تحولت ذكرى المولد النبوي بالعراق في السنوات الأخيرة إلى وسيلة يحاول البعض استغلالها أو ركوبها للكسب السياسي والجماهيري، حيث يمكنك مشاهدة عشرات الساسة والنواب السنة يتقاطرون على جامع الإمام أبي حنيفة في منطقة الأعظمية لحضور احتفال المولد المركزي الذي يقام هناك.
وقد درجت العادة على إقامة احتفالات واسعة فيبغداد وباقي المدن السنية طيلة أيام شهر ربيع الأول، يحضرها وزراء ونواب وشيوخ دين وعشائر وباقي فعاليات المجتمع ورموزه بمشاركة جماهيرية واسعة، لكن هذه الظاهرة تحولت إلى استغلال سياسي -في رأي البعض- والوقوف أمام عدسات الكاميرا حتى ممن لم يسمع الكثيرون بهم من قبل.
وقالت النائبة عن ائتلاف القوى العراقية (السنية) زيتون الدليمي إن بعض السياسيين السنة يستخدمون هذه المناسبة للظهور بمظهر المدافع عن السنة والمنتمي إلى قضاياهم، رغم أن هذه المناسبة لا تخص السنة وحدهم، حسب تعبيرها.
وأقرت الدليمي في حديث للجزيرة نت أن هناك فجوة كبيرة بين النواب السنة وجمهورهم، مما يولد ردات فعل قوية لدى هذا الجمهور، واتهامات للساسة بركوب الموجة من أجل كسب الأصوات.
وأشارت إلى أن هذه الحالة عامة، حيث يقوم بعض السياسيين الشيعة كذلك بنفس الدور في مناسباتهم الخاصة، وهو ما يتطلب وقفة مع الذات وبعض المصداقية تجاه الناخبين الذين أوصلوا هؤلاء النواب إلى البرلمان.
وتبدو المشاركة في احتفالات المولد فرصة لبعض الساسة لإثبات “سنيتهم” التي تتعرض للاتهام بأنها تحولت إلى مجرد شعار انتخابي، بعد أن خذل هؤلاء الساسة منتخَبيهم وتركوهم يواجهون مخاطر النزوح والقتل والمستقبل المجهول، كما يقول ناقدوهم.
وفي ظروف وأجواء كالتي يعيشها العراق اليوم، تتصاعد حدة الانتقادات تجاه هؤلاء النواب من قبل جمهورهم، حيث يتهم معظمهم بأنهم تخلوا عن وعودهم الانتخابية التي قطعوها على أنفسهم سابقا بعدما انغمسوا في لعبة السلطة وما يتعلق بها من صفقات، وفقا لهذه الاتهامات.
وفي هذا السياق، قال خالد سلام -وهو موظف من أهالي حي الجامعة غرب بغداد- إنه انتابه شعور سيئ عندما رأى على التلفاز أحد النواب الذين انتخبهم مشاركا في احتفال المولد النبوي، مشيرا إلى أن هذا النائب كان مشهورا بطوافه على المساجد أيام الجمع وقت الحراك السني، ومن المبشرين بالخلاص من الطائفية والدكتاتورية، لكنه منذ أن انتخبه لم تتح له فرصة اللقاء به بعدما حاول الاتصال به عشرات المرات دون جدوى.
أما أبو حكم -وهو نازح من محافظة الأنبار يقيم في مخيم بمنطقة الغزالية- فيعبر عن مدى خيبة أمله بمن انتخبه، حيث لم يقم بزيارة مخيمهم أبدا، ولم يتواصل مطلقا -على حد تعبيره- مع ناخبيه المهجّرين جميعا، والذين ضاقت بهم مخيمات البلاد من الشمال إلى الجنوب.
وقال أبو حكم إنه شاهد هذا النائب على شاشات الفضائيات يتحدث بمناسبة المولد النبوي عن ضرورة رفع المعاناة عن النازحين، رغم أنه لم يزرهم ولو مرة واحدة.
تراجع الشعبية
من جهته اعتبر الكاتب والباحث عبد الرزاق البغدادي الظهور المكثف لهؤلاء النواب في مناسبة المولد دليلا على تراجع كبير في شعبيتهم، وما وصفه بالفشل في تمثيل ناخبيهم وتحقيق طموحاتهم.
وقال البغدادي في حديث للجزيرة نت إن الناخب السني يتمنى رؤية هؤلاء النواب عند معبر بزيبز لإدخال النازحين أو عند بحيرة الرزازة حيث تجري عمليات اختطاف لبعض أهالي الأنبار، بدل أن يشاهدهم متجمعين على الموائد وفي الاحتفالات.
وذكّر البغدادي النواب السنة بعشرات اللجان التحقيقية التي تم تشكيلها لحل مشاكل المحافظات المنكوبة دون أي نتيجة تذكر، مؤكدا أن عليهم إنقاذ جماهيرهم لإنقاذ أنفسهم على الأقل، على حد قوله.
وتعد ذكرى المولد النبوي المناسبة الأبرز من بين عشرات المناسبات الدينية والقومية لمختلف الفئات والمكونات في العراق، بينما يعدها بعضهم المناسبة الأكثر تعبيرا عن الهوية السنية في البلاد، لدرجة أنها تحولت إلى ما يشبه “عيدا قوميا” للعرب السنة.
مروان الجبوري
الجزيرة نت