تصاعدت تحذيرات المسؤولين في السودان من الأزمات الخطيرة التي تخنق نظام الرعاية الصحية بسبب استمرار الحرب للعام الثاني على التوالي، وقد تضع القطاع على طريق الانهيار، في ظل غياب بوادر جدية للتوصل إلى اتفاق ينهي معاناة الملايين من الناس.
الخرطوم- حذرت وزارة الصحة السودانية من انهيار وشيك لنظام الرعاية الصحية، وسط تصاعد المخاوف من تفاقم الشلل الذي أصاب كافة مفاصل الاقتصاد من دون استثناء بسبب الحرب.
وأعطى وزير الصحة هيثم محمد إبراهيم لمحة عن الكارثة حينما أكد أن الحرب ألحقت بالقطاع أضرارا جسيمة، إذ قدر حجم التخريب والخسائر في المستشفيات والمراكز الصحية ونقص الأدوية بمليارات الدولارات.
وقال في مقابلة خاصة مع وكالة شينخوا إن “الإحصائيات والتقديرات الأولية للخسائر حسب لجنة مختصة تم تكوينها، وحسب اقتصاديات الصحة، تصل إلى 11 مليار دولار”.
ويحمّل مراقبون ومنظمات دولية طرفي الصراع، وهما الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، مسؤولية وصول البلد والاقتصاد إلى هذه الحالة المتردية التي أثرت بشكل بالغ على معيشة الناس وصحتهم.
وتؤكد وزارة الصحة خروج العديد من المستشفيات الرئيسية على مستوى العاصمة الخرطوم وبعض الولايات (المحافظات) والأقاليم الأخرى، مثل دارفور وكردفان والجزيرة وسنار، من الخدمة.
وأوضح إبراهيم أنه رغم الجهود التي تقودها وزارة الصحة مع الشركاء الدوليين وأبرزهم منظمة الصحة العالمية، في سبيل تحسين استجابة القطاع للاحتياجات الصحية للمواطنين، إلا أن حجم الضرر يبدو أكبر من تلك الجهود.
وقال “من المؤكد أن حجم الاعتداءات المنظمة على القطاع كان كبيرا، وكنا نعلم أنها ستتسبب في إشكالات وكوارث كبيرة في النظام الصحي، لعلمنا التام بشكل النظام الصحي وما يحدث في السودان، ولعلمنا التام أيضا بخارطة الأوبئة المعروفة”.
وأضاف “إننا نكافح من أجل إزالة تلك التأثيرات وإعادة الخدمة الطبية إلى مستوى معقول”.
وتعرض الإمداد المركزي للدواء إلى نهب كامل، وقال إبراهيم إنه “تم نهب كامل للإمداد المركزي في الإمدادات الطبية بما يتجاوز 500 مليون دولار، وتم تخريب مخازن الأدوية في دارفور، وكذلك سلاسل إمدادات التبريد الخاصة بأدوية الأطفال وغيرها”.
كما تم نهب أكثر من 200 عربة إسعاف و79 عربة نقل أدوية للإمدادات الطبية، وفقدان الكثير من الكوادر الطبية أثناء تأديتها عملها داخل المؤسسات الصحية وتجاوز العدد 50 قتيلا.
وهذه الإحصائية تغطي الفترة الممتدة من منتصف أبريل 2023 حتى نهاية ديسمبر من العام الماضي، بحسب إبراهيم. ومع ذلك تعمل الوزارة على خطة للتدخل بتحسين أداء القطاع رغم الصعوبات التي يفرضها استمرار القتال.
وقال “للوزارة خطة للتدخل خلال المرحلة القادمة تتمثل في 4 محاور؛ هي الإمداد الدوائي، وتشغيل المؤسسات الصحية، وصحة الأمومة والطفل، ومكافحة الأوبئة والطوارئ الصحية”.
وتظهر الإحصائيات أن 150 مستشفى تعرضت للتخريب في الخرطوم، كما أن نحو 26 مصنع دواء بالعاصمة تعرضت للدمار.
وأكد إبراهيم أن وضع النظام الصحي الراهن يجعل من شريحة النساء والأطفال أكثر الشرائح تأثرا وفي حاجة ملحة إلى الرعاية الصحية الأولية.
ووفقا لوزارة الصحة السودانية فإن تسعا من ولايات السودان البالغة 18 ولاية، تعاني من صعوبات كبيرة في تلقي الخدمات الصحية نتيجة للتوترات الأمنية وانعدام الأمن.
وتعاني أجزاء كبيرة من الخرطوم وولايات دارفور الخمس وولاية غرب كردفان، وولايتا الجزيرة وسنار من صعوبات تلقي الخدمات الصحية وإيصال الأدوية إليها كونها مناطق صراع مسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وشددت منظمة الصحة العالمية مؤخرا على أن ما يقارب 15 مليون سوداني من أصل 47 مليونا هم تعداد سكان البلاد، وفق إحصائية تعود إلى سنة 2022، بحاجة إلى رعاية صحية عاجلة ومنقذة للحياة.
وأوضحت المنظمة أن شركاءها في مجموعة الصحة يستهدفون الوصول إلى 4.9 مليون شخص، حيث أن القيام بذلك يتطلب تمويلا مقداره 178 مليون دولار، جرت تغطية 26 في المئة
منه فقط.
ويواجه البلد ندرة في الأدوية وارتفاع أسعارها. ووفقا لتقارير سابقة، فإن الحرب أجبرت أكثر من 2800 صيدلية مسجلة بالعاصمة الخرطوم على إغلاق أبوابها، وتعمل فقط أقل من 50 صيدلية في ظل ظروف أمنية معقدة.
كما توقفت 41 من شركات الأدوية وأكثر من 90 في المئة من مصانع الأدوية، وكلها بالخرطوم، عن العمل تماما منذ اندلاع الحرب.
ويقول محللون إن الأزمة الاقتصادية المنجرة عن الحرب مع فقدان السيولة النقدية من العملة الصعبة أجبرت أعدادا أكبر من الشركات بمختلف القطاعات على وقف نشاطها بشكل كامل أو الاضطرار إلى تسريح الآلاف من الموظفين والعمال.
ويشهد السودان في فصل الخريف، والذي يبدأ في بعض المناطق في الفترة ما بين شهري يونيو وأكتوبر، انتشارا ملحوظا للأمراض، وخاصة الملاريا وحمى الضنك والكوليرا.
وفيما يتصل بمكافحة الأوبئة ولاسيما الموسمية أعلن وزير الصحة عن خطة للاستجابة لأمراض الخريف الذي بدأ في بعض مناطق السودان في يونيو الماضي.
وقال “بالنسبة إلى الأوبئة فمعظمها أوبئة فصلية موسمية وخاصة في فصل الخريف، مثل الكوليرا وحمى الضنك”.
وأضاف “لدينا إحصائيات تشير إلى انحسار هذه الأوبئة في الفترة الماضية، وعلى الرغم من ذلك توجد تحضيرات للاستجابة لأوبئة الخريف الحالي، ولدينا خطة متكاملة بميزانية تقدر بنحو 17 مليار جنيه (29 مليون دولار)”.
150 مستشفى تعرضت للتخريب في الخرطوم، كما أن نحو 26 مصنع دواء بالعاصمة تعرضت للدمار.
وفي خضم ذلك تسود مخاوف دولية من أن الحرب المستمرة ستزيد أعداد الجياع في البلاد، فضلا عن تضرر الأنشطة الزراعية التي عادة ما توفر سبل العيش لثلثي سكان البلاد، وباعتبارها مصدرا لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
وكانت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) قد أكدت في أبريل الماضي أنه مع استمرار الحرب وانخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 40 في المئة واقتراب نحو 5 ملايين شخص من حافة المجاعة، تحتاج البلاد إلى دعم لتأمين الموسم الزراعي الحالي الذي بدأ في يونيو.
ويتوقع صندوق النقد الدولي انكماشا كارثيا للاقتصاد السوداني هذا العام بنسبة 18.3 في المئة، وذلك جراء النزاع المستمر دون أي بادرة للتوصل إلى حل سلمي في الأفق.
وكان البنك الدولي قد قدر انكماش الاقتصاد في العام الماضي بنحو 12 في المئة بعدما أدت الحرب إلى توقف الإنتاج وتدمير رأس المال البشري وقدرات الدولة.
العرب