دكا، بنغلاديش – يأكل نصف العالم الأرز ويستهلكه الجميع في دولة بنغلاديش الصغيرة المكتظة بالسكان، وهي ثالث دولة منتجة له في العالم.
وعانت الدولة التي يبلغ عدد سكانها 170 مليون نسمة من بعض أسوأ المجاعات في العالم وهو ما يعطي هذا الترتيب أهمية خاصة.
وجاء في تقرير نشرته خدمة إنتر برس أن بنغلاديش أصبحت مكتفية ذاتيا غالبا في المجال الغذائي، لكن مزارعيها يواجهون تهديدا جديدا وهو أزمة المناخ.
ويعتبر تأثير تغير المناخ على الأمن الغذائي كارثة مشتركة بين العديد من البلدان في جنوب الكرة الأرضية، من الفلبين حيث تواجه زراعة الأرز القائمة على التنوع البيولوجي الانقراض، إلى بيرو حيث دمر الجفاف النظم الغذائية.
من المتوقع أن تقضي التأثيرات المناخية على 30 في المئة من إنتاج الغذاء بحلول 2050، ما يعني أن التحديات ستزداد حدة
وينتج المزارعون من أصحاب الحيازات الصغيرة ثلث غذاء العالم. وتشكل الزراعة في بنغلاديش مصدر رزق نصف السكان.
ومن المنتظر أن يصل عدد سكان البلاد إلى 200 مليون شخص بحلول 2050، ويؤثر تسرب الملوحة على مساحة ستكون أكبر من دولة لبنان.
ودمرت الفيضانات في 2022 محاصيل كانت تكفي لإطعام 10 ملايين شخص لمدة شهر.
ولا تزال آثار إعصار سدر، الذي ضرب ساحل بنغلاديش قبل 16 عاما، محسوسة اليوم، حيث أبقت بقايا الملح آلاف الهكتارات من الأراضي غير صالحة للزراعة.
وتبقى بنغلاديش دولة صغيرة تزيد مساحة أراضيها قليلا عن ولاية ميسيسيبي الأميركية ولكنها متنوعة على مستوى التضاريس والنظم البيئية، فيما تهدد أزمة المناخ كل جزء منها.
ويشهد شمال شرق بنغلاديش فيضانات منتظمة، وتعاني المناطق الوسطى من فترات جفاف أطول، وتكافح المناطق الساحلية ارتفاع الملوحة، وتتعرض المجتمعات الزراعية على طول أنهار بنغلاديش التي يزيد عددها عن 600 نهر للتهديد المستمر بسبب التعرية.
تهاجم تأثيرات المناخ المزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة على كل الجبهات. ولا يمكن تجاهل أي جبهة عند مكافحة هذه المشاكل بل نحتاج حلولا شاملة واسعة النطاق.
وتعد بنغلاديش مثالا على نجاح هذا النهج، حيث نفّذت خلال السنوات الخمسين الماضية خططا شاملة وواسعة النطاق لخفض معدلات الفقر من 80 إلى 18 في المئة، وزيادة متوسط العمر المتوقع مرة ونصفا، ومضاعفة إنتاج الأرز ثلاث مرات.
وتكمن نقطة انطلاق هذا النهج الأكثر جوهرية في البذور التي استثمرت فيها بنغلاديش لعقود.
وكان الإقبال واسع النطاق على الأصناف عالية الإنتاج من الأسباب الرئيسية التي مكّنت البلاد من تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي. لكن المحاصيل ذات الإنتاجية العالية تبقى معرضة لتأثيرات المناخ.
وتشهد المحاصيل نقصا في التنوع، فبينما تتوفر مئات الأصناف المقاومة للمناخ في بنغلاديش، إلا أن 70 في المئة من حقول أرز “بورو” في البلاد لا تعتمد سوى نوعين.
تأثيرات المناخ تهاجم المزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة على كل الجبهات. ولا يمكن تجاهل أي جبهة عند مكافحة هذه المشاكل
ويرى محللون أن التقدم لا يقتصر على تطوير بذور مقاومة للتحول المناخي، بل يتطلب العمل مع المزارعين لتشجيعهم على استخدامها، وتجربة محاصيل مختلفة تماما.
ويحتاج الأرز، الذي يعدّ الدعامة الأساسية للنظام الغذائي في بنغلاديش، والذي يغطي 80 في المئة من الأراضي الصالحة للزراعة في البلاد، إلى كمية تتراوح من 3 إلى 5 آلاف لتر من المياه لإنتاج كيلوغرام واحد.
وتتطلب الذرة كميات أقل بـ30 في المئة، والدخن مياها أقل بـ70 في المئة.
ويساهم الميثان المنبثق عن الأرز أيضا بحوالي 1.5 في المئة من إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة العالمية.
ونظرا لارتفاع عدد المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة الذين يعيشون على دخلهم من هذا المنتوج، لن يكون الإقناع بتغيير الأصناف سهلا.
ويمكن أن تساعد المنظمات غير الحكومية في معالجة هذه المشكلة، لعملها الوثيق مع المجتمعات المحلية.
وتعمل مؤسسة براك مع شبكة تشمل 7 آلاف مزارع من أصحاب الحيازات الصغيرة لإنتاج البذور التي أمكن توزيعها على 1.3 مليون مزارع. وتنتشر شبكات ومجتمعات مثلها في جميع أنحاء الجنوب العالمي.
يحتاج المزارعون إلى التمويل قبل تجربة البذور. ويجني معظم مزارعي الكفاف في بنغلاديش أقل من دولارين في اليوم، مما يبقيهم في حالة من الكفاح المستمر لكسب لقمة العيش.
ولا يحتاج المزارعون عادة إلى الكثير من المال، لكنهم غالبا ما يطلبون دفعة واحدة تكون في بداية الموسم.
وتعدّ قروض التمويل الأصغر المخصصة للمزارعين هي المفتاح. وتقدم براك التمويل لحوالي 10 ملايين شخص، وجلّهم من المزارعين.
ويكون ذلك في شكل قروض لمرة واحدة يجب سدادها في وقت الحصاد. ولا تتجاوز نسبة التخلف عن الدفع 2 في المئة.
كما يعدّ التأمين على المحاصيل أمرا حيويا لدعم المزارعين وتمكينهم من مواجهة الصدمات المناخية المتزايدة.
وتعتمد أكثر من نصف بلدان العالم برامج حكومية للتأمين الزراعي، وتدعم جل هذه البرامج الأقساط. لكنها تقتصر على أربعة بلدان في أفريقيا.
وتجرّب براك التأمين على المحاصيل، ودخلت في شراكة مع الاستشارات الزراعية والتنبؤات الجوية المحلية عبر الرسائل القصيرة التي يتلقاها اليوم 80 ألف مزارع. واختار أكثر من نصف المزارعين مواصلة التأمين بعد المرحلة التجريبية حتى دون الدعم.
يحتاج المزارعون إلى الوصول إلى معلومات تُصاغ بطريقة يمكنهم فهمها.
وتوفر خدمات الإرشاد الزراعي الحكومية ذلك، ويمكن للجهات الفاعلة غير الحكومية ضمان وصولها إلى المجتمعات الضعيفة.
وتشمل المبادرات التي تجربها بنغلاديش عيادات التكيف، وهي مراكز خدمة شاملة في النقاط الساخنة المناخية التي يديرها خريجو الزراعة والمزارعون في تلك المجتمعات.
ويوفر هذا للمزارعين الآخرين إمكانية الوصول إلى مجموعة من الموارد، من التنبؤات الجوية ومعلومات السوق إلى التدريب والتكنولوجيا ومرافق تخزين المنتجات.
كما يبقون بحاجة إلى التأكد من قدرتهم على بيع منتجاتهم الجديدة.
وتعدّ عباد الشمس مثالا جيدا هنا. ويستخدم زيت عباد الشمس على نطاق واسع في الطهي في بنغلاديش، التي تعتمد على الواردات لتلبية 90 في المئة من طلبها على زيت الطعام.
ويتحمل عباد الشمس الملوحة. وبُذل جهد في الترويج له لسنوات، لكن نقص مشتري البذور كان واضحا.
ومن ثم تصاعد اهتمام منتجي الزيوت الصناعية والرغبة في سدّ فجوة السوق يرتفعان، مما مكّن ازدهار زراعة عباد الشمس على الساحل. ويحصد المزارعون ما يصل إلى خمسة أضعاف ما كانوا سيجنونه من المحاصيل التي كانوا يزرعونها في السابق.
ارتفاع التحديات
ليست البذور والتمويل والمعلومات والربط بالأسواق سوى البداية.
ومن التوقع أن تقضي التأثيرات المناخية على 30 في المئة من إنتاج الغذاء بحلول 2050، مما يعني أن التحديات التي يواجهها المزارعون ستزداد حدة.
وهم يحتاجون دعما شاملا، يجمع بين نقاط القوة التقنية التي توفرها الجهات الفاعلة الحكومية والخاصة، والثقة والتوجيه المحلي على الأرض الذي تمنحه الجهات الفاعلة غير الحكومية.
ويتزايد عدد الجياع في العالم مع معاناة 43 دولة من مستويات جوع خطيرة وتصل المخاطر لذلك إلى درجة غير مسبوقة.
العرب