مأزق داخلي: هل تُؤثر احتجاجات الأورومو على سد النهضة الإثيوبي؟

مأزق داخلي: هل تُؤثر احتجاجات الأورومو على سد النهضة الإثيوبي؟

4200

شهدت العديدُ من المدارس الثانوية والجامعات في إقليم أوروميا الإثيوبي احتجاجات هي الأعنف في الإقليم منذ سنوات. وتعود أسبابُ تلك الاحتجاجات إلى اعتراض الطلاب على خطة الحكومة المركزية التوسعية لإقليم أديس أبابا على حساب عددٍ من المناطق المتاخمة له. وقد جاءت الاحتجاجات كرد فعل مباشر على هذه التوسعات التي تقطع أجزاء واسعة من إقليم أوروميا، والتي اعتبرها طلاب جامعات ومدارس الأورومو خطة ممنهجة تهدف إلى تهجير المزارعين من قومية الأورومو. وقد أدت المواجهات بين المحتجين والشرطة إلى مقتل 119 شخصًا، وإصابة المئات، واعتقال الآلاف، وذلك بعد مرور ثلاثة أسابيع من الانتفاضة في إقليم أوروميا.

ومن الجدير بالذكر أن قومية الأورومو هي أكبر القوميات الإثيوبية بنسبة تفوق 40% من إجمالي السكان البالغ عددهم 95 مليون نسمة. ويُعتبر إقليم أوروميا واحدًا من أكبر تسع ولايات تتمتع بحكم ذاتي في إثيوبيا، ويتميز بأغلبية مسلمة، ويشكلون أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا. ولكن سياسات التهميش طالت قومية الأورومو من قبل الحكومة المركزية في أديس أبابا (ائتلاف الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية).

أبعاد الأزمة ودوافعها:

بدأت الاحتجاجات الجارية في نوفمبر الماضي في مدينة Ginci، وهي بلدة صغيرة تبعد نحو 50 ميلا إلى الغرب من أديس أبابا، وسرعان ما انتشرت الانتفاضة بسرعة لتصل إلى أكثر من 130 بلدة في أوروميا. ورغم تجاهل الإعلام والنخبة الحاكمة وأعضاء الحكومة التظاهرات؛ فإن وسائل التواصل الاجتماعي الإثيوبية كشفت الزيف والتعتيم الإعلامي الممنهج لوسائل الإعلام الإثيوبية الحكومية. وبينما ساعد انقطاع التيار الكهربائي وتعطل الاتصالات بالإنترنت في عدم نقل حقيقة الحراك السياسي والصور للمحتجين والمصابين أو القتلى على أيدي قوات الأمن وعدم نشرها؛ فقد نجحت وسائلُ التواصل الاجتماعي في نقل صورة حقيقية لحراك الأورومو، ونشر صور العنف الحكومي ضد المتظاهرين السلميين.

وتعودُ الأسباب المباشرة للأزمة إلى قرار الحكومة بتوسعة العاصمة أديس بابا التي تقع في قلب إقليم أوروميا، كونها تُعتبر واحدة من أسرع المدن نموًّا في العالم، الأمر الذي تطلب تمدد العاصمة أديس أبابا إلى القرى والمدن المجاورة والواقعة في إقليم أوروميا. فخلال السنوات العشر الماضية طُرد أكثر من 150 ألفًا من المزارعين الأورومو من أراضيهم دون تعويض مناسب، أو حتى إعادة توطينهم، وهو ما أدى إلى وجود احتقان بين سكان تلك المناطق، ومن ثمَّ فإن الخطة الجديدة لتوسيع العاصمة أثارت مخاوف سكان الإقليم، لا سيما أن انتزاع الأراضي من الأورومو قد يُحدث تغييرات جذرية في التركيبة السكانية للإقليم.

وتأتي تلك التوسعات في سياق ما أعلنته الحكومة عن خطتها تحت عنوان “أديس أبابا وخطة التنمية المتكاملة”. والغرض من تلك الخطة توسيع حدود العاصمة لتصبح 20 أضعاف حجمها الحالي لإنشاء مناطق خاصة ومجاورة لأديس أبابا يتم تقسيمها إلى مناطق استثمارية وصناعية وخدمية. وبجانب ما أعلنته الحكومة من دوافع تلك التوسعة، فإن غرض الائتلاف الحاكم في إثيوبيا هو السيطرة والإحكام على أكبر جزء من إقليم أوروميا، حتى لا يتسنى لهم تشكيل أغلبية. وقد عززت مخططات الحكومة لاتباع هذا النمط الاحتوائي مع إقليم الأورومو، خبرتها السابقة فيما فعلته مع إقليم الأمهرة في شمال شرق إثيوبيا بضم جزء من أراضيه إلى إقليم تجراي، وهو ما لم يواجه من الأمهرة في حينه.

ومما زاد من مخاوف قومية الأورومو من هذا الإجراء هو وحدة القومية، وتوزيع سكانها على أكثر من إقليم، مما يؤدي إلى انصهار الثقافة الأورومية. ومن شأن هذا الإجراء أيضًا أن يؤثر على حق تقرير المصير الذي يكفله الدستور الإثيوبي للقوميات والأقليات المختلفة؛ لأن خطة الحكومة المركزية التوسعية سوف تُفقد إقليم الأورومو 36 مدينة وبلدة ليتم إضافتها إلى أديس أبابا.

وفي السياق ذاته، انضم كثيرٌ من الآباء والمدنيين في المدن والقرى في إقليم أوروميا للطلاب المتظاهرين، من خلال إقامة الحواجز، وأغلقوا الطرق لمنع قوات الأمن من الوصول لقتل مزيد من المتظاهرين. وقد أدت الاحتجاجات إلى إغلاق جميع المدارس الحكومية في أوروميا، وقطع الطرق. وفي ظل تلك الأجواء قامت الحكومة بإنشاء سلطات الطوارئ، ومركز قيادة، وفرض حظر التجول في عدة مدن بعد تدهور الأوضاع الأمنية، لا سيما في أجزاء من وسط أوروميا. ومؤخرًا أعربت قوى سياسية إثيوبية غير أورومية ومنظمات مدنية عن تضامنها مع المحتجين. وهذا في حد ذاته تحول جوهري في مجريات الأحداث؛ حيث يعكس حجم الأزمة التي يُعاني منها النظام، وحجم المعارضة التي يُواجهها. وهو الأمر الذي دفع السلطة في إثيوبيا إلى زيادة وتيرة القمع العنيف تجاه كل من يعارض النظام الإثيوبي القائم، واستمرار تهميش قومية الأورومو، ووصفهم بالإرهابيين والخونة.

واستخدام الحكومة الإثيوبية العنف ضد قومية الأورومو ليس المرة الأولى التي تتعامل فيها قوات الأمن بعنف مع الاحتجاجات التي تشهدها المدن الإثيوبية. ففي أبريل ومايو 2014، اندلعت احتجاجات مماثلة، أدت إلى مقتل عشرات الأشخاص من طلاب الأورومو نتيجة دفاعهم عن حقوق المزارعين في إقليم أوروميا. وفي السياق ذاته، اتهمت جماعة حقوقية أورومية حكومة تجراي بتهميشهم بشكل منهجي، واضطهادهم على مدى السنوات الأربع والعشرين الماضية، وقالت إن هناك ما لا يقل عن عشرين ألف سجين سياسي من الأورومو.

الاحتجاجات التي تشهدها إثيوبيا مؤخرًا هي أكبر بكثير من مجرد معارضة للخطة الرئيسية لتطوير وتوسيع أديس أبابا، لكنها تشير إلى الاستياء المتجذر والمظالم السياسية المطروحة دون معالجة. وعلى الرغم من ادعاء الحكومة أن الاحتجاجات السلمية إلى حد كبير لا تشكل أي تهديد لمصالح الأمن الاقتصادي أو الوطني الإثيوبي، فسرعان ما تحولت الأجهزة الأمنية إلى استخدام القمع تجاه المحتجين والمتظاهرين، وبدلا من إدانة عمليات القتل غير القانونية اتهم رئيس الوزراء هايلي مريم ديسالين المحتجين الذين وصفهم بالإرهابيين بالتخطيط لزعزعة استقرار إثيوبيا، وهذا التصريح في الواقع يخول استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين. ووعد ديسالين باتخاذ إجراءات لا ترحم ضد أي قوة تزعزع استقرار البلاد، وأضاف أن استخدام القوة أمر مهم لمكافحة الإرهاب، واتهم جبهة التحرير الأورومية المحظورة ومجموعة Ginbot 7 والمتعاطفين مع جماعات المعارضة المسلحة بالعناصر المعادية للسلام، كما ألقى باللوم على جماعات المعارضة والعدو اللدود لإثيوبيا إريتريا.

من ناحيةٍ أخرى، على مدى السنوات الماضية، استخدمت الحكومة في أديس أبابا خطابين؛ أولهما الحرب على الإرهاب، وثانيهما التنمية، لإسكات الأصوات المستقلة، والحد من عملية التحول الديمقراطي، وتكميم أفواه الصحافة بشكل فعال. وتُواجَه المنظمات المدنية والسياسية المستقلة بمجموعة من التكتيكات الحكومية، كالقمع والعنف الممنهج ضد أي نشاط مدني أو سياسي.

آثار الاحتجاجات على سد النهضة:

لا شك أن الائتلاف الحاكم في إثيوبيا والقائم على تحالف أقليات، يطرح التنمية الاقتصادية كمحدد رئيسي للحصول على الشرعية وممارسة السلطة، وقد تعزز هذا المحدد في ظل ما تشهده إثيوبيا من نمو اقتصادي يكاد يكون الأعلى على المستوى الإفريقي خلال السنوات الأخيرة، والذي بلغ ما بين 11-12% بحسب بيان البنك الدولي. وعلى الرغم من ذلك يعيش ما يقرب من ثلث سكانها تحت خط الفقر، وتأثر الملايين من الجفاف المستمر هذا العام.

وتعتمد الخطط التنموية الإثيوبية على دور الدولة في تبني مشروعات قومية كبرى، ومن ضمنها يأتي مشروع سد النهضة، الذي روجت له الحكومة الإثيوبية على أنه سيكون مشروعًا عملاقًا يُسهم في تغيير موقع وواقع إثيوبيا داخليًّا وخارجيًّا، حتى أن المشروع أصبح مصبوغًا بطابع شعبي تعبوي صراعي.
وقد تمكنت إثيوبيا من توفير دعم مالي لإنجاز المشروع من خلال التعاون مع بعض الدول. ومن ثم فإن الاضطرابات الداخلية التي تشهدها إثيوبيا ليست ذات صلة مباشرة بهذا المشروع العملاق من وجهة نظر الإثيوبيين، فالأحداث الجارية حاليًّا في إثيوبيا لن تعرقل بناء السد مستقبلا، لا سيما أن مشروع سد النهضة أخذ طابع المشروع القومي، والبعض ينظر إليه على أنه مخرج لإثيوبيا جديدة في الإقليم والعالم، ولكن قد يتعطل سير العمل فيه لمدة من الزمن إذا ما تصاعدت الأزمة السياسية وأدت إلى عدم استقرار سياسي يعطل مسار التنمية المتصاعدة.

وقد يكون الترقب المصري لما يحدث في إثيوبيا عاملا مؤثرًا على مسار المفاوضات المتعثر فيما يتعلق بسد النهضة. وما تناله مصر من الأزمة قد يكون سلبيًّا، وذلك على واقع التناول الإعلامي للأحداث في إثيوبيا، وهو ما قد يؤثر على العلاقة بين البلدين. وحسنًا ما فعلته الخارجية المصرية بأن أصدرت بيانًا أعلنت فيه موقفها مما يحدث في إثيوبيا، وذلك لتفويت الفرصة على أي استخدام سياسي من جانب الحكومة الإثيوبية لبعض المواقف الإعلامية المصرية غير المقدرة لحساسية الوضع والأزمة الراهنة.

صلاح خليل

المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية