فور الإعلان عن تشكيل التحالف الإسلامي ضد الإرهاب، برز السؤال عن الرسالة السياسية التي يحملها هذا التحالف إلى دول الإقليم في منطقة الشرق الأوسط بالتحديد، وإلى سائر دول العالم بشكل عام.
وجاء الإعلان عن تشكيل التحالف بعد نجاح الرياض في جمع معظم أطياف المعارضة السورية في مؤتمر خرج بإعلان واضح، ووحّد الرؤى حول مبادئ المرحلة المقبلة في سوريا، ولاقى قبولا دوليا، رغم الممانعة والعرقلة الروسية والتحفظ الأميركي على وجود بعض النقاط العالقة.
“لا شك في أن تشكيل التحالف في المرحلة الحالية، حيث كثرت التحالفات الدولية والإقليمية ضد الإرهاب، يحمل أكثر من رسالة بوصفه يشير قبل كل شيء إلى انتقال معظم دول العالم الإسلامي، ومنها معظم الدول العربية، من مرحلة الفرجة والانفعال وعدم الفعل، إلى مرحلة التحرك والأخذ بزمام المبادرة”
ولعل الأهم أنه جاء في سياق التناغم مع مسار فيينا، الذي وضعته مجموعة العمل الدولية للشروع في حلّ سياسي للأزمة السورية، وسبق اجتماعات واستحقاقات دولية في نيويورك وغيرها.
الانتقال إلى الفعل
لا شك في أن تشكيل التحالف في المرحلة التي نعيشها، في أيامنا هذه، حيث كثرت التحالفات الدولية والإقليمية ضد الإرهاب، يحمل أكثر من رسالة، بوصفه يشير قبل كل شيء إلى انتقال معظم دول العالم الإسلامي، ومنها معظم الدول العربية، من مرحلة الفرجة والانفعال وعدم الفعل، إلى مرحلة التحرك، والأخذ بزمام المبادرة، والقيام بالفعل في عالم كثرت فيه التهديدات والمخاطر.
وتشهد منطقتنا العربية عمليات عسكرية لتحالفين، الأول هو التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش”، والذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، ويضم ما يقارب الستين دولة، وقام على إسترتيجية وضعها الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي اعترف أخيرا بفشلها وبدأ يبحث في سبل تغييرها في وقت متأخر جدا.
أما الثاني فهو التحالف الروسي الإيراني، الذي يضم إليه كلا من حكومة العراق، المهيمن عليه من طرف قوى مذهبية تنفذ أجندات إيرانية في العراق والمنطقة، إضافة إلى النظام السوري الفاقد الأهلية والشرعية، والذي تخوض كل من روسيا وإيران حربا ضد الشعب السوري كي تحافظ على ما تبقى من المناطق التي يسيطر عليها النظام بالقوة.
وقد اتضح للعالم أجمع أن هدف الحلف الروسي الإيراني الأساسي ليس محاربة الإرهاب، أو تنظيم الدولة، كما يدعي قادته وساسته، بل هدفه تنفيذ مشاريع نفوذ وهيمنة في المنطقة العربية، يحكمها من جانب الروس منطق تصفية حسابات تاريخية مع الغبن التاريخي الذي مارسته الدول الغربية على روسيا، سواء على الاتحاد السوفياتي السابق أم على روسيا ما بعد سقوط السوفيات، في حين تحكمها من طرف ملالي إيران عقلية الانتقام والثأر من العرب، مبنية على تبعات ومعارك تاريخ مضى.
ولعل الانتقال إلى مرحلة الفعل الجديدة يضع التحالف الإسلامي أمام تحديات عديدة، تخص الممكنات والكيفية التي سيترجم بها رسالته، خاصة وأن الإرهاب يضرب بلدانا عربية عديدة، منها سوريا والعراق وليبيا واليمن وسواها، وبالتالي ما الكيفية التي سيتعامل بها التحالف الإسلامي مع الأوضاع في هذه البلدان؟
وليس واقعيا اقتصار التحالف على المجال العسكري، الذي يفترض تشكيل قوة عسكرية مشتركة، لها قوام الجيش النظامي، ويترتب عليها قيادة عسكرية مشتركة، إضافة إلى العدة والعتاد، وغير ذلك من الضرورات العسكرية، لأن تجارب التحالفات الأخرى أظهرت بوضوح أن أي تحالف عسكري ضد التطرف والإرهاب لن يجدي نفعا ما لم يخضع لأهداف ومهام سياسية.
“يبدو أن رسالة تشكيل التحالف الإسلامي لها بعد إقليمي بالدرجة الأولى بعد أن لمست دول المنطقة خلال السنوات القليلة الماضية مدى الخطر الذي يشكله مشروع الهيمنة الإيراني، الذي راح بعض ساسته يتفاخرون، بعد استيلاء الحوثيين على صنعاء، بسيطرتهم على أربع عواصم عربية”
ذلك أن أي إسترتيجية مهما كانت محكمة لن تحل مشكلة الإرهاب إذا اقتصرت على الجانب العسكري فقط، بل على القادة والساسة أن يبحثوا في الأسباب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية المولدة للظاهرة، بحيث يجري العمل الجاد لمنع أو لوقف الأسباب والحيثيات المولدة لها.
حيثيات تشكيل التحالف
يشير تصدر المملكة العربية السعودية لقيادة التحالف الإسلامي إلى أنه أتى بعد أن أثبت التحالف العربي جدواه، وأوقف سطوة وسيطرة تحالف الحوثيين مع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح على اليمن، ومنعهم من إدخاله في أحابيل مشروع الهيمنة الإيراني، وأجبرهم على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وكان إطلاق السعودية في مارس/آذار الماضي “عاصفة الحزم” ضد تحالف الحوثيين وعلي صالح في اليمن بداية لتصدي دول المنطقة بنفسها للأخطار التي تواجهها، ومنها تمدد مشروع الهيمنة الإيراني إلى اليمن، بعد أن اجتاح كلا من العراق وسوريا ولبنان.
ويبدو أن رسالة تشكيل التحالف الإسلامي لها بعد إقليمي بالدرجة الأولى، بعد أن لمست دول المنطقة خلال السنوات القليلة الماضية مدى الخطر الذي يشكله مشروع الهيمنة الإيراني، الذي راح بعض ساسته يتفاخرون، بعد استيلاء الحوثيين على صنعاء، بسيطرتهم على أربع عواصم عربية.
والواقع أنه مشروع قومي أيديولوجي، يتخذ أشكالا مختلفة في المنطقة، ويقف وراءه عقل سياسي إيراني متشدد، يزاوج ما بين الديني والقومي، أي ما بين العقيدة المؤولة مذهبيا، وفق فهم رجال الدين الإيرانيين، وبين الطموح القومي الضارب في عمق الأيديولوجيا والتاريخ الغابر، الأمر الذي يجعل منه مشروعا جامعا ما بين السعي إلى الهيمنة وإلى التغيير الديمغرافي، وهادفا إلى تحقيقهما بمختلف الوسائل، المشروعة وغير المشروعة.
وإن كان الخطر الذي يمثله تنظيم الدولة على دول الخليج ليس بسيطا، لكنه لا يضاهي مستوى التهديد العسكري المباشر الذي يشكله الحوثيون في اليمن، بعد أن انخرطوا في تنفيذ أجندة المشروع الإيراني.
“يشكل الوضع في سوريا التحدي الأبرز للتحالف الإسلامي ، حيث يمارس النظام السوري إرهاب الدولة ضد غالبية السوريين منذ ما يقارب الخمس سنوات، إضافة إلى تنظيم الدولة ومليشيا حزب الله الإرهابية والمليشيات الإيرانية والعراقية والأفغانية”
وجاءت هجمات باريس الدامية، وارتفاع وتيرة الخطاب المعادي للإسلام في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، كي تلقي بثقلها على الدول الإسلامية، وبات المطلوب منها أن تتحرك لمواجهة التحديات والأخطار، التي أخذت منحى تصاعديا في الآونة الأخيرة، فجاء الإعلان عن تشكيل التحالف بوصفه رسالة رد على الضغوط والتحديات، وللتصدي لخطر الإرهاب وغيره.
التحدي الأبرز
يشكل الوضع في سوريا التحدي الأبرز للتحالف الإسلامي ضد الإرهاب، حيث يمارس النظام السوري إرهاب الدولة وكافة أصناف الإرهاب ضد غالبية السوريين منذ ما يقارب الخمس سنوات، إضافة إلى تنظيم الدولة ومن لفّ في فلكه، وبالأخص مليشيا حزب الله الإرهابية والمليشيات الإيرانية والعراقية والأفغانية، إلى جانب التدخل الروسي السافر إلى جانب النظام الذي بات يشكل قوة احتلال في نظر السوريين.
وقد أعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن المملكة ودولا خليجية أخرى تبحث في إرسال قوات خاصة إلى سوريا في إطار الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم “داعش”، وألمح إلى أن “مناقشات تجري بين دول تشارك حاليا في التحالف، مثل السعودية والإمارات وقطر والبحرين، لإرسال بعض القوات الخاصة إلى سوريا، وهذه المناقشات لا تزال مستمرة. ليس هذا مستبعدا”.
ويبدو أن الأزمة السورية تمثل الامتحان الحقيقي للتحالف الإسلامي، ذلك أن أي تدخل عربي لإنهاء مأساة الشعب السوري لا تنقصه المبررات والوجاهة الكافية، بل إن الرئيس الأميركي باراك أوباما، ومعه ساسة غربيون، تساءلوا مرات عديدة عن أسباب غياب العرب والمسلمين عن فعل شيء في سوريا لإيقاف نزيف الدم السوري.