معاداة العراق تجارة مربحة للإسلاميين في الكويت

معاداة العراق تجارة مربحة للإسلاميين في الكويت

يعيد قرار المحكمة الاتحادية العراقية ببطلان اتفاقية خور عبدالله إلى الواجهة المشكلات الحدودية بين بغداد والكويت التي تعهد البلدان بتجاوزها مؤخرا، بعد التحسن التدريجي في العلاقات خلال السنوات الماضية. لكن تصعيد الإسلاميين ضد بغداد وجد صدى في التصريحات الرسمية.

الكويت – وفّر قرار المحكمة الاتحادية العراقية ببطلان اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبدالله بين بغداد والكويت فرصة سانحة لنواب التيارات الإسلامية وحلفائهم لتحويل “معاداة العراق” إلى سلعة تتم المتاجرة بها لكسب الدعم الشعبي، ولتغطية أغراض أخرى.

وعلى الرغم من أن رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني أكد خلال اجتماع لحكومته “الحرص على تجاوز الخلاف الحاصل مع دولة الكويت الشقيقة، وبذل الجهود لإيجاد حل لقضية تنظيم الملاحة في خور عبدالله، بما لا يتعارض مع الدستور العراقي والقانون الدولي”، وهو الموقف الذي أكدته الاتصالات الرسمية بين كبار مسؤولي البلدين، إلا أن ذلك لم يكف لتحويل المسألة إلى مناسبة للتحريض ضد العراق، وإثارة المخاوف من “نواياه العدوانية”، وكأن الأعوام الثلاثين الماضية لم تغير شيئا في النفوس ولا في المواقف بين العراقيين والكويتيين معا.

ويقول مراقبون إن “استحلاب” معاداة العراق يوفر لبعض النواب والمسؤولين الكويتيين الفرصة للظهور بمظهر الوطني الحريص على مصالح الكويت ضد “جار الشمال”، حسب وصف النائب عبدالكريم الكندري، الذي “عاد ليكشف عن نواياه السيئة تجاه الكويت”.

وقال السوداني إن “مثل هذه الأزمات تُحل بالتفاهم والركون إلى العقلانية، بعيداً عن لغة الانفعال والتصريحات الشعبوية المتشنجة التي لا تنتج سوى المزيد من الأزمات والتوتر”. وأبدى ثقته التامة بزوال هذا الخلاف نظراً لما يمتلكه الجانبان العراقي والكويتي من إرادة قوية على حل هذا الملف عبر آليات التفاهم والحوار المتبادل.

المسألة ليست رفضا لاتفاقية خور عبدالله، وإنما مجرد إجراء يتعلق بآليات عمل المؤسسات الدستورية في العراق

ومن جهته، قال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي إن بلاده تحترم سيادة الكويت تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً. وأكد الأعرجي أن اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء العراقي بنظيره الكويتي الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح في نيويورك مؤخراً على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة “أثبت موقف المحبة والاحترام تجاه الشقيقة الكويت”.

إلا أن ذلك لم يمنع النائب الكندري من القول “إن الكويت تواجه فعلاً عدائياً من الجانب العراقي يستوجب تحركاً حكومياً أكثر حزماً”.

وأضاف “لم يعد يسعنا الحديث عن النوايا السيئة، بل نحن أمام فعل عدائي منسق تحت غطاء سياسي يستوجب من الحكومة تحركاً أكثر حزماً من مجرد تسليم مذكرة احتجاج”.

وينتمي الكندري إلى حركة “مواطنون” التي توصف بأنها حركة إسلامية إصلاحية، وشاركت في تأسيس “تحالف القوى الوطنية” الذي يضم عددًا من النواب الإسلاميين والمستقلين.

وقد حقق هذا التحالف نجاحًا كبيرًا في انتخابات مجلس الأمة الكويتي 2023، حيث فاز بـ24 مقعدًا من أصل 50، بينهم من الإخوان المسلمين (الحركة الدستورية الإسلامية) النواب أسامة الشاهين وحمد المطر وعبدالعزيز الصقعبي وفلاح الهاجري. وبينهم من المؤيدين عبدالله الأنبعي وبدر نشمي العنزي وحمد العليان وعبدالله فهاد العنزي.

وكان النائب خالد المونس قال “إن حيثيات حكم (المحكمة الاتحادية العراقية) حملت نفساً بغيضاً تجاه الكويت ولغة لم تتغير، ونكراناً للجميل، فالكويت بالرغم من الغزو العراقي الغاشم فإنها وقفت بجانب العراق ولا تزال تقدّم حتى تاريخه المساعدات له”.

“استحلاب” معاداة العراق يوفر لبعض النواب والمسؤولين الكويتيين الفرصة للظهور بمظهر الوطني الحريص على مصالح الكويت ضد “جار الشمال”

وشدّد المونس على أن حيثيات الحكم تكشف كذلك عن سوء نوايا مفضوح من الجانب العراقي تجاه الكويت، وخطوات عملية للتنصّل من الثوابت والاتفاقيات وعن انتهاك صارخ للقوانين الدولية.

وسبق للنائبين المونس والكندري أن طالبا وزارة الخارجية باستدعاء السفير العراقي، وتسليمه رسالة احتجاج ضد نائب عراقي (علاء الحيدري) دعا في وقت سابق إلى نشر قوات من الحشد الشعبي في خور عبدالله لحماية الصيادين العراقيين مما أسماه “تجاوزات قوات خفر السواحل الكويتية”.

وطالب النائب أسامة الشاهين بأن تتخذ الحكومة الكويتية موقفا حكوميا حازما وحاسما، قائلا إنه “لا تنازل عن ذرة من تراب الكويت أو قطرة من بحرها!”.

وكان الكندري طالب في 6 سبتمبر الجاري وزير الخارجية بطمأنة الشعب الكويتي إزاء ما يحدث من الجانب العراقي تجاه الكويت، زاعما أن هناك تحركا عراقيا على الحدود، وهو ما ليس له أساس من الصحة.

وذكر مخاطبا وزير الخارجية “هناك سلوك واضح بأن هناك تحركاً على الحدود، والمليارات لم تنفع معهم، فلا تعتقد أن الكلام الطيب مع هذه المجموعة سيأتي بنتيجة”.

ويقول مراقبون إن لهجة التصعيد ضد العراق بين النواب الإسلاميين وحلفائهم وجدت صداها في التصريحات الرسمية الكويتية، لأن ترديدها كان بمثابة سبيل شعبوي سهل لاستدراج التأييد، وذلك رغم علم جميع الأطراف أن المحكمة الاتحادية العليا استندت في قرارها إلى اعتبار التصويت غير دستوري لأنه لم يحصل على أغلبية الثلثين من أعضاء مجلس النواب كما تنص المادة 61 من الدستور.

وهو ما يعني أن المسألة ليست رفضا لاتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبدالله، وإنما مجرد إجراء يتعلق بآليات عمل المؤسسات الدستورية في العراق.

وقسمت الاتفاقية ميناء خور عبدالله بين العراق والكويت، ويقع في أقصى شمال الخليج بين جزيرتي وربة وبوبيان الكويتيتين وشبه جزيرة الفاو العراقية، ويمتد إلى داخل الأراضي العراقية مشكّلا خور الزبير الذي يقع فيه ميناء أم قصر في محافظة البصرة جنوب العراق.

وقامت الأمم المتحدة بترسيم الحدود البرية بين البلدين عام 1993 بعد الغزو العراقي للكويت سنة 1990، إلا أن الترسيم لم يغطّ كامل حدودهما البحرية، وتم ترك الأمر للبلدين المنتجين للنفط لحله.

ورغم ذلك لا تزال الخلافات الحدودية قائمة، إذ أن العراق يعترف بالحدود البرية التي رسمتها الأمم المتحدة في العام 1993، لكنه يعتبر أن حدوده البحرية تمنعه من الوصول إلى الخليج، وهو أمر حيوي لاقتصاده.

كذلك يعتبر خبراء عراقيون أن الخطوة الكويتية المتعلقة ببناء ميناء مبارك الكبير في جزيرة بوبيان الواقعة في أقصى شمال غرب الخليج من شأنها أن تؤدي إلى “خنق” المنفذ البحري الوحيد للعراق في خور عبدالله.

وتريد بغداد أن يضمن لها ترسيم الحدود البحرية القدرة على الوصول إلى بحر الخليج الذي تحتاج إليه اقتصاديا ولصادراتها النفطية.

وتعد بوبيان أكبر جزيرة كويتية بمساحة إجمالية تبلغ 863 كيلومترا مربعا، بحسب وكالة الفضاء الأوروبية.

وهناك أيضا جزيرة وربة التي تقع على بعد حوالي 100 متر شرق البر الرئيسي الكويتي، وكيلومتر واحد جنوب البر الرئيسي العراقي (عبر أعلى اليمين) بالقرب من مصب شط العرب. وتبلغ مساحة وربة الإجمالية 37 كيلومترا مربعا، وفقا للوكالة الأوروبية ذاتها.

وفي 2011 رفضت الكويت طلب العراق بوقف تشييد ميناء مبارك الكبير وباشرت العمل بالمشروع في جزيرة بوبيان، الذي يرى العراق أنه سيؤدي إلى اختزال جزء كبير من مياهه الإقليمية على الخليج.

العرب