يسعى المغرب إلى تسريع خطواته لتأمين غذائه وتحصين مخزونه بالتركيز على الزراعات البيولوجية (العضوية) التي باتت تتوسع بوضوح مع بروز محاولات لتطويرها مع تبني الأساليب المبتكرة الحديثة في مسعى للتأقلم مع التغير المناخي.
الرباط – تتسع رهانات المزارعين المغاربة على إنتاج المحاصيل البيولوجية بالتوازي مع تأكيد البعض منهم أن بلدهم قطع شوطا نحو تثبيت أقدامه ليكون من بين الكثير من الدول وخاصة في شمال أفريقيا في مقاومة أسباب الجفاف وتحقيق الأمن الغذائي.
وتخطو ولاية (محافظة) الرباط – سلا – القنيطرة، التي تشتهر بتربتها الخصبة وإمكانياتها المقدرة في الري، بخطى ثابتة نحو تطوير الزراعة البيولوجية رغم ما يعترض القطاع الواعد من تحديات من حيث اعتماد أساليب مبتكرة لترصيده وتجويده.
والزراعة البيولوجية نظام يعتمد على استخدام المواد الطبيعية في إنتاج المحاصيل بدلا من الأسمدة الكيمياوية ومواد المكافحة الضارة بالصحة العامة والمبيدات مما يوفر فرصة لتقليص التكاليف.
ولا تسمح هذه الطريقة باستخدام السلالات والكائنات المحورة وراثيا والمواد الحافظة في عمليات التصنيع والتعليب، وبالتالي تصل المواد الغذائية إلى المستهلك بحالتها الطبيعية.
ويحتاج الإنتاج البيولوجي إلى فترة تحول من الزراعة الكيمياوية إلى الزراعة العضوية وعمليات تفتيش وتصديق لأماكن الإنتاج وذلك للتأكد من توفر الشروط والمعايير في المنتج العضوي ولضمان حقوق المنتج والمستهلك، ويتم ذلك وفق شروط محددة.
وفي تلك الجهة، بلغ متوسط المساحات المزروعة بيولوجيّا المعتمدة خلال السنوات الثلاث الماضية أكثر من 3 آلاف هكتار، بحسب المديرية الجهوية للفلاحة.
وتظهر بيانات المديرية أن تلك المساحة بلغ إنتاجها السنوي قرابة 22 ألف طن يغطي بشكل خاص الحوامض والأشجار المثمرة والزيتون والخروب والحبوب والفواكه الحمراء، إضافة إلى النباتات العطرية والطبية.
ووصل حجم الصادرات في الموسم 2020 – 2021 إلى ما يقارب سبعة آلاف طن، 4800 طن منها تخص المنتوجات الزراعية المحولة (أغلبها مجمدة)، وألفا طن من المنتوجات الطازجة خاصة الفواكه الحمراء، والأفوكادو، إضافة إلى 200 طن من الحوامض.
وتحث الحكومة الخطى لتشجيع الزراعات البيولوجية التي باتت تعتبر بمثابة أولوية في “المخطط الأخضر”، من خلال تغطية التكاليف المرتفعة للمصادقة والتي تبلغ حوالي 11 ألف درهم (ألف يورو) للهكتار.
ووفق وزارة الفلاحة، فإن المساحة المخصصة للزراعة البيولوجية بالبلاد، تطورت بشكل ملفت من نحو 4 آلاف هكتار في 2010 إلى 10.3 ألف هكتار بنهاية العام 2020.
ويتطلع المغرب إلى زيادة المساحات المزروعة بشكل مضاعف خلال السنوات المقبلة لتصل محاصيلها إلى 900 ألف طن سنويا، على أن يخصص نحو ثلثها للسوق المحلية والباقي للتصدير.
ويرى رئيس الجمعية البيمهنية (المغرب بيو) سليم القباج أن جهة الرباط – سلا – القنيطرة تزخر بكل الإمكانيات للتموقع بين أكثر المناطق القادرة على الصمود في مواجهة الجفاف السائد حاليا.
22 ألف طن الإنتاج السنوي لمساحة تبلغ ثلاثة آلاف هكتار في جهة الرباط – سلا – القنيطرة
وأشار إلى إطلاق العديد من المشاريع المبتكرة بهذه الجهة عبر الاعتماد على شراكات قوية مع الجامعات والمعاهد ومدارس التكوين، وكذلك مختبرات الأبحاث.
وأوضح القباج أن الطريق لا يخلو من عراقيل، حيث لا تتوفر سلسلة الزراعة البيولوجية بالجهة بعد على اليد العاملة المؤهلة وعلى التقنيين المتخصصين في هذا النمط من الإنتاج.
ونسبت وكالة الأنباء المغربية الرسمية إلى القباج قوله إنه “تم بذل مجهودات مشهودة في هذا المجال من قبل مديرية التعليم والتكوين والبحث، بالشراكة مع جمعية المغرب بيو والعديد من الجمعيات المحلية”.
وتوفر معاهد التدريب العالي مشاريع بمثابة دورات متخصصة للاستجابة لاحتياجات المديرين التنفيذيين والكوادر ومؤسسي الشركات الناشئة في القطاع، وذلك بهدف تنسيق مختلف المبادرات لإنجاح الإستراتيجية المندمجة، وفق عقد برنامج “ماروك بيو” الممتد حتى 2030.
ويخطط البرنامج لإرساء شبكة وطنية خاصة للمحلات الصغيرة المتخصصة في المنتوجات البيولوجية، والتي من شأنها استيعاب إنتاج علامة “صنع في المغرب”.
ويعمل المغرب على توسيع مساحة الزراعة العضوية إلى مئة ألف هكتار بحلول 2030، كواحد من البدائل الممكنة للزراعات التي تستنزف كميات كبيرة من المياه.
وتشير التقديرات الرسمية إلى أن المساحات المسقية لا تتعدى 15 في المئة من مجموع مساحة الأراضي المزروعة بالبلاد.
وهذه المساحات مزروعة بغالبيتها بأشجار الزيتون والحمضيات واللوز في مراكش والرباط وسوس ماسة جنوب البلاد.
ويمتلك البلد نحو 300 ألف هكتار من الأراضي التلقائية والتي تنتج محاصيل من النباتات العطرية والطبية على غرار أشجار الأركان والأرز.
وقال القباج إن المغرب بيو “تقوم بعمل جاد في هذا الصدد، مسجلا وجود حاجة ماسة إلى جعل المنتوجات البيولوجية أكثر وفرة في السوق”.
وأكد أن النماذج الحالية القائمة على إفساح المجال للعرض البيولوجي في المحلات الكبرى والمتوسطة والمتاجر المتخصصة “ماضية في التطور”.
ويدفع هاجس تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء بشكل مستدام السلطات إلى مطاردة الجدوى من وراء توسيع مشاريع الزراعة العضوية على الرغم من بعض التحديات التي تواجهها في طريق تجسيد أهدافها واقعيا.
ويعكف المسؤولون منذ عامين على توسيع استخدام الزراعة العضوية في عمليات إنتاج المحاصيل بهدف مواجهة آثار التغير المناخي المدمر على القطاع والذي أبقى البلد من بين أعلى دول المنطقة في استيراد الغذاء.
وأفاد رئيس الجمعية الجهوية لمنتجي المنتوجات الفلاحية البيولوجية بمنطقة إقليم الخميسات التابعة للرباط عبدالجواد العلمي بأنه يطور منذ زهاء 15 سنة زراعة الخروب البيولوجي، من خلال استغلال أكثر من 60 ألف شجرة.
وكشف العلمي أن الجمعية تنكب على تشجيع مزارعي الجهة، لاسيما الشباب منهم، على الاستثمار في هذه السلسلة بالنظر لمنافعها الصحية، حتى وإن كانت الأرباح المتحصلة منها تظل، في الوقت الراهن، دون الطموحات مقارنة مع الزراعة التقليدية.
ولإنجاح هذا التمشي يتم تنظيم دورات تحسيسية وورشات تكوينية بشكل دوري تستهدف مزارعي الجهة، وتتناول مواضيع تهم تطوير المنتوجات البيولوجية.
وتتوخى تلك الدورات أساسا تمكين المزارعين من الأدوات اللازمة للاستجابة لشروط المراقبة والإشهاد ولنظم الجودة الخاصة بهذه المنتوجات، فضلا عن تمويل الأنشطة المتصلة بها.
العرب