مواجهة ردود روسيا ونظام الأسد على إنشاء مناطق آمنة

مواجهة ردود روسيا ونظام الأسد على إنشاء مناطق آمنة

بوتين والأسد

في 13 شباط/ فبراير صرّح رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف في ميونيخ بأن روسيا لا تنوي إنهاء حملة القصف التي تشنها ضد الثوار السوريين. وفي مقابلة حصرية أجراها مع صحيفة “تايمز” أضاف، “أنهم جميعاً قطّاع طرق وإرهابيون”. وفي وقت سابق، في 11 شباط/ فبراير، أبلغ نائب وزير الخارجية الروسي أوليغ سيرومولوتوف وكالة “إنترفاكس” الروسية للأنباء بأن الكرملين سيعتبر أي محاولات من جانب قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة لإنشاء مناطق آمنة على الحدود التركية السورية من دون موافقة الأمم المتحدة والرئيس السوري بشار الأسد بمثابة “تدخل عسكري مباشر”.

ولم يكن هذا البيان مفاجئاً. فخلال فترة دامت أكثر من عقد من الزمن، روّجت الحكومة الروسية للفكرة القائلة بأن الغرب ينسّق لتغيير النظام تحت ستار الأهداف الإنسانية. وفي سوريا، سيفسر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أي محاولات لإنشاء مناطق آمنة أو ما يشابهها على أنها ذريعة لتغيير النظام تستهدف ما يسميها بحكومة الأسد الشرعية؛ وكان الأسد قد أعلن في الأسبوع الثالث من شباط/فبراير بأن قواته ستستعيد كافة الأراضي السورية “في نهاية المطاف”.

وبالتالي، إذا قرر الغرب إنشاء مناطق آمنة في سوريا، فمن شبه المؤكد أن تطلب موسكو اتخاذ قرار من قبل مجلس الأمن الدولي لضمان الفيتو الروسي، وربما الصيني، على أي إجراء، وتواجد ثغرات كافية في أي قرار للسماح لموسكو والأسد بمواصلة تدمير أي معارضة للنظام السوري إلى أن لا يتبقى سوى تنظيمي «الدولة الإسلامية» و «القاعدة». ومن المرجح أن يبرر الكرملين أفعاله بالقول إنه لن يرتكب “الخطأ” نفسه الذي ارتكبه حين امتنع عن التصويت في آذار/ مارس 2011 على قرار مجلس الأمن رقم 1973. وفي ذلك الوقت، حين كان الدكتاتور الليبي معمر القذافي يكثف أعمال العنف ضد المدنيين في بلاده على الرغم من الإجراءات السابقة [التي اتخذت ضد بلاده] مثل العقوبات والحظر المفروض على الأسلحة، سمحت الأمم المتحدة من خلال القرار 1973 [باتخاذ] “كافة التدابير اللازمة” تحت الفصل السابع لحماية المدنيين الليبيين، بما في ذلك فرض منطقة حظر جوي. وقد قارن رئيس الوزراء الروسي آنذاك فلاديمير بوتين القرار بـ “الحروب الصليبية في العصور الوسطى”، واتهم في وقت لاحق حلف شمال الأطلسي (الناتو) بقتل القذافي. وفي نيسان/ إبريل 2011 تساءل في كوبنهاغن: “من الذي أعطى الغرب الحق بإجراء تغيير في النظام؟” وفي وقت لاحق كرر المسؤولون الروس هذا الرأي عدة مرات.

وفي الواقع، من شأن المناطق الآمنة أن تحد من الأزمة الإنسانية في المنطقة، وتمنع التدفقات الكبيرة للاجئين المزعزعة للاستقرار من اكتساح تركيا وأوروبا. كما ستساعد في مكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية» وتعزيز الموقف الغربي في سوريا، مما سيحقق توازن مع التحالف الروسي الإيراني، على النحو الذي أشار إليه السفيران نيكولاس بيرنز وجيمس جيفري في مقالهما الذي نُشر في صحيفة “واشنطن بوست” في وقت سابق من هذا الشهر.

وبغية إنشاء مناطق آمنة وصالحة للحياة في سوريا، من المرجح أن تحتاج الولايات المتحدة إلى استخدام مناطق حظر جوي تتحدى الدفاعات الجوية الروسية وتضمن رصد واشنطن وحلفائها لجميع المعابر المؤدية إلى المناطق. كما ستحتاج واشنطن إلى حملات على الانترنت وأخرى إعلامية مكثفة تستهدف الإجراءات التي يقوم بها نظام الأسد والتي تأجج أزمة المهاجرين، وتواجه جهود التضليل الروسية الهادفة إلى التأثير على الرأي العام الدولي. وسيكمن المفتاح في هذه الجهود في الشرح للجماهير المحلية والدولية السبب الذي يجعل المناطق الآمنة ضرورية لوقف تدفق المهاجرين السوريين شمالاً ولضمان الأمن الأوروبي.

خطوات روسية من شأنها أن تقوض المناطق الآمنة

إذا ما أنشأ التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة مناطق آمنة من دون موافقة الأمم المتحدة، سيتجنب الكرملين على الأرجح المخاطرة بمواجهة عسكرية مباشرة. فعلى الرغم من جميع تهديدات بوتين، إلا أنه لن يريد ضرب المزيد من الطائرات الروسية بعد إسقاط تركيا طائرة روسية انتهكت المجال الجوي التركي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015. فبوتين ليس بشخص غير عقلاني وهو حساس للغاية تجاه الرأي العام المحلي. إلى جانب ذلك، فإن التهديد بالتصعيد مع روسيا قائماً بغض النظر إذا أنشأت الولايات المتحدة مناطق آمنة أم لا، لا لسبب سوى وجود روسيا المتنامي في المنطقة. وفي الواقع، يبدو من المرجح بشكل متزايد أن التردد الغربي على مدى السنوات القليلة الماضية، والذي تجلى بأبرز أشكاله نتيجة عدم وفاء الولايات المتحدة [بوعدها] بتوجيه الضربات ضد سوريا بعد أن تجاوز الأسد الخط الأحمر للأسلحة الكيميائية، قد شجع على زيادة عدوانية الحكومة الروسية كبداية.

وبدلاً من ذلك، من الأرجح أن تنخرط موسكو في عمليات وانتهاكات محدودة المخاطر والنطاق تعيد صورة تدخلها في أوكرانيا. ورسمياً، سيتنصل الكرملين من هذه التحركات التي يمكن أن تشمل ما يُسمى بقوافل المساعدات الإنسانية التي استخدمتها روسيا في أوكرانيا في مناسبات متعددة منذ ربيع عام 2014. فقد عبَرت هذه القوافل إلى أوكرانيا من دون إذن الحكومة في كييف ومن دون تدخل “اللجنة الدولية للصليب الأحمر”، وعادة ما تم ذلك من خلال نقاط تفتيش لا تقع ضمن سيطرة كييف. وفي وقت لاحق ادّعت كييف بأن الشحنات كانت تحمل إمدادات للمنشقين المدعومين من روسيا واستُخدمت لنقل جثث القوات الروسية و”المتطوعين”، الذين نفى الكرملين رسمياً تواجدهم في أوكرانيا. ومن جهتهما أدان حلف “الناتو” و”الاتحاد الأوروبي” “القوافل الإنسانية”، في حين أطلق الكرملين حملة تضليل تدّعي أن الغرب يعرقل الجهود الروسية الرامية إلى تخفيف معاناة المدنيين.

وفي سوريا، من المرجح أن تطلق موسكو حملة تضليل مماثلة حول المناطق الآمنة، وذلك لإرباك الجماهير المحلية والدولية وزرع الشكوك. وكما هو الحال في أوكرانيا، من المرجح أن تسعى موسكو إلى التماس السبل الكفيلة بجعل الغرب يبدو عدوانياً. فعلى سبيل المثال، إذا أخّر أعضاء التحالف الأمريكي قافلة مساعدات إنسانية، فسيقول الكرملين إن الغرب يعارض مساعدة المدنيين في حين أن روسيا هي الدولة الوحيدة التي تحاول مساعدتهم. وسيواصل الكرملين نشر الرسائل القائلة بأن الغرب هو الذي أنشأ تنظيم «الدولة الإسلامية» وأن روسيا هي صوت المنطق الوحيد، فيما يحمي الغرب مصلحته الأنانية الضيقة. وفي هذا السياق، ولإعطاء مثال واحد حدث مؤخراً عن هذه الرسائل، وفقاً لما ذكرته صحيفة الأعمال اليومية “فزغلياد”، قال الخبير الروسي المعروف في شؤون الشرق الأوسط يفغيني ساتانوفسكي ما يلي حول المناطق الآمنة في تشرين الأول/ أكتوبر 2015: “بطبيعة الحال، سيكون من الضروري تغطية الإرهابيين الخاصين بـ [أمريكا]، ومن الضروري إيجاد منطقة عازلة يتم فيها إطلاق تنظيم «القاعدة» و «جبهة النصرة» ومقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» و «أحرار الشام»”. وأضاف أن الأمريكيين، ومنذ الحرب في أفغانستان “يبتهجون بأنهم يساعدون المتطرفين الإسلاميين، ولا يمكن لأحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر ولا مقتل السفير الأمريكي في ليبيا ولا الهجوم الإرهابي في بوسطن أن يغيروا ذلك”.

هذا وقد تختبر روسيا الحدود التي يمكن التوصل إليها في ما يتعلق بالتحليق فوق المناطق الآمنة، تماماً كما فعلت في المجال الجوي للـ”ناتو”. فهذه الانتهاكات ستلهي الغرب، وإذا كان بوتين يعتقد أن بإمكانه انتهاك المجال الجوي من دون أي تداعيات، فإنه على الأرجح سيستمر بذلك. وأخيراً، من المرجح أن تستمر موسكو باستخدام معداتها للتشويش على الاتصالات في ساحة المعركة، مثل منظومة ” كراسوخا 4″ للحرب الإلكترونية، كما فعلت سابقاً في أوكرانيا وسوريا، وذلك وفقاً لتقارير صحفية.

توصيات بشأن السياسة العامة

من أجل نجاح المناطق الآمنة، لا بد من دعمها بمناطق حظر جوي معززة عسكرياً. ولإظهار أن تدخل الغرب يقتصر على الإغاثة الإنسانية، ينبغي إقامة مناطق حظر جوي من قبل الدول الغربية في المناطق الآمنة وحولها. كما يتوجب على الغرب أن يعلن عن خطوط حمراء واضحة لا يمكن لروسيا تخطيها، ودعم كلامه بإجراءات إذا ما حاول بوتين اختبارها. وعلى أرض الواقع، ينبغي على أعضاء التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة رصد جميع نقاط التفتيش المؤدية إلى المناطق الآمنة. ينبغي على صانعي القرار في الغرب أن يبحثوا أيضاً عن أي غموض في الاتفاقيات يمكن لروسيا أن تستغله في انتهاكات على نطاق ضيق. ويتوجب على المنظمات الإنسانية كـ “الصليب الأحمر” أن تشرف على المساعدات الإنسانية بطريقة بحيث لا يمكن لروسيا تسليم أي معونة من دون انخراط المنظمة المعنية. أما جيوش الدول الغربية فيتوجب عليها تكريس موارد أكبر بكثير وعدد أكبر من الجنود لمواجهة الحرب الإلكترونية الروسية.

ومع ذلك، لا بد للغرب من تنفيذ مهمة أخرى تكمن في الاستعداد لحملة التضليل الروسية. وسيتجلى المفتاح لتحقيق هذه الجهود في شرح أن العمليات الروسية الحالية المدعومة من إيران في شمال سوريا هي السبب الرئيسي لأزمة المهاجرين إلى أوروبا حالياً. وينبغي التشديد على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي يرتكبها نظام الأسد ومحاولاته شق طريقه للخروج من أكبر انتفاضة في البلاد عن طريق استمرار الحرب التي تحولت إلى أزمة امتدت سنوات طويلة. إلى جانب ذلك، على الغرب مواصلة التأكيد على أن قصف نظام الأسد للمناطق المدنية ناتجاً عن نقص هائل في القوة البشرية، والذي من غير المرجح أن تتم معالجته في أي وقت قريب لتحقيق التزام الأسد باستعادة السيطرة على كافة الأراضي السورية في النهاية.

بالإضافة إلى ذلك، يجب على الغرب أن يستفيد من الرأي العام العالمي ضد دور روسيا التهكّمي في سوريا والذي يؤدي إلى نتائج عكسية من خلال التشديد على أنه على الرغم من مخاوف روسيا، هناك هدف محدود جداً للمناطق الآمنة يتلاءم مع موقف موسكو على وجه التحديد، وأن الغرب ملتزم في النهاية بعملية جنيف الخاصة بسوريا، والتي وافقت عليها موسكو. ومن شأن هذا الموقف، إذا دُعم بالقوة العسكرية، أن يُبدي مرونة سياسية تتناقض مع تعنت موسكو.

إن وسائل الإعلام التي يرعاها الكرملين ممولة جيداً وتقدم دائماً موقفاً واضحاً وجريئاً، بل مشوهاً. وفي الوقت نفسه، يميل الغرب إلى الإكثار في الكلام، وغالباً ما يفشل في إبراز نجاحاته ولا يستثمر ما يكفي من الموارد في مواجهة الأفكار التي يروّج لها الكرملين. من دون استثمار مماثل، ومن دون وضوح أخلاقي واستراتيجي، فإن جهود الغرب للتعامل مع الأزمة السورية ستستمر في التعثر.

 آنا بوشفسكايا

معهد واشنطن