أتخذت الاوضاع في منطقة الشرق الاوسط منحى جديد، فالحرب اليوم تدق طبولها والجيوش تحشد طاقاتها ،وكل ذلك من اجل معركة قد يطول مداها وتحول المنطقة الى بؤرة صراع ملتهبة .
وفي أطار هذه الاوضاع التي تتطور بشكل مطرد ،تثير كلفة هذه المعارك على الدول التي اهملت احتياجات شعوبها وانغمست في حروب خارجية على حساب مصلحة مواطنيها واقتصاداتها وهنا سنستعرض انعكاس اي حرب محتملة على كل من روسيا وايران.
– روسيا
بعد سنوات من الحشد الدبلوماسي والدعم العسكري الروسي تجاه الازمة السورية و إرسالها مقاتلات وعتادا متطورا إلى سوريا لمحاربة ما تزعم الإرهاب ،انطلقت اولى غارات المقاتلات الروسية في 30 سبتمبر/أيلول 2015 و قصف مواقع المعارضة السورية ولتدخل الازمة السورية منعطفا جديدا .
ومع استمرار انهيار أسعار النفط ، بالتزامن مع تكلفة العمليات العسكرية الروسية في سوريا والعقوبات اقتصادية الغربية ،يبدو أن الاقتصاد الروسي بدأ بالتراجع وهو ما يحاول اخفاءه بوتين.
لقد تأثر الاقتصاد الروسي الذي يعتمد بشكل كبير على النفط سلبًا وبشكل كبير بسبب التراجع الحاد الذي سجلته أسعار النفط، والعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي على موسكو عقب الأزمة الأوكرانية.
وعرض البنك المركزي الروسي، عبر تقريره الشهري، تصوراته للسيناريو الكابوس الذي قد تواجهه البلاد في عام 2016، في حال استمرت أسعار النفط عند مستوياتها المنخفضة.
ويتمثل السيناريو المخيف لموسكو في استقرار متوسط سعر النفط في العام المقبل عند مستوى 35 دولاراً للبرميل، وهو ما سيعني استمرار الركود الاقتصادي للعام الثاني على التوالي، مع انكماش الناتج المحلي بما يتراوح بين 2 و3 في المئة.
يحاول صانع القرار السياسي في روسيا ان يصم اذنيه ويغمض عينيه عن الاوضاع الداخلية لبلده التي تعيش ازمة اقتصادية ومالية نتيجة عوامل اهمها انهيار اسعار النفط الى مادون 30 دولار للبرميل وهو ما يعد صفعة قاسية للاقتصاد الروسي المثقل بالأعباء منذ سنوات , لكن لماذا يعد انهيار اسعار النفط الى هذا الحد مشكلة كبيرة لروسيا ؟
لقد صرح وزير المالية الروسي أن موازنة الدولة لن تسجل توازنًا الا عند وصول سعر برميل النفط الى 82 دولارًا للبرميل.
بيانات رسمية لهيئة الإحصاءات الرسمية في روسيا كشفت عن انكماش اقتصاد روسيا بنسبة 3.7% خلال العام الماضي 2015، حيث تأثر الاقتصاد الروسي بشكل كبير بتراجع أسعار النفط والعقوبات الغربية.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلن بأن الناتج المحلي الإجمالي انكمش في العام 2015 ودعا روسيا للاستعداد “لكل السيناريوهات” نظرا لتدني أسعار النفط.
وقال ألكس كوكشاروف المحلل البارز في مؤسسة البحوث الدولية (أي إتش إس)”، ومركزها العاصمة البريطانية لندن، ان تصاعد الهجمات الروسية في سوريا، والدعم الكبير الذي تقدمه للنظام السوري ، رفع فاتورة انفاق موسكو خلال الفترة من 30 أيلول /سبتمبر والعشرين من تشرين الأول / أكتوبر الماضي على العمليات العسكرية التي تقوم هناك بلغ ما بين 80 – 115 مليون دولار، فيما بلغت تكلفة الغارات الجوية لروسيا وحشدها العسكري بين 2،4 – 4 ملايين دولار يوميا، ويُعتقد بأن التكلفة اليومية لتحليق المقاتلات الروسية بمعدل تسعين دقيقة، والمروحيات قرابة الساعة، ارتفع إلى 710 آلاف دولار، كما أن الطائرات الحربية الروسية تلقي يوميا قنابل وقذائف تقدر تكلفتها بنحو 750 ألف دولار، ووصلت النفقات اللوجستية اليومية إلى 1500 عسكري روسي في سوريا، أي نحو 440 ألف دولار.
بحسب تقديرات تصل التكلفة اليومية للوحدات الموجودة في قاعدة طرطوس على البحر المتوسط في سوريا، والقاعدة في بحر قزوين نحو مئتي ألف دولار، بينما يعتقد بأن ترتفع كلفة النفقات اليومية للأنشطة الاستخباراتية والاتصالات والأمور اللوجستية الأخرى لروسيا في سوريا إلى 250 ألف دولار.
ووفقاً لأرقام نشرتها مجموعة “آي آيتش أس جاينز” في تشرين الأوّل/ أكتوبر، إنّ الجهد الحربي بكامله – بما في ذلك النشاطات البحرية والبرّية والجوّية –ستكلّف روسيا حوالي مليار دولار في السنة، هذا باستثناء خسائر الطائرات المحتملة.
ويقدّر البعض عدداً مضاعفاً يبلغ حالياً ثلاث مرّات ذلك الرقم. كما أنّ موسكو قد نشرت أصولاً إضافية للدفاع ضدّ الصواريخ منذ تقرير “جاينز”، بما في ذلك أنظمة S-400 التي تستلزم المزيد من المركبات والأفراد.
من جهة أخرى، يرى خبراء في الشأن الاقتصادي، أن قطع موسكو علاقتها الاقتصادية مع تركيا، وتجميد بعض المشاريع الاستثمارية المشتركة ، من شأنه أن يفاقم تدهور الوضع الاقتصادي لروسيا، حيث أنها ستخسر أكبر الأسواق التي تتعاون معها، سواء على صعيد الصادرات أو الواردات.
هذه النفقات الهائلة من شأنها أن تنهك الاقتصاد الروسي، بحسب ما يراه مراقبون اقتصاديون، فروسيا لن تتحمل كل هذه التكاليف بالتزامن مع انخفاض أسعار النفط.
ويجمع الخبراء الاقتصاديين ان روسيا ستلجأ للسحب من الاحتياطي النقدي البالغ 346 مليار دولار ، فالحصول على قروض خارجية طويلة الأمد بسبب العقوبات الاقتصادية قد تكون مسألة صعبة، وبطبيعة الحال سيسجل هذا الاحتياطي هبوطا جديدا، فتنخفض مرة أخرى القيمة التعادلية للروبل ويرتفع معدل التضخم”
كما ذكرنا سابقا يعتمد توازن الميزانية الاتحادية على بيع برميل النفط بأكثر من ثمانين دولارا، وهو أمر يكاد يكون مستحيل حاليا. ولكن العجز المالي ليس المشكلة الوحيدة للمالية الروسية التي تعاني من ضعف الاهتمام بالصناعات وارتفاع الإنفاق العسكري، الأمر الذي يفسر التدهور المستمر والحاد لمستوى معيشة المواطنين ولسعر صرف الروبل.
مع استمرار انخفاض أسعار النفط إلى مستويات قياسية، يبدو أن الاقتصاد الروسي بدأ بالتداعي، بالتزامن مع تكلفة العمليات العسكرية الروسية في سوريا، في وقت يفرض فيه العالم عقوبات اقتصادية على روسيا، الأمر الذي من شأنه أن يودي به للانهيار.
ونشير هنا الى دراسة سرية جداً لوزارة الطاقة الامريكية وجهتها إلى وزارة الخارجية بتاريخ 24/10/1984 جاء فيها أن “سياستنا يجب أن تنحوا نحو هبوط أسعار النفط 30-40% وذلك لمعافاة الاقتصاد الأمريكي”.
وهنا تشير الدراسة ان الهدف من تخفيض أسعار النفط عام 1984 لم يكن فقط لتحفيز الاقتصاد الأمريكي، بل كان هناك هدفا آخر يقضي بإنهاك الاتحاد السوفيتي الذي كان يحارب في أفغانستان، وهو ما يرى فيه محللين تشابه مع واقع اليوم حيث تسعى الولايات المتحدة لإنهاك الاقتصاد الروسي و دفعها لخسارة اصدقائها، خاصة مع تورطها في أوكرانيا والأزمة السورية، ودعمها لنظام بشار الأسد وقصفها لمواقع المعارضة السورية بحجة محاربة الارهاب.
وسجلت معدلات الفقر ارتفاعاً ملحوظاً في العام الحالي مع اتجاه الاقتصاد للركود بنسبة 4 في المئة في 2015، حيث أظهرت بيانات رسمية عن أول 9 أشهر من العام الحالي أن 20.3 مليون روسي، ما يوازي 14 في المئة من إجمالي السكان، يعيشون تحت خط الفقر، بزيادة 2.3 مليون شخص مقارنة بالفترة نفسها من 2014.
وتتصاعد تكلفة العمليات العسكرية الروسية في سوريا يوما بعد آخر، في وقت يشهد فيه الاقتصاد الروسي انكماشا بسبب العقوبات الدولية، وانخفاض أسعار النفط، مما سيؤدي إلى ضغوط جديدة عليه قد تدخل الاقتصاد في نفق ازمة اقتصادية وربما ابعد من ذلك
– ايران
لقد حاولت ايران منذ عقود ان توسع دائرة نفوذها في المطقة العربية ، وهو ما حدا بها ان تقوم بدعم جماعات تابعة لها في عدد من الدول العربية حيث اعتمدت بالدرجة الاولى على دعم هذه العصابات ماديا وبالسلاح وحتى بالجنود دون ان تدخل في ذلك بكل مباشر.
اليوم ايران تتأهب للدخول في مواجهة عسكرية الى جانب النظام السوري وبقيادة روسيا ، لكن التساؤل الاهم هنا ،هل نظام طهران يعي تماما كلفة الدخول في حرب مباشرة؟ وهل فعلا لدى طهران هذه القدرة المالية لتجهيز الجيوش والمعدات وتبعاتها؟
رفعت العقوبات الدولية عن إيران منذ وقت قريب، حيث عاني الاقتصاد الايراني من سنوات العزلة الدبلوماسية والاقتصادية فالعقوبات الدولية ارهقته وحرمته من مليارات الدولارات التي جمدت في المصارف الغربية، وضيقت الدول الكبرى على طهران الخناق حتى انصاع النظام الايراني لشروطها حول البرنامج النووي.
وقد توقعت صحيفة أمريكية أن الأزمة السياسية الراهنة بين كل من السعودية وإيران والتي وصلت إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، أن تأخذ طابعا اقتصاديا أيضا، مشيرة إلى أن الاقتصاد الإيراني ينتظره أخبار سيئة وصورة قاتمة في هذا السياق.
وبحسب متابعة لمركز الروابط للبحوث والدراسات فقد بلغت خسائر ايران خلال فترة الطفرة النفطية حوالي 450 الى 500 مليار دولار بسبب العقوبات المفروضة عليها في تلك الفترة .
ونشرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز مقالا للكاتب مارك دوبوفيتز، يؤكد فيه أن التوتر في العلاقات بين طهران والرياض يقود الى “حرب اقتصادية” تميل دفتها لصالح السعودية، وهذا بعدا اخر يضاف الى سلسلة الاعباء التي ينوء الاقتصاد الايراني عن حملها.
وقد خلفت العقوبات الدولية المفروضة على البلاد منذ العام 2007 وضعاً صعباً ، وتكاليف الحرب في سوريا التي تورطت فيها إيران منذ العام 2011، إضافة إلى تكاليف الحرب في اليمن ودعم الحوثيين في اليمن ومقاتلي حزب الله اللبناني ،والمليشيات في العراق الذين يكبدون إيران أيضاً تكاليف ضخمة.
ويعاني الاقتصاد الإيراني من وضع صعب، حيث سجل العام الماضي انكماشاً بنسبة طفيفة بدلاً من تحقيق النمو، فيما ازدادت رقعة الفقر في البلاد ليتبين بأن 16 مليون إيراني يعيشون تحت خط الفقر، وأن نسبة التضخم تجاوزت الـ10.8٪ وهو ما يعني ارتفاع أسعار السلع والمواد الأساسية التي يحتاجها الإيرانيون.
وفي وقت سابق، أقر نائب وزير النفط الإيراني ركن الدين جوادي، بأن طهران بحاجة إلى 9 أشهر بعد الرفع الفعلي للعقوبات المفروضة على طهران، حتى يتسنى لها توقيع عقودها الأولى مع شركات النفط الأجنبية (باستثناء الأميركية منها) بعد الخروج من حلقة العقوبات، وعزت الصحيفة الفرنسية الأمر إلى القيود المصرفية.
وكذلك فالمشكل الداخلية و الصراعات السياسية فيما بين الساسة الايرانيين، والتي احتدمت مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقرر ان تجرى في وقت لاحق هذا الشهر، وتم إرجاء مؤتمر نفطي في لندن وهي المرة الخامسة بسبب العقوبات لكن في هذه المرة يبدو أن خلافات داخلية حول هيكل عقود استثمارات النفط والغاز منعت أي إعلان عن الشروط التجارية.
ويشتد الحصار على النظام الايراني خصوصا مع الاوضاع الاقتصادية الخانقة التي يعيشها العراق،وقد استفاد كلا من النظام الايراني واتباعه وعلى رأسهم حزب الله الذي انشأ شركات ومصانع في العراق للاستفادة من جهود اعادة الاعمار خلال العقد الماضي، وهي بطبيعة الحال برعاية ايرانية وقدد حققوا مكاسبا طائلة في هذا الاتجاه .
لقد ادى التغلغل الايراني واستغلاله للاقتصاد العراقي الى هذه اللحظة وجعله من اسوء الاقتصادات في المنطقة العربية على الاقل، وجعله مركزا لتصريف البضائع الايرانية الرديئة التي غزت الاسواق العراقية، فقد أصبحت التجارة الخارجية للعراق تتركز بصورة رئيسية على إيران لقربها وسعة حدودها مع العراق لعدم وجود بدائل تجارية أخرى.
العراق الذي كان يوما بمثابة المتنفس الايراني في زمان العقوبات اليوم بات اقتصاد منهك ،لايقوى على تسيير امور البلاد، فهو بلد ريعي يشكل النفط 95% من وارداته ، وبات اليوم على حافة الهاوية بسبب اسعار النفط التي هوت بشكل مرعب وبحاجة الى من يدعمه بالتالي لم يعد مصدر دعم لايران.
الميزانية الإيرانية الضعيفة لا تمكنها من توفير الأموال اللازمة للاستثمار ما يحد من فرص النمو خاصة أن الأنظمة والمخاطر السياسية ليست مواتية. فمثلا ذكر وزير النفط أن القطاع النفطي والبتروكيماوي يحتاج إلى 200 مليار دولار في السنوات الثماني المقبلة،وعليه فإن دخول طهران عسكريا بشكل مباشر سيلقي تبعات كبيرة جدا على الاقتصاد المتهالك اصلا على الرغم من الادعاءات بتماسكه ، وسيقضي على اي فرصة لتحقيق التنمية التي يتحدث عنها المسؤولين في طهران
في الختام لابد من القول ان اندلاع اي مواجهة عسكرية في سوريا ليس في صالح روسيا ولا ايران ، فكلا البلدين مثقل بالأعباء الاقتصادية والمشاكل الداخلية وبالأخص النظام الايراني الذي خرج حديثا من تحت العقوبات الدولية وقد يبدد اي عمل عسكري احلام ايران بالتنمية التي تسعى لها القول بإن الحرب في سوريا ستكون مفتوحة هو ضرب من الجنون فكلا البلدين لا يمكنهم تحمل اعباء حرب مفتوحة قد تكلف مليارات الدولارات خصوصا مع وجود العقوبات التي يعاني منها الاقتصاد الروسي بالإضافة الى هشاشة الاقتصاد الايراني والفساد داخل مؤسسة الحرس الثوري الايراني.
عامر العمران
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية