هاجمت مجموعة من مقاتلي طالبان، الثلاثاء 16 ديسمبر، مدرسة لأبناء العسكريين في بيشاور، كبرى مدن شمال غرب باكستان، مما أسفر عن مقتل أكثر من 130 شخصا في هذه المؤسسة التربوية، وذلك وفقا لآخر الإحصائيات التي نشرتها وسائل الإعلام الباكستانية. هذا الهجوم يعكس الصراع بين أنصار حركة طالبان باكستان والجيش الباكستاني.
من هؤلاء المعتدون؟
تبنت الهجوم حركة طالبان باكستان، هذه الحركة التي توحّد الجماعات المتمردة الإسلامية في البلاد والذين يقاتلون حكومة إسلام آباد في حرب أهلية تسببت خلال عشر سنوات في مقتل ما بين 000 40 إلى 000 50 شخص. كما توجد مجموعات أخرى لمقاتلي طالبان (شبكة حقاني أو مجموعة جول بهادر) التي تقاتل في أفغانستان ضد القوات الأفغانية وحلف شمال الأطلسي.
ونشأت حركة طالبان باكستان في أعقاب الغزو الروسي لأفغانستان (1979-1989) والحرب الأهلية الأفغانية في بداية التسعينيات. وهي حركة تمرد بشتونية، الأقلية العرقية في باكستان، لكنهم يمثلون الأغلبية في أفغانستان. وفي 2007 أُعلن رسميا تشكيل هذه الحركة لتصرّح بعدائها للدولة الباكستانية، لأنها تعتبرها “خائنة” بسبب تعاونها مع الولايات المتحدة في “الحرب ضد الإرهاب” بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول. وهي تدعو بالخصوص إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في باكستان.
وتتمركز حركة طالبان باكستان في المناطق القبلية البشتونية ، الجزء الجبلي من شمال غرب باكستان على الحدود مع أفغانستان. وفي عام 2009، تمت ملاحقة الحركة من قبل الجيش في وادي سوات ثم في جنوب وزيرستان (جنوب المناطق القبلية). ومن وقتها، أصبح معقل الحركة شمال وزيرستان هذه المنطقة التي تتعايش فيها كل من حركة طالبان باكستان والجهاديين الدوليين المرتبطين بتنظيم القاعدة وحركة طالبان أفغانستان.
لماذا استهدف مقاتلو طالبان موقعا له علاقة بالجيش؟
قالت حركة طالبان باكستان إنها بهذا العمل ردت على الهجوم العسكري الذي بدأ في يونيو/ حزيران في معاقلها في وزيرستان الشمالية. وقال المتحدث باسم الحركة: “قمنا بهذا الهجوم على المدرسة في بيشاور بعد أن تبين لنا أن أطفال العديد من كبار المسؤولين العسكريين يدرسون فيها”.
وللجيش الباكستاني علاقات تعاون مع حركة طالبان؛ إذ لم تتردد أجهزة الاستخبارات الباكستانية في استخدام مختلف الجماعات الجهادية لخدمة المصالح الاستراتيجية الباكستانية في أفغانستان أو في الهند. وهكذا، فإن حركة طالبان أفغانستان تحت إمرة الملا عمر، الذي من الممكن أن يكون لاجئا في كويتا (بلوشستان باكستان)، أو شبكة حقاني ومقرها في وزيرستان الشمالية، لا تزال قريبة من أجهزة الاستخبارات الباكستانية. كما عقدت فصائل طالبان باكستانية اتفاقا مع الجيش بعدم الاعتداء المتبادل.
وهذا ما يفسر أنه، ولسنوات، كان الجيش الباكستاني مترددا في مهاجمة وزيرستان الشمالية، على الرغم من الطلبات المتكررة من الولايات المتحدة التي أطلقت عام 2008 حملتها الخاصة وذلك بالقصف المكثف للمنطقة من خلال طائرات بدون طيار، ومن دون تنسيق هجماتها مع إسلام آباد.
ولكن حركة طالبان باكستان تمثل حالة خاصة لأنها، على عكس بقية الجماعات، فقد تمت مهاجمتها من طرف الدولة الباكستانية ومن طرف الجيش، بعد أن سببت هجماتها عديد الضحايا في صفوف الجيش الباكستاني، ما جعل الجيش يعتبرها “عدو باكستان” وأنها محل تلاعب من قبل القوات الأجنبية، وهو الشيء الذي جعل البعض داخل الجيش ينظر بعين الريبة إلى محاولة بناء حوار مع هذه المجموعة، هذا الحوار الذي دعا إليه رئيس الوزراء نواز شريف في فبراير.
العملية العسكرية التي بدأت في يونيو/ حزيران بعد هجوم تبنته حركة طالبان باكستان ضد مطار كراتشي أكد فشل حركة طالبان وأسفر عن مقتل أكثر من ألف من مقاتليها، ما تسبب في لجوء بعض فصائلها إلى الجانب الآخر من الحدود، في أفغانستان.
لماذا هذا الهجوم العنيف؟
بالنسبة للمحللين، فقد تم إضعاف الحركة بشكل كبير. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الحركة مقسمة حاليا بفعل الصراع على الرئاسة داخلها، فالرئيس السابق لحركة طالبان باكستان، حكيم الله محسود، الذي قتل إثر غارة نفذتها وكالة المخابرات المركزية في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2013، خلفه الزعيم الجديد، الملا فضل الله، الذي يجد صعوبة في الحفاظ على وحدة الحركة.
كما تعيش الحركة حالة من التوتر بفعل النعرات القبلية مع الانقسام حول الموقف تجاه النظام الباكستاني، كما تريد بعض الفصائل تركيز عملياتها حصريا في أفغانستان.
أخيرا، فإن بعض الجهاديين يضغطون على حركة طالبان باكستان لمبايعة القوة الجديدة والمتمثلة في تنظيم الدولة الإسلامية، علما وأن الحركة حافظت إلى حد الآن على علاقات وثيقة مع تنظيم القاعدة.
الهجوم على المدرسة في بيشاور سيغير من ميزان القوى مع الجيش الباكستاني، وسيتسبب في مواجهة درامية جديدة. وقد يكون من قام بهذا الفعل فصيلة من حركة طالبان باكستان، لتضع الحركة أمام الأمر الواقع.
هذا الهجوم أعاد للمشهد الجماعات الجهادية في باكستان وأفغانستان بعد أن كانت مجموعات أخرى في العراق وسوريا واليمن وشرق أفريقيا هي البارزة.
نقلا عن التقرير
الكلمات المفتاحية: طالبان باكستان، افغانستان، تنظيم الدولة الاسلامية، باكستان، هجوم على مدرسة، بيشاور، وزيرستان، الملا عمر، الملا فضل الله، حكيم الله محسود