كان انخفاض مؤشر السوق بنسبة 7% الذي دفع الصين إلى إغلاق العمل في سوق تجارة الأسهم والأصول المالية الإثنين الماضي، إلى جانب الخسائر الحادة التي شهدتها أسواق أوروبا والولايات المتحدة، قد جسدت جميعاً مظاهر البداية المشؤومة للسنة الجديدة بالنسبة للمستثمرين، وأسوق فيما يلي خمس ملاحظات حول هبوط الأسعار المنتظر عام 2016 وما بعده:
(أولاً) جدَّد السببان الرئيسيان لهذا التحول مؤشرات الحذر والخوف من اعتلال صحَّة الاقتصاد الصيني وزيادة حدة التوتر الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط، وهما سببان كافيان لتأجيج مشاعر الخوف من انهيار أسعار الأسهم والأصول المالية الفعَّالة والداعمة. وكان لهذه المؤشرات أن تكشف عن مدى الهشاشة التي ميَّزت وضعية الاقتصاد العالمي الذي فشل حتى الآن في تشغيل محركات النمو على النحو الفعَّال، وكانا أيضاً يمثلان تذكيراً وتحذيراً بأن الأسواق ما زالت واقعة تحت الضغوط الجيوسياسية التي تتعرض لها الدول، ويمكنها أن تؤدي إلى ظهور لاعبين غير وطنيين لا يمكن التنبؤ بنتائج سلوكياتهم الهدامة ويصعب التحكم بها.
(ثانياً) تابع المستثمرون الانخفاض الكبير في أسعار الأسهم والأصول المالية بردات فعل شرائية غير محبذة. وفي الصين، عززت الحكومة مرة أخرى من إجراءاتها لإعادة الاستقرار إلى السوق على الرغم من أنها كانت تخطط للتخلي تماماً عن أسلوبها السابق للتدخل. وفي الأسواق الغربية، سارع بعض المشترين الخواص للأسهم للبحث عن العوائد استناداً إلى استراتيجية شراء الأسهم الهابطة التي أثبتت ربحيتها.
(ثالثاً) تعكس هذه الطريقة في الاستجابة لتطورات السوق توقعات باعتماد إجراءات لاحقة لعمليات ضخ السيولة من مصدرين: يتعلق الأول بالسياسات الاستثنائية للبنك المركزي، بما فيها اللجوء إلى عمليات شراء ضخمة للأصول، ويتعلق الثاني باستخدام الشركات لموجوداتها النقدية في عمليات إعادة شراء الأسهم وتنشيط مشاريع الانفصال والاندماج والاستحواذ. وعلى الرغم مما أثبتته هذه الإجراءات من عوائد إيجابية في الماضي، فإن تطبيقها السريع لم يعد مأموناً هذه الأيام. وبعد أن أعلنت الخزينة الفيدرالية عن رفع معدل الفائدة في ديسمبر الماضي، وجدت البنوك المركزية نفسها أمام طرق متشعبة. وفيما عمدت الخزينة الفيدرالية إلى الحد من سياساتها التحفيزية، فإن من المرجح أن يلجأ آخرون إلى تسريع عمليات اعتمادها مثل بنك اليابان والبنك المركزي الأوروبي وبنك الشعب الصيني. وفي هذه الأثناء، كانت هناك صعوبة في استخدام الشركات لموجوداتها السائلة بشكل سريع مع اقتراب موسم جني الأرباح الربعية، وحيث تميل الشركات في هذه الفترة للعمل بنشاط أقل من المعتاد.
(رابعاً) لقد تكشفت كل هذه الأمور مع تعمق الشعور بنقص الثقة بعنصر الاستدامة للمسار الذي يميز الاقتصاد والأسواق خلال السنوات السبع الماضية. وعلى أقل تقدير، يمكن لهذه العوامل المتعددة أن تكون متبوعة بتقلبات أكثر حدة للأسواق خلال العام الجاري. وكما كنت قد أشرت في كتابي الذي يوشك على الصدور تحت عنوان (اللعبة الوحيدة في البلدة: البنوك المركزية، وعدم الاستقرار، وتجنُّب الانهيار التالي)، فإن البنوك المركزية سوف تجد أن الصعوبة ستكون أكبر بالنسبة لها لو واصلت «اقتراض» النمو والعوائد المالية من المستقبل بالاعتماد على المعايير الاختبارية. وهناك نتيجتان محتملتان لهذا السلوك خلال السنوات القليلة المقبلة: فإما أن يفسح هذا المسار الطريق أمام سياسة شاملة أكثر قدرة على الاستجابة لتقلبات السوق ويمكنها أن تضمن ارتفاعاً مستداماً لأسعار الأصول المالية الأساسية، وتصلح للتحقق من صحة أسعار الأصول المالية وتدفعها إلى الارتفاع، أو أن يخضع هذا الهدف للتناقضات المتنامية داخل الأسواق، والتي تقود أسعار الأصول المالية نحو الانخفاض وتخلق ظروفاً يمكنها أن تتحدى أعتى المستثمرين.
(خامساً): الكثير من التطورات المتعلقة بهاتين النتيجتين ستعتمد على طريقة استجابة صنَّاع السياسات والقطاع الخاص لها خلال الأشهر المقبلة. وبصرف النظر عن هذا، فإن المستثمرين يحتاجون لأن يكونوا أكثر مرونة وقدرة على التكيُّف لأنهم سيجدون أنفسهم وهم يبحرون في أسواق يعمُّها التغير والاضطراب أكثر من أي وقت مضى، فالعصر الذي يمكن فيه للبنوك المركزية أن تكبح جماح التقلبات المالية قد انتهى.
د.محمد العريان
صحيفة الاتحاد الإماراتية