الزراعة التونسية تكافح للتأقلم مع الإجهاد المائي

الزراعة التونسية تكافح للتأقلم مع الإجهاد المائي

تفرض الأساليب البديلة نفسها على الزراعة في تونس، وخاصة الحبوب، للتأقلم مع الإجهاد المائي، والذي يشكل أحد أخطار انعدام الأمن الغذائي بالنظر إلى مشكلة الجفاف، حيث تلهث أوساط القطاع وراء إنتاج محاصيل بكفاءة وبأقل تكاليف ودون هدر للمياه.

تونس- تبذل السلطات التونسية ممثلة في هياكلها المعنية بالزراعة وبالتعاون مع المنتجين جهودا كبيرة من أجل التأقلم مع الجفاف عبر اعتماد أساليب وطرق لإنتاج المحاصيل الإستراتيجية بحيث يتم التقليل من استنزاف الموارد المائية الشحيحة أصلا.

ويركز نظام الزراعة في البلاد على إنتاج الحبوب وأبرزها القمح والشعير ومحاصيل أخرى، التي تستهلك كميات كبيرة من المياه، في مقابل انخفاض نصيب الفرد من المياه إلى أقل من عتبة الشح المطلق والبالغ 500 متر مكعب، التي حددها البنك الدولي.

ويرى الكثير من الخبراء أن الأزمات مثل الإجهاد المائي بسبب التغيرات المناخية أو الصدمات الخارجية مثل تداعيات الحرب في شرق أوروبا، التي تزيد من تكلفة الانتاج، هي فرص لتعزيز الحلول مثل الزراعة الإيكولوجية (العضوية) والزراعة المستدامة.

ولكن الأمر لا يقف عند ذلك الحد، بل إن العملية برمتها تحتاج إلى قاعدة تشاركية تضم كافة المتداخلين بما يضمن الأمن الغذائي لقرابة 12 مليون نسمة هم تعداد سكان البلاد، وفي الوقت ذاته العمل أكثر على إنجاح مبادرة ترشيد استهلاك المياه في الري الزراعي.

وثمة إجماع بين الخبراء التونسيين في قطاعي الزراعة والمياه على استمرار الوضعية الحرجة للموارد المائية في البلاد رغم تحسن كمية الأمطار مقارنة بالسنة الماضية، بعدما زادت بواقع 65 في المئة.

وفي ضوء ذلك، يبدو أن ثمة اتجاه نحو توسيع جغرافيا إنتاج الحبوب لتشمل المزارع في جنوب البلاد، رغم كل التحديات والظروف المناخية القاسية، التي تعرفها تلك المنطقة قياسا بمناطق أخرى من البلاد.

ويقول مدير عام الموارد المائية بوزارة الفلاحة عيسى الحليمي إن السلطات لديها توجه يقطع مع الزراعة التقليدية البعلية، التي تعتمد على مياه الأمطار بشكل أساسي، بما فيها إنتاج الحبوب، لذلك تم اللجوء إلى ما يسمى بـ”الري التكميلي” على حساب مياه الشرب.

ولاحظ الحليمي أثناء حلقة نقاش نظمها المعهد العربي لرؤساء المؤسسات الأسبوع الماضي، تغيير نمط الإنتاج باستعمال أنواع وطرق جديدة على غرار الزراعات العمودية.

كما أكد في الوقت ذاته خلال مداخلته التي أوردتها وكالة الأنباء التونسية الرسمية على تواصل ارتفاع عدد المناطق المروية في كامل البلاد رغم ندرة المياه.

وأشار إلى أن بلاده انطلقت خلال سنة 2024 في تجربة زراعة الحبوب في منطقة رمادة من ولاية (محافظة) تطاوين، فضلا عن توجه الدولة لإنتاج القمح الصلب في المناطق الجنوبية لضمان الأمن الغذائي للبلاد.

وتم تسجيل مؤشرات إيجابية لنجاح تجربة زراعة القمح الصلب بالحقل النموذجي والتجريبي بمنطقة سهل الرومان بذهيبة في رمادة، والتي تعتمد على مياه الري.

وتمت في مرحلة أولى زراعة 6 أنواع من القمح الصلب تحت إشراف المعهد الوطني للزراعات الكبرى والمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية ومعهد المناطق القاحلة بتطاوين في إطار تنفيذ البرنامج الوطني لتحقيق الاكتفاء الذاتي من مادة القمح الصلب.

وكان مسؤولو المنطقة قد دعوا صغار المزارعين الذين لديهم مساحات مروية لا تتجاوز 5 هكتارات للمبادرة بالتسجيل للحصول على بذور ممتازة من القمح الصلب بصفة مجانية للموسم الزراعي القادم.

وانعكست قلة الأمطار في شكل تراجع المحاصيل الزراعية لا سيما إنتاج الحبوب، الذي هبط إلى 60 في المئة خلال الموسم الماضي، بمقارنة سنوية.

وتحتاج السوق المحلية 3.4 ملايين طن من القمح والشعير سنويا، وتستورد البلاد في غالب الأحيان 60 إلى 70 في المئة من الأسواق الخارجية خصوصا من أوكرانيا وروسيا لتغطية فجوة الإنتاج المحلي.

وتساهم الزراعة بنحو 12 في المئة من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، لكنها تواجه مشاكل كبيرة أخرى من أهمها أن اثنين إلى 3 في المئة من المزارعين يغادرون القطاع سنويا من مجموع 500 ألف مزارع.

وبسحب التقديرات الرسمية، فإن أكثر من 80 في المئة من هؤلاء المزارعين يملكون أراضيَ صغيرة تقل عن خمسة هكتارات.

ووسط هذا الوضع يبرز بعض التفاؤل بين الأوساط الاقتصادية، حيث اعتبر الخبير في مجال المياه عبدالله الرابحي الوضعية الحالية للموارد المائية في تونس صعبة، ولكنها ليست كارثية.

وتسبب تواصل ارتفاع درجات الحرارة في تبخر قرابة المليون متر مكعب من المياه في يوم واحد خلال سنة 2023، وهو ما دفع الرابحي للتأكيد على أن تونس تتوجه نحو “انحراف مناخي” يجعل من السنة 3 فصول فقط، خريف وربيع وصيف (دون شتاء).

ومع ذلك، شدد خلال حلقة النقاش إلى وجود حزمة من الإشكاليات المرتبطة بالإنتاجية في القطاع الزراعي، لكن “لا يجب ربطها دائما بالمياه فقط، بل يجب تغيير السياسات الزراعية في البلاد والتركيز على خدمة الأرض بكل أبعادها”.

وتعد تونس، التي يبلغ إجمالي قدرة استيعاب سدودها 2.34 مليار متر مكعب، من بين الدول المهددة بندرة المياه في حوض المتوسط بسبب حدة التغيرات المناخية واستنزاف مواردها.

واعتبر مسؤولون تونسيون أن كميات الأمطار المتساقطة خلال الفترة الأخيرة ساهمت في تأمين مخزون من المياه في السدود سيساعد البلاد على الابتعاد مؤقتا عن خط الفقر المائي وستدعم الزراعة.

وأظهرت إحصائيات لوزارة الفلاحة أن مخزون المياه في السدود حاليا بالبلاد، التي تعاني منذ سنوات من موجة جفاف قاسية، ناهز ما سجلته من طاقة استيعابها لأول مرة منذ ثلاث مواسم.

تونس انطلقت خلال 2024 في تجربة زراعة 6 أنواع من القمح الصلب في منطقة رمادة من ولاية (محافظة) تطاوين

وارتفع مخزون أكبر سدين في البلاد، وهما سد سيدي سالم ،الذي كان مخزونه في حدود 96 مليون متر مكعب سنة 2023 ليبلغ 222 مليون متر مكعب، فيما حقق سد سيدي البراق نسبة امتلاء في حدود 44 في المئة.

وشرعت السلطات منذ مطلع العام في 2023 في حوكمة حصص توزيع المياه، حيث تم التركيز على تأمين الإمدادات من مياه الشرب والزراعات الإستراتيجية، على حساب بقية القطاعات الأخرى.

ويتوقع الحليمي أن تبلغ كمية الأمطار خلال الفترة بين سبتمبر الماضي، وأغسطس المقبل قرابة 800 مليون متر مكعب، وهو ما يمثل 34 في المئة من المخزون اللازم للمياه.

العرب