قالت طهران إنها تدعم وقف إطلاق النار السوري -وإنما فقط إذا ظل بإمكانها مواصلة ضرب “الإرهابيين” الذين ينظر إليهم الغرب على أنهم المعارضة الشرعية للأسد.
* * *
مع بدء وقف جزئي لإطلاق النار بين الحكومة السورية وبعض مجموعات الثوار في الأسابيع الأخيرة، أعربت السلطات الإيرانية منذ البداية عن دعمها للاتفاق. لكنها كشفت أيضاً عن نبرة شك إزاء فرص هذه الهدنة في النجاح، قائلة إن الاتفاق يحمي طائفة من المجموعات المسلحة التي تعدها طهران تنظيمات إرهابية.
وكانت الولايات المتحدة وروسيا قد لعبتا الدور القيادي في التوصل إلى وقف للأعمال العدائية بين حكومة الرئيس السوري بشار الأسد ومجموعات الثوار. وقد سمح الاتفاق للجانبين بمواصلة القتال ضد المجموعات الإرهابية مثل مجموعة الدولة الإسلامية “داعش” و”جبهة النصرة” التابعة لتنظيم القاعدة.
عند التوصل إلى الاتفاق، قال حميد رضا دهقاني، الذي يرأس دائرة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإيرانية لمجلة “فورين بوليسي” في مقابلة أجرتها معه: “إن إيران تدعم وقف الأعمال العدائية. ولكن ستكون هناك مشاكل من الناحية العملية. ليس هناك تعريف مشترك للمجموعات الإرهابية”.
وتجدر الإشارة إلى أن الإيرانيين والروس وحكومة الأسد يطبقون وصف الإرهابيين على عدد أكبر بكثير من المجموعات مقارنة بالولايات المتحدة، بما في ذلك مجموعات مثل “أحرار الشام” و”جيش الإسلام” ومجموعات أخرى تقاتل إلى جانب “جبهة النصرة” والثوار الذين تدعمهم الولايات المتحدة. وقد أملت كل من واشنطن وموسكو في أن يتمكن وقف الأعمال العدائية من إرساء الأسس لعقد محادثات سلام مستقبلية.
مع دخول وقف إطلاق النار الجزئي يومه الرابع حتى إعداد هذا التقرير، أسفرت الاتفاقية بوضوح عن خفض في وتيرة العنف -لكن علامات ظهرت على أن الالتزام بوقف الأعمال العدائية يعاني من الضعف في مناطق معينة. وقد اتهمت مجموعات المعارضة السورية الطائرات المقاتلة الروسية بشن 26 غارة جوية على الثوار المشمولين باتفاقية وقف إطلاق النار في الأيام الأربعة الأولى، بينما حمل مسؤولو الجيش الروسي تركيا مسؤولية تسهيل هجوم لمجموعة “الدولة الإسلامية” على بلدة يسيطر عليها الأكراد في شمالي سورية. ومن جهته، قال الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون: “بشكل عام، ما يزال وقف الأعمال العدائية صامداً، حتى على الرغم من أننا شهدنا بعض الحوادث”.
مع ذلك، وبغض النظر عن طول المدة التي سيصمدها وقف إطلاق النار، فإن الإيرانيين يقولون إنهم يتوافرون هم وحلفاؤهم على الأوراق الرابحة في الحرب الأهلية السورية التي ما تزال مستمرة منذ خمسة أعوام تقريباً، والتي شهدت مقتل ما يقدر بنحو 250.000 شخص وتشريد 11 مليون شخص آخرين. وقال دهقاني أن الثوار يسيطرون راهناً على حوالي 60 في المائة من الأراضي السورية -وعلى 40 في المائة فقط من سكانها. وتقول تقديرات أخرى إن الأسد يسيطر على أقل من ذلك. ولكن الحكومة السورية خسرت، في كلتا الحالتين، مناطق شاسعة من البلد لصالح الثوار منذ اندلاع القتال الرئيسي في العام 2012.
ومنذ بدأ الجيش الروسي توجيه ضرباته الجوية وعملياته لدعم الجيش السوري في أيلول (سبتمبر) الماضي، مني الثوار بسلسلة من التراجعات الجدية، وفق ما قاله دهقاني.
وأضاف: “لا نستطيع القول إن وجهة المد قد انقلبت تماماً، لكن القتال أصبح الآن أكثر جدية ضد الإرهاب. لقد استغلت الحكومة السورية هذه الفرصة جيداً”.
ومن جهتهم، ردد مراقبو الشأن السوري في طهران أصداء مخاوف الحكومة الإيرانية من أن وقف إطلاق النار الجزئي قد يوفر الحماية لمجموعات متمردة تعمل في تحالف ضمني خفي مع تنظيم القاعدة.
وقال سيد محمد ماراندي، الخبير في الشأن السوري والأستاذ المشارك في الدراسات الدولية والعالمية في جامعة طهران: “تكمن المشكلة الكبيرة في أن تنظيم القاعدة وحلفاءه ممتزجون ببعضهم بعضاً”.
وأضاف أن إيران وروسيا والأسد سيستمرون في قتال مجموعة “الدولة الإسلامية” والجماعات الأخرى التي يعتبرونها حليفة لتنظيم القاعدة. وتساءل ماراندي: “هل سيمتنع (الإرهابيون) عن المبادرة إلى بدء الصراع مجدداً ضد حكومة سورية؟ إنني متشكك بعض الشيء في أن يكون لهذه المجموعات المتشظية كلها مصلحة في الحفاظ على وقف إطلاق النار”.
ووفق ماراندي، فإن الحكومة السورية تفضل أن يتعمق وقف الأعمال العدائية ويتجذر، لأن ذلك سيتيح المجال أمام سورية للتركيز على محاربة الإرهابيين.
وقال ماراندي: “إذا كانت هناك مجموعات ترغب بشكل جدي في وقف إطلاق النار، فإن ذلك سيكون أفضل بكثير بالنسبة للحكومة السورية”. وأضاف أنه سيكون باستطاعة الحكومة “خفض عديد قواتها في مناطق معينة، والتحدث عن المصالحة، ثم التركيز أكثر على مواجهة خطر التطرف”.
ومن المعروف أن إيران كانت قد أرسلت مستشارين من جهاز الحرس الثوري الإيراني الإسلامي إلى داخل القتال في سورية، كما أنها تمول المقاتلين من حزب الله اللبناني الشيعي، بالإضافة إلى ميليشيات شيعية أخرى قادمة من العراق وأفغانستان. ويلعب جهاز الحرس الثوري الإيراني دوراً مهماً ونشيطاً في القتال ضد جماعات الثوار، وفقاً لماراندي.
ويضيف ماراندي: “إنهم لا يجلسون في مكاتب… إنهم موجودون في الميدان. إنهم ينخرطون في العمل بشكل عميق”.
ولم تكن محادثات السلام بين الحكومة والمعارضة السورية قد وصلت إلى أي مكان حتى الآن، فيما يعود في جزء منه إلى النجاحات العسكرية الأخيرة التي حققتها قوات الحكومة. وتعتقد القوات الموالية للأسد بأنها هي صاحبة اليد العليا في هذه المرحلة، وترى قليلاً من الحاجة إلى التوصل إلى تسوية سلمية في الوقت الراهن.
لكن الفصيل الواحد الذي ربما تكون حكومة الأسد حريصة على عقد صفقة معه هو الأكراد السوريون. وقد استطاعت القوات الكردية، بقيادة وحدات حماية الشعب، تأمين شريط أرض متصل جغرافياً تقريباً في شمالي سورية، على طول الحدود الجنوبية التركية، بعد أن تمكنت من طرد مقاتلي “الدولة الإسلامية” من المنطقة.
وكانت الحكومة السورية والقوات الكردية قد توصلوا إلى اتفاقيتهم الخاصة لوقف إطلاق النار من دون أن يصبحوا حلفاء سياسيين. وفي أكبر مدينة في المنطقة الكردية، القامشلي، على سبيل المثال، هناك تواجد مسلح صغير للحكومة السورية، وهي تسيطر على المطار بينما تدير وحدات حماية الشعب باقي المرافق في المدينة.
تجدر الإشارة إلى أن الفرع السياسي لوحدات حماية الشعب يعمل تحت قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي التابع لحزب العمال الكردستاني في تركيا، وهو حركة يسارية خاضت حرب عصابات على مدار عقد كامل ضد الدولة التركية. كما واجهت الحكومة الإيرانية هجمات مسلحة شنها عليها تنظيم تابع لحزب العمال الكردستاني في منطقتها الكردية الخاصة، ولذلك السبب نجدها تخطو بحذر وأناة في المسائل المتعلقة بالأكراد.
ترجمة:عبدالرحمن الحسيني
صحيفة الغد