معبر رفح ومبادرة الفصائل وزوبعة بلير

معبر رفح ومبادرة الفصائل وزوبعة بلير

580

بعد الزوابع المُتتالية من التسريبات الإعلامية التي لم تهدأ خلال الفترات الأخيرة من العام المنصرم 2015، انتهت عمليًّا جهود رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير في المساعي التي بذلَها من أجل التوصل لترتيبات معينة بشأن قطاع غزة، ومنها موضوع معبر رفح، عبر مفاوضات غير مباشرة بين حركة حماس و”إسرائيل”.

وأصبح واضحا أن تلك الاتصالات لم تكن سوى إشغال للوقت فقط، حيث تبخرت بذلك كل التقديرات التي تحدثت عن قرب التوصل لتفاهمات “إسرائيلية” مع حركة حماس بطريقة غير مباشرة، يتم من خلالها رفع الحصار عن قطاع غزة وحل مشكلة المعابر، وعلى الأخص معبر رفح بتوافق مع الطرف المصري، في رزمة تفاهمات متبادلة.

المعبر وجهود بلير
موضوع معبر رفح يحظى بأهمية كبيرة، بسبب حيوية المعبر وتأثيره على حياة الناس اليومية في القطاع، وحركتهم المُفترضة من القطاع وإليه. وقد أصبح الأمر مصدر قلقٍ متواصل عند عموم الناس، خصوصًا من يحتاجون إلى السفر بداعي الدراسة أو العلاج في الخارج، وحتى بالنسبة للموضوع الاقتصادي. وقد اعتقد بعض المتابعين أن حركة حماس تجري مفاوضات بشأن المعبر مع الطرف “الإسرائيلي” بشكل غير مباشر عبر رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير.

المُهم في هذا الشأن أن الحديث عن تلك الجهود، وعن الدور الخاص لبلير، تمت المبالغة فيه، وتم إظهار الأمور وكأنها تجري على مسارٍ من البحث الجدي، في حين كانت المصادر المسؤولة في حركة حماس تُشير في كواليسها وقنواتها الخاصة إلى أن الأمور ليست أكثر من مُشاغلة، وأن بلير يحاول تصدير نفسه في عملٍ أكبر منه بكثير.

ومن الواضح كما بيّنت الوقائع، أن حركة حماس تعاطت مع الأمور بالفعل من موقع المُشاغلة السياسية لا أكثر ولا أقل، وأرادت من خلال تعاطيها مع مساعي بلير رمي أكثر من عصفور بحجرٍ واحد، وإرسال رسائل مختلفة، منها -على الأرجح- رسالة إلى السلطة الوطنية الفلسطينية برام الله بشأن القضايا الداخلية الفلسطينية العالقة، التي ما زالت تراوح مكانها، في محاولة لإفهام رام الله بأن حركة حماس لديها خيارات متعددة أيضا.

إبلاغ الفصائل
موقف حركة حماس الفعلي من دور توني بلير، سبق أن قام الدكتور موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي للحركة بإبلاغه لوفد قوى المعارضة الفلسطينية (قوى التحالف الفلسطيني) الذي التقاه برئاسة الدكتور طلال ناجي في بيروت قبل فترة وجيزة، في اجتماع جرى الترتيب له بشكلٍ جيد -وهو ما أكدته لنا مصادر قيادية فلسطينية شاركت في الاجتماع- وكان من بين عناوين الاجتماع المشترك أيضا، بحث الموضوع الفلسطيني في سوريا، وأزمة مخيم اليرموك وغيره من المخيمات والتجمعات الفلسطينية في الأرض السورية.

وعليه فقد كان على المُتعجّلين في إطلاق الأحكام، أن يُدركوا أن توني بلير ليس في موقع حل مسألة معبر رفح وغيره، وهو موفد اللجنة الرباعية الدولية الميتة سريريا، كما أنه ليس في موقع صنّاع القرار، وأن مُهمته لم تكن سوى محاولة منه للبحث عن موقع ومكان في ظل غياب الرباعية الدولية نهائيا عن مسارات العملية التفاوضية بين الطرفين الرسمي الفلسطيني و”الإسرائيلي” منذ سنواتٍ طويلة.

وما زال من الضروري حل مسألة معبر رفح بتفاهمات وطنية فلسطينية مع الطرف المصري باعتباره الطرف الشريك على الحدود وعلى المعبر بالتحديد. وهو ما يقتضي أيضا إعادة النظر في مسألة حكومة رامي الحمد الله لصالح إعادة تشكيل حكومة التوافق الوطني من جديد، وعلى طريق إنهاء الانقسام.

مبادرة الشعبية والجهاد
ومؤخرا، وبعيد انصراف توني بلير وانكفائه، وهدوء عاصفة التسريبات، توصلت الفصائل الفلسطينية بقطاع غزة لمبادرة جديدة بشأن معبر رفح، وتذليل العقبات التي تحول دون فتحه، وبالتالي نزع الذرائع التي طالما تحدثت عنها “إسرائيل”، وقد أُنجِزَت تلك المبادرة على يد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة الجهاد الإسلامي، في خطة ترمي إلى فتح معبر رفح الذي لم يُفتح طوال العام المنصرم 2015 سوى واحد وعشرين يوما، وما يعنيه ذلك من معاناة هائلة لمواطني قطاع غزة، وخصوصا المضطرين للسفر من أجل العلاج والدراسة والعمل وغيرها.

تتضمن الخطة أن تكون إدارة المعبر من الموظفين القدامى والجدد برئاسة شخصية متوافق عليها تحت مظلة حكومة التوافق، وأن يكون أمن المعبر والحدود تابعا للرئاسة في رام الله حتى تقبل مصر بفتح المعبر، وأن تستخدم عائدات المعبر في تطويره.

رزمة الحلول
الفصائل الفلسطينية رحبت بالمبادرة المطروحة من قبل الجبهة الشعبية والجهاد الإسلامي، كذلك أعلنت حكومة رامي الحمد الله عن ترحيبها بالأمر. وأشارت مصادر مسؤولة بحركة حماس “أن الحركة لا يُمكن أن تُعارض أي شيء من شأنه أن يُخفف أعباء الحياة عن المواطنين في قطاع غزة المحاصر”،  لكن حماس في المقابل أوضحت “أن الحالة الفلسطينية ليست بحاجة إلى مبادرات جديدة، وأن حل مسألة معبر رفح يكمن في تطبيق اتفاق القاهرة التوافقي الفلسطيني كرزمة واحدة، ولكافة القضايا”.

المشكلة هنا ليست في المبادرة، كما أنها ليست في نوايا وصدقية ودفوع القائمين عليها، بل تكمن أساسا في ارتباط مسألة المعبر بأكثر من عنوان، حيث إن هناك رزمة من العناوين المترابطة حتى لا تكون المسألة مجرد خطوة في سياق صفقة في إطار تنازع سلطوي على حساب التشاركية الوطنية المطلوبة في إطار حالة وطنية فلسطينية منشودة، واحدة وموحدة، كما أقرته حوارات القاهرة ووثائقها.

وما يعزز القول أعلاه أن الخطة المطروحة من قبل الجبهة الشعبية وحركة الجهاد الإسلامي ليست جزءًا من خطة أشمل، تتضمن تنفيذ رزمة اتفاقيات القاهرة الوطنية الفلسطينية، فهناك تجاهل للعديد من العناوين التي تحتاج إلى حلول مباشرة، ومنها رواتب العاملين في مؤسسات السلطة في القطاع على سبيل المثال، وذلك كما قررته حوارات ووثائق القاهرة الوطنية الفلسطينية التي تم التوافق الكامل بشأنها.

مصر كعب أخيل
كما ترتبط مسألة المعبر بأكثر من جهة، وبالأخص الطرف المصري المعني بشكل مباشر بالمسألة، فالموقف المصري “كعب أخيل في المبادرة الفصائلية”، حيث لا يمكن تشغيل المعبر دون الموافقة المصرية، فمصر ليست طرفا ثانويا، بل هي التي تقف على الجانب الثاني من المعبر، حيث تربط القاهرة موقفها بعددٍ من الاعتبارات السياسية بالدرجة الأولى.

فمصر ترى أن الموقف الدولي غير مُواتٍ لحل مشكلة المعبر في ظل “استمرار الموقف الأميركي الإسرائيلي بالعمل على إسقاط حركة حماس”. كما ترى القاهرة أن إغلاق المعبر يأتي في سياق مواجهة حركة الإخوان المسلمين في مصر وحليفتها حركة حماس، وترى القاهرة أيضا ضرورة استمرار امتلاك هذه الورقة (أي المعبر) في مواجهة حركة حماس لتليين موقفها بحيث يمكن التعاطي معها بطريقة مختلفة عما هي عليه الآن، حيث تسود مناخات من الجفاء في العلاقات بين مصر وحركة حماس.

ووفق معلوماتنا المُستقاة من مصادر فلسطينية مسؤولة في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فإن الموقف المصري من مسألة معبر رفح مازال على ما هو عليه، حتى في ظل مبادرة الفصائل التي صاغتها الجبهة الشعبية وحركة الجهاد الإسلامي، وهو ما أفصح عنه أيضا نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الدكتور موسى أبو مرزوق يوم السابع من يناير/كانون الثاني الجاري، بقوله “سألت عددا لا بأس به من قادة الفصائل عن الموقف الأهم في موضوع المعبر، وأعني موقف مصر، فكان الجواب إيجابيا والأمر فقط متوقف على حماس، وهذا ما دفعني إلى سؤال الإخوة في مصر مباشرة، والغريب أني وجدت من جواب الإخوة في مصر أن لا أحد من الفصائل ناقش معهم المبادرة، وأن تصريحات الكثيرين عن موقفهم غير صحيحة، وأن القضية الأهم بالنسبة لهم هي الأمن سواء للعاملين في المعبر، أو الأمن للمسافرين”.

الحلقة المركزية
إن حل بعض المشكلات التي ترتبت ونتجت عن الانقسام الداخلي الفلسطيني دون حل المشكلة الأساس سيؤدي لتكريس الوضع الفلسطيني المُنقسم بدلاً من المساهمة في حله. فحل القضايا الجزئية كمسألة المعبر -على أهميتها وضرورتها الفائقة للناس ولعموم القطاع- بدلاً من حل المشكلة الكبيرة الأساسية المتمثلة بالانقسام الداخلي، قد يُعطل أو يؤخر في أحسن الأحوال، أي جهد حقيقي لردم الهوة الفلسطينية الداخلية وطي ملف الانقسام.

وعليه، فمن المهم والضروري التوجه من قبل الجميع في الساحة الفلسطينية للتركيز على الحلقة المركزية الراهنة المُتمثلة بإنهاء الانقسام، وبالتالي إنهاء تبعاته وتجلياته القائمة على الأرض، ومنها مسألة المعبر، وهو ما يفترض إحياء وتنشيط عمل اللجان المنبثقة عن حوارات القاهرة، وإعادة تشكيل حكومة توافق وطني انتقالية وإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية.

علي بدوان

المصدر : الجزيرة