قلق أميركي من صعود دونالد ترامب

قلق أميركي من صعود دونالد ترامب

350

مع مراقبة دونالد ترامب عبر شاشات التلفزيون الآمنة نسبيّاً بنظر المشاهدين، يعتبره عدد كبير من الأميركيّين من الشخصيّات المبهرة، وإن كان مخيفاً نسبيّاً، إذ يُدلي برأيه في أيّ موضوع مطروح للنقاش. وتراه واقفاً ببنيته القويّة وهامته الطويلة وعضلاته المفتولة، يصغي باهتمام من تحت شعره المُصفَر، قبل أن يشنّ هجوماً جديداً على الصحافة، أو على زملائه المرشّحين الجمهوريّين، فيستخدم لغة البلطجة الرائجة في ملعب المدرسة، ويقلّل من شأنهم، ويصرخ بصوت أعلى منهم لإسكاتهم، فيتّهمهم بالرياء، ويتجنّب باستمرار الإجابة مباشرةً عن أيّ سؤال مباشر. وفي حال أراد إطلاق رسالة سياسيّة متناسقة، تأتي هذه الرسالة قوميّة/شعبويّة يتخلّلها هوس، ومفادها بأنّ الولايات المتّحدة دولة واقعة في مأزق كبير، حدودها غير محميّة، وشعبها مهدّد بهجمات إرهابيّة، وصناعاتها تعاني بسبب عقود من استيراد السلع الرخيصة من الصين وأماكن أخرى.

غير أن هناك أميركيين من الذين يفكّرون في التداعيات المحتملة لكلمات ترامب عند قراءتها في الصحافة المكتوبة، فيشعرون بقلق شديد حيال الحزب الجمهوري بحدّ ذاته، وحيال مستقبل عمليّة سياسيّة أميركيّة لا تستند فقط إلى المشاعر والانفعالات، بل أيضاً إلى مناظرة منطقيّة ومناقشة دقيقة للمسائل. وقد قرر بعضهم، ومن بينهم المرشح الجمهوري السابق ميت رومني، الرد على هذا الهجوم، فراح يعدّد حالات الفشل المتكررة التي تكبّدها ترامب على صعيد الأعمال، ويناشده إصدار بيان عن ثروته الماليّة التي يُزعم أنّها كبيرة، ويحاول لفت الأنظار إلى ميله إلى اختلاق الأمور، وإلى تذكّر أمور بطريقة خاطئة، والأهم من ذلك إلى استبعاده فئات كبيرة جدّاً من الناخبين، تشمل السود، والذين من أصول لاتينية، والنساء الناخبات الأكبر سنّاً، مع الإشارة إلى أنّ هذه فئات يحتاج الحزب إليها كلّها إذا أراد استعادة البيت الأبيض بعد بقائه محكوماً لثماني سنوات من الديموقراطيّين. ويعرب آخرون علناً عن قلقهم من أن يتسبّب ترامب حتّى بتدمير الحزب الجمهوري بصيغته الحاليّة، بصفته قائد تيّار ما عاد المحافظون التقليديّون يعترفون به، ولا يشعر بأنّه معنيّ بالدين، ولا يولي أيّ أهمّية لعجز الموازنة المتنامي، أو لارتفاع مستويات الإنفاق على الدفاع، أو لمحاولة الحد من نفوذ الحكومة المركزيّة.

ماذا يمكن لهؤلاء أن يفعلوا؟ هناك إستراتيجية واضحة تقضي بالالتفاف حول أيّ خصم حزبيّ يحقّق نتائج ظاهريّة أفضل من ترامب في مختلف المؤتمرات الحزبيّة والاستطلاعات الجارية في أرجاء البلاد، ويشمل هؤلاء الخصوم حاليّاً تيد كروز، الذي يحظى بصدقيّة أكبر بكثير من ترامب لدى الإنجيليّين المزعومين، الذين يؤمنون بالحقيقة التوراتيّة بحذافيرها. وتتمثّل إستراتيجيّة أخرى، هي وليدة يأس أكبر حتّى، بالانتظار لمعرفة ما إذا كان ترامب سيفوز باختيار الحزب الجمهوري خلال المؤتمر الوطني الذي سيعقد في تمّوز (يوليو) المقبل في كليفلاند، بولاية أوهايو. وفي حال فوزه، ينبغي الانتظار حتّى يشكّل حزباً جديداً بالاستناد إلى المسائل التقليديّة التي يركّز عليها المحافظون، والتي لا يعطيها على ما يبدو أيّ أهمية تقريباً (الأسرة، والقيم، والزواج، ومعارضة الإجهاض) ويعترض عليها.

أمّا هيلاري كلينتون، المرشحة المحتملة عن الحزب الديموقراطي، فتُعرب عن مخاوفها، هي أيضاً، في شأن احتمال فوز ترامب بترشيح الجمهوريين، وسط إدراكها الشديد بأنّ عدداً كبيراً من الناخبين الرجال الديموقراطيين ينجذبون إليه، وسط قلقهم في شأن التجارة الحرّة وخوفهم من خسارة الوظائف. وترى كلينتون أنّ دورها يتمثّل باللجوء إلى المنطق أكثر من المشاعر، بهدف الدفاع عن إنجازات الرئيس أوباما لجهة استحداث الوظائف، لكن شرط القيام بذلك بطريقة تشجّع على الشفاء بدلاً من الانقسام، وعلى الاهتمام الإنساني بجميع الأميركيين بدلاً من زرع بذور الفتنة بينهم.

وثمّة أمور تثير قلقاً أكبر بكثير، تتمثّل بجمهور ترامب الكبير في الخارج، ولجوئه المستمر إلى البلطجة والتهديد والوعيد، إلى جانب افتقاره الخطير إلى التجربة في مجال الحكم وإلى أدنى الشروط التي يطلبها العالم الخارجي، بالقسم الأكبر منه.

وتجدر الإشارة في شكل خاص إلى المكسيكيّين، الذين يعربون عن قلقهم الصادق حيال كلامه عن بناء جدار على امتداد الحدود الجنوبيّة للولايات المتّحدة لمنعهم من العبور. أمّا حلفاء الولايات المتّحدة، فيشعرون بارتياب شديد في شأن ما يمكن أن يفعله اذا أصبح رئيساً يتوق لتأكيد قوّة بلاده في الخارج، مع احتمال أن يرفع الحواجز الجمركيّة، أو يشنّ حرباً على الإرهاب تطاول أُسَر إرهابيّين مزعومين، مستعملاً وسائل أكثر علنيّة بكثير من الطائرات من دون طيّار التي استعان بها الرئيس أوباما في بعض الحالات المنفردة.

صحيح أنّ عدداً من الرؤساء الجمهوريّين السابقين، ونخصّ بالذكر رونالد ريغان في سبعينات القرن العشرين، أعربوا عن مخاوف مشابهة. وصحيح أيضاً أنّ ترامب يتحدّث عن نموذج أعمال يستند إلى طلب نصائح الخبراء. لكنّ ما يخيف فعلاً هو الأدلّة المتزايدة على أنّ ترامب يرفض الانصياع للقواعد، ويستمتع بإيجاد حلول سريعة، ويُظهر مزاجيّة كبيرة، والأهم أنّه يعمد إلى منح السلطة طابعاً شخصيّاً، ويتحدّث عن الانتقام، ويبدّل رأيه من دون أن يكون مدركاً لذلك، ويُعرَف بطبيعته المشكّكة.

أما المكان الذي سيُكبح فيه دونالد ترامب فهو فصل السلطات المعروف جيّداً في الدستور، وذلك بدعم من الدور المتطوّر لهيئة الأركان المشتركة في إرشاد الرئيس أوباما في ما يتعلّق باستعمال القوة في الخارج. فهناك أصوات تعلو بشدة من داخل المؤسسة القضائية وتصنف التهديدات التي وجهها إلى عائلات الإرهابيين في فئة جرائم الحرب. والأمر مشابه بالنسبة إلى أي خطة ترمي إلى معاقبة الشرق الأوسط برمته أو الشعوب الإسلامية كلّها بسبب أعمال ارتكبها بعضهم. إلا أنه وإن فرضنا أن ترامب أصبح مرشحاً رئاسياً، ستقع غالبية المقاومة على كاهل هيلاري كلينتون، إذا فازت في السباق الديموقراطي ضد السيناتور بيرني ساندرز، كما هو متوقع. لذا، يمكننا الاعتماد عليها بسبب خبرتها الواسعة في مجال السياسة الأميركية. ولكن الخوف هو من أن يترتب عليها استخدام بعض تكتيكات ترامب غير الحميدة مثل صد الضربات فوراً مع غضّ النظر عن الأسئلة الشخصية. وإن كان من شيء يسهل توقعه في هذه المرحلة من اللعبة فهو أن المناظرات بين ترامب وكلينتون سرعان ما ستصبح شديدة اللهجة وغير لائقة.

روجر أوين

نقلا عن الحياة