغط على الرئيس قيس سعيد، الذي دعا إلى الرجوع إلى الأمر العادي وتصحيح الوضع باعتماد قانون 1956، الذي تمنح بمقتضاه الدولة ترخيصا وبطاقة احتراف للمخابز”.
والأسبوع الماضي، طالب الرئيس التونسي حكومة بلاده باتخاذ “إجراءات عاجلة” تتعلق بأزمة الخبر، محملا “اللوبيات” مسؤولية الأزمة.
وجاء ذلك في كلمة أدلى بها قيس سعيّد خلال اجتماع له بقصر الحكومة في تونس العاصمة مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن ووزيرة المالية سهام البوغديري نمصية، ونشرتها رئاسة الجمهورية عبر حسابها الرسمي على فيسبوك.
وأكدت وزارة التجارة وتنمية الصادرات في بلاغ الاثنين أن المصالح الرقابية بالوزارة انطلقت بالاشتراك مع مصالح وزارة الداخلية في تنفيذ حملات رقابية مكثفة بكامل ولايات الجمهورية الأحد.
وحسب بلاغ الوزارة، فقد مكنت هذه الحملات المنجزة خلال يومين من مراقبة 1153 مخبزة مصنفة موزعة على 166 منطقة.
وأضاف البلاغ أنه تمت معاينة 951 مخبزة في حالة نشاط وبصدد صنع وعرض الخبز المدعم للعموم، كما أكدت الوزارة تسجيل ما وصفته ببعض مظاهر الاكتظاظ بـ191 مخبزة أي ما يمثل 20 في المئة فقط من إجمالي المخابز التي تمت معاينتها، وفق نص البلاغ.
كما رصدت فرق المراقبة المشتركة خلال هذه الحملات جملة من التجاوزات تعلقت باستعمال المواد المدعمة في غير مجالاتها والاتجار فيها بطرق تخالف التراتيب الجاري بها العمل، فضلا عن عمليات ترفيع غير قانوني في الأسعار وإخلالات بشفافية المعاملات التجارية، وفق المصدر ذاته.
وأكدت الوزارة أن فرق المراقبة رفعت 249 مخالفة اقتصادية وحجزت 105 أطنان من الفارينة المدعمة و1.58 طنا من الفارينة الرفيعة و150 خبزة مدعمة كانت موجهة كعلف للتغذية الحيوانية.
ووفقا لأرقام رسمية عن المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية، فإن معدل استهلاك الخبز للفرد الواحد في تونس يصل إلى 70 كيلوغراما سنويا، لكن هذا المعدل يرتفع بوضوح خلال شهر رمضان الذي يشهد تغيرا في نمط الاستهلاك ليرتفع معدل استهلاك الخبز بنسبة 34 في المئة للفرد.
وأفادت ثريا التباسي، نائبة رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك، بأن “أزمة الخبز غير مفتعلة، بل إن العديد من العوامل المتزامنة ساهمت في تفاقمها، من بينها ضعف المتابعة التي جعلت عدة أطراف توجه مادة صنع الخبز إلى النزل ومحلات بيع المرطبات، حيث استغلت مادة الفارينة المدعمة، في ظل النقص المسجل في الحبوب بسبب الأزمة الأوكرانية”.
60 في المئة من القمح تستوردها تونس من أوكرانيا وروسيا، وفقا لوزارة الزراعة في تونس
وقالت لـ”العرب”، “هناك الكثير من ممارسات الاحتكار لهذه المادة، وهناك أطراف تحقق أرباحا مادية هامة من ذلك، وهذا ما يستدعي تكثيف المراقبة الاقتصادية”، لافتة “كنّا قد عقدنا جلسات مع سلطة الإشراف ووزارة التجارة لتكثيف حملات المراقبة، ووضعنا خطة عمل ضد الاحتكار والمضاربة مع التدخل الحيني”.
وتابعت التباسي “نعوّل على وعي المواطن التونسي لرفض ممارسات الاحتكار والمضاربة التي ستعصف بقوت التونسيين، والمستهلك عليه أن يتصدى بدوره لتلك الإخلالات”. واستطردت قائلة “من المؤكد أنه يوجد متمعشون من هذه الأزمة ويستفيدون منها”.
وتستورد تونس 60 في المئة من القمح من أوكرانيا وروسيا، وفقا لوزارة الزراعة في تونس، وتعود أزمة الحبوب في تونس إلى نحو 10 سنوات.
وتفيد تقارير المعهد التونسي للاستهلاك بأن نحو 900 ألف قطعة خبز يتم إلقاؤها في سلة المهملات أو تركها لعدم الحاجة إليها، وتصل تكلفة التبذير في استهلاك مادة الخبز إلى 100 مليون دينار (ما يعادل 33 مليون دولار) في السنة.
وتتعثر المفاوضات بين الحكومة التونسية وصندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار، رغم الجهود التي تبذلها بعض الدول في حشد الدعم الدولي لتونس من أجل الحصول على القرض، وفي مقدمتها إيطاليا.
العرب