وسط مخاوف من وقوع العالم في دورة ركود جديدة، اتفق وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية الدول الـ20، في ختام اجتماعاتهم في شنغهاي أمس على اتخاذ مجموعة من السياسات لزيادة معدل نمو الاقتصاد العالمي وتفادي الدخول في حرب عملات.
وحسب صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، فإن مسودة البيان الختامي التي اطلعت عليها، لم تتضمن اتخاذ إجراءات محددة لتحفيز النمو، ولكنّ هنالك اتفاقاً على أن السياسات النقدية التي اتخذت حتى الآن لم تكن كافية لزيادة النمو.
وانتقد محافظ بنك إنجلترا، مارك كارني، سياسات الفائدة السالبة التي تبناها كل من المركزي الياباني والمركزي الأوروبي. كما وجهت انتقادات لسياسة رفع الفائدة الأميركية.
وقال خبراء على هامش المؤتمر، في تعليقات نقلتها وكالة شينخوا، “بدلاً من التركيز فقط على الظروف الاقتصادية المحلية، يتعين على البنوك المركزية الكبرى، ولا سيما مجلس الاحتياط الفدرالي الأميركي أن يأخذ بعين الاعتبار الآثار الأوسع لسياساته النقدية”.
وأشاروا في هذا الصدد إلى مصرف الاحتياط الفدرالي من برامجه المتعلقة بالتيسير الكمي، ضخ أموالا في سائر أنحاء العالم، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الأصول فيما كان يكافح الركود داخل البلاد. والآن، يمكن أن يوجه أي تشديد محتمل للسياسات لطمة أخرى للاقتصادات الناشئة.
ويذكر أن التقلبات التي شهدتها أسواق العملة والبورصات أخيراً تعد بمثابة تذكير جديد بهشاشة النظام المالي العالمي. فبعد ثماني سنوات من الأزمة المالية العالمية التي حدثت عام 2008، لا يزال هناك مجال ضئيل للشعور بالرضا بالنسبة للعالم المتجه إلى شانغهاي.
من جانبه، قال وزير المالية الياباني تارو أسو إن الاقتصاد العالمي يتجه صوب انتعاش تدريجي، لكن التقلبات والشكوك تتزايد بسبب حالة عدم اليقين التي تحيط بالصين وسياساتها الاقتصادية وهبوط أسعار النفط وتباين في السياسة النقدية بين الاقتصادات المتقدمة.
وقال، في حديث للصحافيين على هامش الاجتماع، إنه يعتقد أن المجموعة التي تضم أكبر الاقتصادات في العالم ستعمل على تفادي السباق على تخفيض قيم العملات فيما يعرف بسياسة إفقار الجار.
وقال إنه اقترح على مجموعة العشرين أن تنشئ مجموعة عمل لدراسة تدفقات رؤوس الأموال من اقتصادات السوق الناشئة. وأضاف أنه حث الصين على تنفيذ إصلاحات لنظامها للعملة ووضع خطة متوسطة الأجل للإصلاح الهيكلي مع إطار زمني واضح.
أما وزير المالية الصيني لو جى ويى، فقال إن الإصلاح الهيكلي هو أفضل وسيلة لاستدامة النمو الاقتصادي في دول مجموعة العشرين. وأشار إلى أن الإصلاحات الهيكلية تعد أمراً حاسماً من أجل اقتصاد متوازن ومستدام وقوى مع عمل الحكومة في تصميم منسق من أعلى إلى أسفل. واقترح لو إزالة الحواجز التجارية وزيادة تشجيع الشركات على الاستثمار.
وقال إن الصين التي لا يزال لديها مجال فسيح لإصلاح السياسة المالية، ومن المحتمل أن ترفع معدل العجز وسوف تواصل خفض الضرائب لدعم الابتكار وأعمال الشركات الصغيرة.
اقرأ أيضاً: مجموعة العشرين تقرر اعتماد سياسات تحفيز لدعم الاقتصاد العالمي
وكانت الصين قد رفعت العجز المالي إلى معدل إجمالي الناتج العام إلى نسبة 2.3% في العام 2015، مقارنة مع هدف 2014 الذي بلغت نسبته 2.1% مع احتمال أن يرتفع إلى 3% أو أكثر في عام 2016.
تجدر الإشارة إلى أن لدى وزارة المالية خططاً للتعامل مع فائض العمالة كتخفيض لإعادة الهيكلة في طائفة من الصناعات الثقيلة التقليدية. وأشار لو أيضاً إلى أن تشريع التوظيف في الصين يحتاج إلى تحسن لتحرير سوق العمل.
وكان رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ قد حث يوم الجمعة على تنسيق أوثق لسياسات الاقتصاد الكلي بين مجموعة العشرين ضد الرياح المعاكسة الاقتصادية العالمية.
وقال لي في رسالة فيديو إلى اجتماع وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية “عند صياغة سياسات الاقتصاد الكلي، ما تحتاج مجموعة العشرين أن تضع في اعتبارها ليس فقط نموها الخاص، فهي تحتاج أيضاً إلى الاهتمام بتأثير سياساتها الممتد”، وذلك في إشارة إلى تداعيات رفع الفائدة الأميركية وانعكاساتها السلبية على الاقتصادات الناشئة.
وأوضح في رسالته “نحتاج إلى زيادة التواصل والتنسيق والعمل معاً لضمان استقرار السوق المالية الدولية”.
وأضاف أن التيسير الكمي لن يستطيع إزالة العقبات الهيكلية أمام النمو، وبدلاً من ذلك قد يؤدي إلى مزيد من التوابع السلبية.
“يتعين أن يظل تركيزنا على الإصلاحات الهيكلية. ما نرغب فيه هو الابتكار ورفع القيود ومنافسة أكثر وانفتاح اكبر”، وفقاً لما قال. وأضاف، حسب وكالة شينخوا، “نأمل في أن يستمر أعضاء مجموعة العشرين في دفع الإصلاحات في المؤسسات المالية الدولية، وتحسين النظام النقدي العالمي وتعميق التعاون في الضرائب عبر الحدود”.
وأصدر صندوق النقد الدولي تقريراً يوم الثلاثاء سلط فيه الضوء على المخاطر المتزايدة تجاه الانتعاش العالمي، ودعا إلى اتخاذ إجراء عاجل وجريء لدعم النمو. وكان الصندوق قد تنبأ في يناير بأن يسجل الاقتصاد العالمي هذا العام نموا نسبته 3.4% ، ولكنه أعلن أنه قد يخفض هذه النسبة عندما ينشر توقعاته المقبلة في إبريل.
من جانبها سلطت رئيسة مجلس الاحتياط الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) جانيت يلين على السياسات النقدية الأميركية. ويعتقد المحللون أن أوجه عدم اليقين بشأن السياسات النقدية الأميركية صارت مصدراً رئيسياً للاضطرابات التي تشهدها أسواق المال العالمية.
ويقول الخبراء إن مجلس الاحتياط الفدرالي يواجه ضغوطا ليعمل على تباطؤ خطى رفعه لأسعار الفائدة.
وعرض وزير المالية البرازيلي نيلسون باربوسا في شانغهاي الإصلاحات المالية المتعلقة بالضمان الاجتماعي التي تعتزم بلاده تطبيقها وسط حالة ركود حاد تعيشها البلاد. ولفت دا سيلفا إلى أن الحكومة البرازيلية تأمل في أن يتيح الاجتماع فرصة لبحث سبل مساعدة الاقتصادات الناشئة.
نمو غير متوازن
دفع النمو غير المتوازن للاقتصادات الكبرى إلى ظهور أوجه تفاوت صارخة في السياسات النقدية: ففي أعقاب قيام مجلس الاحتياط الفدرالي برفع سعر الفائدة، وضع بنك اليابان سعر الفائدة بالسالب في يناير الماضي. ويمضي البنك المركزي الأوروبي في طريقه لفرض سياسة تيسير نقدي أكثر تشدداً.
وشكلت الخيارات المتباينة في السياسات التي اتخذتها الدول ذات الدخل المرتفع تحدياً كبيراً للاقتصادات الناشئة. فمع عودة الأموال الساخنة إلى الولايات المتحدة، قد تنهار فقاعات الأصول ويصبح النمو ضعيفاً وقد تتوقف الإصلاحات الهيكلية.
وعلاوة على ذلك، يمكن أن يثير تراجع أسعار الفائدة في اليابان وأوروبا خفضاً تنافسياً في العملة، أي سياسة “إفقار الجار” التي تضع في الواقع الاستقرار المالي العالمي في خطر.
ورغم ضعف آفاق النمو العالمية، إلا أن توترات العملة التي اجتاحت العالم في الأشهر الأخيرة بعيدة عن إفراز أزمة اقتصادية شاملة. ويرى اقتصاديون أن مجموعة العشرين لا ينبغي أن تتحول إلى آلية لإدارة الأزمات.
صحيفة العربي الجديد