أولوية الأمن القومي في السياسة الخارجية

أولوية الأمن القومي في السياسة الخارجية

السياسة

اعتادت مراكز البحوث السياسية في الولايات المتحدة، والدول الغربية الكبرى، طرح نظريات تتناول السياسات الخارجية لدولها، والزج بهذه النظريات في إطار موجات من المناقشات، التي تنقلها مؤسساتها الإعلامية، وصحفها، المنتشرة عالمياً، وتخلق لها الذيوع والانتشار في دول العالم، حتى يتكون لها من خلال الجدل الذي يدور حولها في هذه الدول، مواقف تتوزع بين مؤيد ومعارض، إلى أن تتأكد آلة صناعة السياسة الخارجية، خاصة في أمريكا، من أن بذرة النظرية قد أثمرت، ووجد لها مؤيدين، يتقبلونها. عندئذ تنتقل الفكرة من حيز النظرية، إلى واقع التنفيذ، وتتبناها الدولة كسياسة خارجية رسمية لها.

لكن التحولات في النظام الدولي خلال السنوات الأخيرة، والتي شهدت تصاعد نفوذ قوى إقليمية، يضعها في منافسة مع القوة الأمريكية، والتي اعتبرت صعود الآخرين بمثابة تقليص لنفوذها، وقيادتها للعالم، فإن ذلك قد دفع مراكز الفكر السياسي إلى أن تتابع أولاً بأول، أي تغييرات في المجال الدولي، وتنظيم مناقشات تحاول عن طريقها التقييم الحقيقي الذي لا يهول، ولا يهون، من شأنها، حتى تضع لنفسها النهج الذي تتعامل به معها.

ومن قلب هذه المناقشات، في مراكز الفكر السياسي، طرحت نظرية تفسر طبيعة التغيير، في العلاقات التقليدية، المستقرة طوال عشرات السنين بين الولايات المتحدة، والدول المرتبطة معها بصداقات أو تحالفات، لا تزال معمول بها إلى اليوم في مظهرها الخارجي، على حين طرأت عليها تغييرات أساسية غير معترف بها علناً، من جانب القوة الكبرى. وإن كانت لها شواهد ملموسة في إدارة الولايات المتحدة، لسياساتها تجاه هذه الدول، ومدى التمسك بالتزاماتها تجاه مصالحها وأمنها.

هذه النظرية ترى أن سياساتها الداخلية تتأثر بمفهوم السيادة والاستقرار، بينما تتميز سياساتها الخارجية، بالفوضى، والمصالح بمعنى أنه لا توجد سلطة أعلى من الإبقاء على نفوذ القوة الكبرى، وتواجدها المؤثر في المجال الدولي، حتى ولو كانت إثارة الفوضى تخدم المصالح، ومن بين من عكفوا على دراسة هذا الموضوع البروفيسور جون ميرشيماير، أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو في دراسته التفصيلية التي نشرت مؤخراً عن الأكاذيب في السياسات الدولية، ويقول: إن الدول النامية تمارس دورها في عالم تحمي فيه سيادتها بنفسها، بعد أن تراجعت الثقة بضمان وقوف القوى الكبرى إلى جانبها، وعلى هذا يجب على قادة هذه الدول، أن يكونوا يقظين ومنتبهين للتغيرات الجارية من حولهم، وأن يحرصوا على أن يكون بقاء وأمان بلادهم، له الأولوية، قبل أي أولويات أخرى. وأن هذا الرأي الذي يعرضه، هو وصف لما هو عليه حال العالم اليوم، أكثر من كونه وصفاً للكيفية التي يتصرف بها قادة القوى الكبرى. وبالنظر إلى حال العالم اليوم، فإن الجميع يتراءى لهم أن الأولوية هي للأمن القومي، في ممارسة السياسة الخارجية والداخلية معاً، سواء في دول الغرب، أو في الشرق الأوسط.

ويتأكد في ضوء هذا المفهوم المعنى المطروح في الفترة الأخيرة، من أن دول المنطقة العربية، أحوج ما تكون للالتقاء على مفهوم موحد ومشترك لأمنها القومي، ليكون طريقها لبناء آليات محلية، لحماية أمنها القومي.هذه النظرية تقرر أن القيادات السياسية في القوة الكبرى، تستخدم لغة خطاب تخدم في النهاية أهدافهم، وتتجنب الإفصاح عن حقيقة سياساتهم، في خطابهم مع الدول الأخرى، التي يفترض أنها تثق بهم.

ويرى المهتمون بهذه النظرية، في المراكز المتخصصة بالسياسة الخارجية في الولايات المتحدة، أن دراسة البروفيسور ميرشيماير، التي حظيت بالاهتمام من الدارسين للسياسة الخارجية، والعلاقات الدولية، لدراسات أعمق، للمسار الذي تتخذه القوى الكبرى، في علاقاتها، بالدول التي اصطلح على تسميتها، بدول العالم الثالث، وليس التوقف عند نظريات العلوم السياسية التقليدية نفسها، التي كانت تتحدث عن عالم كانت له ظروفه، التي لم تعد قائمة الآن، بصورها المألوفة نفسها في الماضي.

عاطف الغمري

صحيفة الخليج