لم يتغير النظام الإيراني، العالم هو الذي تغير

لم يتغير النظام الإيراني، العالم هو الذي تغير

_75699_ii3

لا يحب كواسي كوارتينغ الجلوس في الأماكن المغلقة كثيرا، لذلك فضل أن نلتقي في مقهى البرلمان رغم ضجيج الأعضاء والزوار الذين يأتون إلى هنا لاحتساء القهوة أثناء فترة راحتهم.

صوته الجهوري غطى على الضوضاء المحيطة عندما طرحت عليه سؤالا يبدو أنه استفزه كثيرا. قال كوارتينغ، المعروف داخل قاعة مجلس العموم بين زملائه بمزاجه المرح وانفتاحه الذي يخلو أحيانا من الخجل، إن مخاوف المسؤولين الخليجيين تتركز في اعتقادهم بأن “ثورة دبلوماسية” حدثت في المنطقة، “فقبل 30 عاما كان الغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة، داعما يمكن الوثوق به للوقوف إلى جانب الإسلام السني، الآن يبدو الغرب أقل حماسا لاستمرار هذا الدعم، بينما بات على استعداد لتغيير تحالفاته باتجاه الإسلام الشيعي، خصوصا الولايات المتحدة التي تساند هيمنة إيران على المنطقة. هذه مخاوفهم وأعتقد أن جزءا كبيرا منها صحيح”.

ويرى أن الإيرانيين الآن “يستطيعون أن ينظروا عبر الـ15 عاما الماضية ويروا ما حققوه اليوم ويطمئنوا كثيرا على مستقبلهم في المنطقة، بعد أن تمكنوا بالفعل من إحكام السيطرة على 4 عواصم عربية (صنعاء، بغداد، دمشق وبيروت)”.

لكن الإصلاحيين تمكنوا هذا العام، لأول مرة، من صعود هرم السلطة من أسفل، بعدما اعتادوا أن يهبطوا عليه بمظلة من أعلى عبر تولي الإصلاحيين هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي الرئاسة، قبل أن تعود إليهم بعد نجاح حسن روحاني في الانتخابات التي أجريت عام 2013.

ورغم ذلك لا تبدو هذه الخطوة جوهرية لتغيير فلسفة الحكم في طهران في نظر كوارتينغ، الذي يشغل منصب نائب الرئيس في مجلس الشرق الأوسط التابع لحزب المحافظين إلى جانب عضويته في مجلس العموم.

وقال أثناء احتساء رشفة من كوب قهوة ساخن كان قابعا على الطاولة أمامه “يثير اندهاشي حديث الناس عن أن الإصلاحيين كسبوا الانتخابات وأن ذلك من شأنه أن يتسبب في انحسار نفوذ المحافظين، لكن إذا نظرت إلى الصورة من بعيد فستجد أن كل هؤلاء مازالوا يخضعون لرغبات المرشد الأعلى. الفكرة تكمن في لقب ‘المرشد الأعلى’، ما يعني أننا أمام نظام ديني متشدد لا مجال للحديث عن أي اعتدال بين صفوفه”.

وتمكن المعتدلون من حصد 30 مقعدا مخصصة لطهران في مجلس الخبراء المسؤول عن اختيار المرشد الأعلى القادم خلفا لآية الله علي خامنئي (76 عاما) الذي يعاني من سوء حالته الصحية. كما خسروا مقعدا واحدا فقط من مقاعد مجلس الشورى في العاصمة لصالح المتشدد البارز أحمد جنتي رئيس مجلس صيانة الدستور، بينما حصدوا جميع المقاعد الباقية.

ومع ذلك، لا يرى كثيرون ومنهم كوارتينغ، أن هذه الانتخابات تحمل جديدا.

وقال “يجب أن نأخذ ما يحصل في إيران على محمل الجد. لم يحدث أي تغيير جذري في المؤسسات التي مازالت تدار بواسطة رجال دين متشددين. عندما تسير في شوارع طهران تجد هؤلاء الذين يرتدون عمامة بيضاء الأقل درجة من أولئك الذين يضعون فوق رؤوسهم عمامة سوداء. لن يختفي كل هؤلاء فجأة لأننا نريدهم أن يختفوا”.

الغرب يفضل الانسحاب الهادئ بدلا من الانخراط المنفعل الذي تقوم به روسيا اليوم في المنطقة

وتبعت الانتخابات الإيرانية حملة إعلامية واسعة لتحسين صورة إيران التي طالما هيمن عليها الالتباس في الغرب عندما كانت تقبع في الركن البارد من العالم خلال فرض عقوبات اقتصادية قاسية عليها لإصرار طهران على المضي قدما في برنامجها النووي.

ولم تكن هذه الحملة أو إلحاح علي، المعلم العراقي الشيعي الذي يشرف على تعليم كوارتينغ اللغة العربية، كافية لإقناعه بأن مقاومة النفوذ الإيراني في المنطقة هي مجرد حملة على الطائفة الشيعية.

ومنذ توقيعها لاتفاق نووي نهائي مع القوى الغربية في يوليو الماضي، تتبنى إيران مساعي حثيثة لتغيير انطباعات الغرب عن أجندتها الراديكالية.

ويرى كوارتينغ أنه بعد توقيع الاتفاق النووي يحاول الإيرانيون أن يجعلوا العالم ينسى أنهم الصورة الأولى للحكم الإسلامي الثيوقراطي في المنطقة. ويقول “عندما اندلعت الثورة الايرانية وعاد آية الله الخميني إلى طهران كان النظام الذي أقامه يعبر وحده حينها عن فكرة الاسلام السياسي المتشدد، لأنه ببساطة كان النظام الإسلامي الوحيد في المنطقة. في مصر كان أنور السادات مازال يحكم، في العراق كان صدام حسين رئيسا، وفي ليبيا كان معمر القذافي أيضا، لم يكن هناك أي منافس لهذه الصورة المتشددة، لذلك لم نعجب نحن في الغرب بهذا الشكل الجديد للحكم”.

وأضاف “الآن اختلف الوضع كثيرا، أصبح لدينا تنظيم اسمه القاعدة، ثم وقعت أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، وصارت التفجيرات التي تجري على أسس طائفية في الشرق الأوسط أمرا عاديا، ثم ظهر تنظيم داعش الذي تمكن من أن يصدّر لنا أفظع الجرائم التي عرفتها المنطقة. تبدو إيران اليوم، مقارنة بكل هؤلاء المجانين، جميلة. ويبدو نظام الحكم في طهران معتدلا إلى حد كبير. هذا ما يريدون إيصاله إلينا، لكن الحقيقة هي أن النظام الإيراني لم يتغير، غير أن كل ما في الأمر أن العالم حوله هو الذي تغير. وهذا ببساطة ليس مبررا كافيا لأن تجعل شيئا طالما كنت تعتقد أنه قبيح يبدو فجأة جميلا”.

الخليج.. حليف مغدور

شكّلت هذه الحملات الدعائية الإيرانية توجسا عربيا واسعا، وظهرت نتائجها بعدما قررت السعودية ودول خليجية وعربية قطع علاقاتها مع إيران إثر إحراق متظاهرين لمقر السفارة السعودية في طهران احتجاجا على إعدام الشيخ الشيعي السعودي نمر النمر مطلع العام.

وشنت وسائل إعلام غربية هجوما واسع النطاق على السعودية التي تتهمها تقارير بنشر الفكر الوهابي المتشدد في المنطقة، وفي المقابل بدت لهجة الغرب مرنة تجاه سياسات إيران الطائفية.

وتحول الصراع بين الرياض وطهران إلى عصب السياسة في الشرق الأوسط الذي يشهد نزاعات مسلحة في اليمن والعراق وسوريا وليبيا، واحتقانا سياسيا وطائفيا في لبنان.

ويقول كوارتينغ، الذي يستعد خلال أسابيع للقاء مسؤولين سعوديين كبار في الرياض، إنه يكنّ للسعودية احتراما كبيرا، لكنه مازال غير قادر على الاعتقاد بأن المسؤولين هناك “قادرون على لعب دور قيادي يجمع المنطقة على المستوى الاستراتيجي. رغم أن موقفهم المالي جيد، لكن أرى أنه ليست لديهم القدرة، إلى الآن، على تقديم سياسة فاعلة في المنطقة، أو تصور استراتيجي يمكن أن يشكل بديلا نعول عليه”.

رغم ذلك يتخوف كوارتينغ من الشعور بالثقة الذي يهيمن على المسؤولين الإيرانيين بعد “الانقلاب في العلاقات الإيرانية مع المحيطين الخارجي والإقليمي في أعقاب توقيع الاتفاق النووي، لذلك فإن الوقت الآن قد حان كي تظهر القوى الغربية دعمها ومساندتها لحلفائها في الخليج، لأن الخليجيين يشعرون الآن بأنهم تحت ضغط هائل من قبل إيران”.

ويقر كوارتينغ ومعه سياسيون آخرون في الغرب بأن إيران هي الرابح الوحيد من الاتفاق النووي، وأن مكاسب الدول الأخرى من هذا الاتفاق لا تبدو واضحة.

وبغض النظر عن المكاسب من وراء الاستراتيجية الغربية الجديدة، كان من الممكن لعدة عواصم عربية العمل على احتواء إيران “إن توفرت الإرادة”، كما يؤكد كوارتينغ الذي يرى أيضا أن “الغرب يفضل الانسحاب الهادئ بدلا من الانخراط المنفعل الذي تقوم به روسيا اليوم في المنطقة”.

ويشعر الكثيرون في الغرب بأن كل التدخلات التي قامت بها دولهم في المنطقة خلال الخمسة عشر عاما الماضية كانت فاشلة ومكلفة في الأموال والأرواح “لذلك فإن هذا الجيل من السياسيين الغربيين لا يمتلك أي دوافع نفسية أو استراتيجية للتورط أكثر في أزمات المنطقة، خاصة الملف السوري الشائك”.

سوريا رهينة الجهاديين

كانت “استراتيجية الانسحاب” التي اعتمدها الغرب مقدمة لاكتفاء أغلب دوله بشعارات تدعو إلى رحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة، من دون أن تترجم هذه الشعارات إلى خطوات عملية تفضي إلى حل للأزمة التي راح ضحيتها قرابة 300 ألف شخص.

لكن مع دخول الأزمة عامها السادس خفتت حدة الأصوات الغربية المعادية للأسد كثيرا بعدما وصل العام الماضي أكثر من مليون لاجئ إلى أوروبا، التي تخشى أن تؤدي موجات اللجوء المتتابعة إلى انهيار اتفاقية حرية التنقل (شنغن)، أحد أهم مكتسبات الاتحاد الأوروبي.

ويصر كوارتينغ على “التعاطي مع الأزمة السورية ببراغماتية”. ويقول “عندما كنا نصر على أن يرحل الأسد، لم يكن تنظيم داعش قد ظهر كلاعب رئيسي على الساحة، لكن مع بداية عام 2014 وقف الغرب فجأة ليرفع حاجبيه، وطرحنا على بعضنا البعض التساؤل المهم: من هؤلاء؟ وهنا بدأت حدة مواقفنا تقل تجاه الأسد”.

وأضاف “في النهاية وصلنا إلى معادلة صعبة عناصرها هم داعش وقوات المعارضة التي تعاني ضعفا شديدا، والأسد، لكن التدخل العسكري الروسي في سوريا كان بمثابة ‘رصاصة الرحمة’ التي أطلقت على أي دعم فعال من قبل الغرب للمعارضة السورية”.

يرى كوارتينغ، الذي يفضل الذهاب بين الحين والآخر إلى القاهرة حيث تجمعه بالمسؤولين صداقات وثيقة، ويرى في شوارعها جس نبض لما يحدث في المنطقة بأسرها، أن مشكلة الشرق الأوسط اليوم هي أنه “غطس حتى عنقه في مستنقع الإسلام السياسي”.

وقال “المشكلة اليوم أن كافة هذه التنظيمات الإسلامية باتت مسلحة في عدة دول في المنطقة. القوى التي تقاتل ضد الأسد على سبيل المثال بدأت علمانية ثم تحول أغلبها إلى قوى إسلامية تكفيرية بدءا بداعش وجبهة النصرة (ذراع تنظيم القاعدة في سوريا)، وصولا إلى جيش الإسلام وأحرار الشام وجيش الفتح وغيرها”.

وأكد “بعد مرور كل هذه السنوات على بدء الأزمة، مازلنا اليوم نبحث عن ‘الشريحة العلمانية في الكعكعة’ لكن دون جدوى، لماذا؟ لأنك إن كنت حقا علمانيا لم تكن لتقاتل لمدة خمس سنوات متواصلة. عادة ما يبحث البراغماتيون عن العودة إلى حياتهم الطبيعية”.

من ارتكبوا جريمة تعذيب وقتل جوليو ريجيني هم “عناصر مارقة” مرتبطة بالحكومة المصرية

مصر على ضفة المستنقع

لم يعد الحديث داخل اجتماعات السياسيين الفخمة في أبنية لندن التاريخية عن ضرورة بقاء الأسد شيئا مخجلا كما كان في السابق، بل بدأ يضفي على صاحبه نوعا من الشعور بالمسؤولية والتمتع برؤية استراتيجية ثاقبة.

وكان دفاع أحد السياسيين الغربيين عن الأسد قبل عامين كفيلا بوصمه باللاأخلاقي. واليوم يميل الأغلبية إلى الرؤية القائلة إن على العالم مواجهة التنظيمات الجهادية أولا قبل الحديث عن رحيل الأسد أو بقائه.

وكانت مصر إحدى الدول التي تبنت هذا الموقف منذ أن تحولت الاحتجاجات السلمية في سوريا إلى حرب أهلية عنيفة استقطبت جهاديين من كل أنحاء العالم.

ويقول كوارتينغ “أعتقد أن الحكومة المصرية تميل أكثر إلى الأسد، لأن هؤلاء المتشددين هم بالضبط الأعداء بالنسبة إلى القاهرة. المسؤولون في مصر لا يحبون أن يشاهدوا رجلا بلحية طويلة يحمل سلاحا. لذلك لو انحصر الاختيار بين الأسد وشيوخ متشددين مسلحين يصيحون ‘الله أكبر’ فبالطبع سيذهبون إلى الأسد. وأنا في الحقيقة متعاطف جدا مع هذا التوجه”.

وقال “الآن يحاول (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين تمديد عضلاته، وعندما بدأ الغرب ينتبه إلى الدور الذي يلعبه في المنطقة بعد أن رأينا 6 قادة عرب معا في موسكو صيف 2015. كان ذلك مروعا بالنسبة إلينا”.

وأضاف “أعتقد أن القادة العرب كانوا يعلمون بقرب تدخل بوتين العسكري في سوريا”. وأكد “علينا أن نتعامل مع الواقع، لأن الأسد، خصوصا مع الدعم الروسي القوي الذي يحظى به، لن يختفي بين ليلة وضحاها. لذلك علينا أن نتحلى بمقاربة أكثر مرونة”.

وبدأت روسيا قبل أيام في سحب الجزء الأكبر من قواتها التي مهدت الطريق أمام الجيش السوري لتحقيق مكاسب غير مسبوقة جعلته يمتلك زمام المبادرة على أغلب جبهات القتال، خاصة في محافظة حلب الاستراتيجية.

وأثناء تنفيذ قرار سحب القوات من سوريا، كان وزير الخارجية المصري سامح شكري يبحث عن تعزيز العلاقات بين روسيا ومصر التي كانت بوابة انطلاق نفوذ بوتين في الشرق الأوسط خلال زيارته للقاهرة في فبراير 2015 التي حظي فيها باستقبال امبراطوري.

وأثناء تعزيز العلاقات مع روسيا، كانت روابط مصر بالغرب التي ظلت متماسكة خلال ثلاثين عاما من حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، تتراجع إلى حد كبير.

ويقول كوارتينغ إن “المشكلة الكبيرة الآن في العلاقات المصرية البريطانية هي موضوع شرم الشيخ وإسقاط الطائرة الروسية، وهو ما نحاول إصلاحه الآن. والمشكلة الثانية هي موضوع جوليو ريجيني، ولأنه إيطالي فإن الحكومة الإيطالية هي من تقود الجهود مع الحكومة المصرية لاكتشاف ما حدث له، لكنه أيضا كان طالبا في جامعة كامبريدج التي تخرج منها والتي تحظى باحترام واسع”.

وأضاف “أعتقد أن من ارتكبوا هذه الجريمة هم ‘عناصر مارقة’ ترتبط بالحكومة المصرية، لكني لا أتصور أن الحكومة هي من منح الضوء الأخضر لفعل هذا. أحب مصر وأعرف المسؤولين المصريين جيدا. هم أقوياء بالفعل، لكن لا أعتقد أنه من الممكن أن يقدمون على فعل شيء مجنون كهذا”.

وتبحث مصر على الاستقرار. ومنذ إطاحة الجيش بالرئيس المنتمي إلى الإخوان المسلمين، محمد مرسي، إثر احتجاجات شعبية حاشدة طالبت بتنحيه، تواجه مصر موجة تشدد قوية في شبه جزيرة سيناء، امتدت لاحقا إلى القاهرة ومدن مصرية أخرى، وأسفرت عن مقتل المئات من رجال الأمن والآلاف من المتشددين.

ومنذ يناير الماضي تكافح مصر للخروج من أزمة شح في الدولار، ومعدلات تضخم غير مسبوقة، كما تحاول إغراء المستثمرين الأجانب الذين عزفوا عن ضخ رؤوس أموال في السوق للعودة مجددا للاستثمار في البلد.

ويقول كوراتينغ “أنا مهتم جدا بما يحدث في مصر، لأنها ببساطة كانت من الممكن أن تنزلق في نفس مستنقع سوريا وليبيا والعراق إن تمكن الإخوان المسلمون من اختراق الجيش وإثارة أتباعهم في داخله، كان من الممكن لذلك الانزلاق أن يحدث، لكن ما حدث في مصر هو أن التاريخ الطويل والاستقرار النسبي للمؤسسات منعاها من الدخول في حرب أهلية نراها الآن في أكثر من دولة”.

وأضاف “المؤسسات المصرية اليوم تتعاطى مع المجتمع المدني بشيء من القسوة، وأحيانا تتخطى الحدود المقبولة للقوة الضرورية لإعادة الاستقرار، الذي نراه فقد نسبيا أكثر من أي وقت مضى خلال الخمسة أعوام الماضية”.

لكن اختفاء رجيني، الشاب الإيطالي الذي كان يدرس النقابات العمالية المصرية كجزء من درجة الدكتوراه التي كان يسعى للحصول عليها من الجامعة الأميركية بالقاهرة، والعثور على جثته على جانب إحدى الطرق السريعة لاحقا، أثر على العلاقات المصرية الإيطالية، كما تسبب في موجة انتقادات عنيفة للسلطات.

وتقول تقارير الطب الشرعي إن رجيني تعرض للتعذيب على أيدي محترفين. وتقول السلطات المحلية إنها مازالت تجري تحقيقات مكثفة حول الواقعة.

ويرى كوارتينغ أن “قتل الطالب الإيطالي خلق انطباعا سيئا للغاية. قتل الصحافيين والأكاديميين والطلبة طالما ظل شيئا مروعا. لا أعني أن حياة هؤلاء أكثر قدسية من الباقين، لكن عندما تُنشر أخبار عن قتل وتعذيب شاب ذهب ليبحث عن الحقيقة في هذا البلد، فإن ذلك يترك أثرا في نفوس الناس العاديين في الغرب. في النهاية يجب أن تحمي السلطات المصرية ضيوفها من الأجانب، لأن أي ضرر يمسهم يصبح أمرا في منتهى الحرج لها”.

التدخل العسكري الروسي في سوريا كان بمثابة “رصاصة الرحمة” التي أطلقت على أي دعم فعال من قبل الغرب للمعارضة السورية

وتصر الحكومة المصرية على عدم تورط أحد من رجال الأمن في تعذيب رجيني، ويقول الرئيس عبدالفتاح السيسي إنه ربما يكون قد قتل على أيدي جماعات “تهدف إلى تقويض العلاقات المصرية الإيطالية” التي تشهد انتعاشا كبيرا.

وفي 7 مارس الجاري اتهم وزير الداخلية المصري مجدي عبدالغفار جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس الفلسطينية بالتورط في اغتيال النائب العام هشام بركات الصيف الماضي.

وعكس هذا الاتهام إصرار السلطات المصرية على رفض أي تقارب مع حماس التي تسيطر على قطاع غزة الفلسطيني.

ويقول كوارتينغ “أعتقد أن الجيش قرر بالفعل عدم التوافق مع حماس. وصلني هذا الانطباع بقوة خلال زيارتي إلى مصر مؤخرا. قادة الجيش المصري يرون فيما بينهم أن قادة حماس إرهابيون يحرصون على أن يكونوا جزءا من تنظيم الإخوان المسلمين، ويرتبطون جميعا بعمليات إهرابية، ولا يبدو أن لدى قادة الجيش وقتا للحديث مع هذه العناصر في المستقبل المنظور”.

وأضاف “النظام المصري وصل إلى قناعة بأنه أمام ‘معادلة صفرية’ جوهرها أنك لا تستطيع الحديث مع الإخوان المسلمين لأنهم سيحاولون على الدوام تحطيمك”.

وكان ملف الإخوان المسلمين حاضرا بقوة على طاولة المباحثات التي جرت في نوفمبر الماضي بين السيسي ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في لندن.

لكن نهاية الزيارة لم تكن سعيدة بالنسبة إلى السيسي، إذ أعلنت الحكومة البريطانية أن تفجير طائرة الركاب الروسية التي فوق سيناء في أكتوبر الماضي وراح ضحيته 224 شخصا، تم بقنبلة من قبل جماعات متشددة.

وقال كوارتينغ “لا أتصور أن السيسي مازال يحظى بنفس الدرجة الشعبية التي كان يحظى بها إبان احتجاجات 30 يونيو 2013، لكني مازلت أعتقد أن توقيت الإعلان عن أن الطائرة الروسية تم إسقاطها أثناء زيارة السيسي إلى لندن في نوفمبر الماضي خطأ فادح من قبل المسؤولين البريطانيين”.

ليبيا شبيهة بسوريا

شهدت زيارة السيسي، التي قابله خلالها كوارتينغ مع مجموعة أخرى من السياسيين البريطانيين، أيضا حديثا مكثفا عن التدخل العسكري الغربي في ليبيا.

النظام المصري وصل إلى قناعة بأنه أمام “معادلة صفرية” جوهرها أنك لا تستطيع الحديث مع الإخوان المسلمين لأنهم سيحاولون على الدوام تحطيمك

وبعد انتهاء زيارتهم إلى القاهرة مؤخرا، قال لي أحد أعضاء لجنة العلاقات الخارجية في مجلس العموم في لندن إن دبلوماسيا مصريا لخص علاقة بريطانيا بما يجري في ليبيا عندما قال إن لندن “لم توفر لليبيين خدمة ما بعد البيع”.

وكان الدبلوماسي المصري يشير بحنكة إلى مشاركة حلف الناتو في إسقاط نظام معمر القذافي قبل نحو خمسة أعوام، ثم انصراف الغرب عن أحداث تسببت لاحقا في دخول البلاد إلى أتون صراع مسلح.

وعلى إثر هذا الصراع، تمكن تنظيم داعش من السيطرة على مدينة سرت، مسقط رأس القذافي، وبات يشكل تهديدا للحكومة الهشة ومؤسساتها المنهارة.

وتصاعدت دعوات الليبيين للغرب إلى التدخل عسكريا لمواجهة عناصر داعش وتنظيمات متشددة أخرى تنشط في مدينة بنغازي.

لكن كوارتيغ مازال يعتقد أن “في ليبيا مشكلة رئيسية وهي انهيار مؤسسات الدولة، لذلك فإن قتل مجموعة من الناس الذين يحملون أفكارا متشددة لن يحل مشكلة تدمير المؤسسات المدنية للدولة، من الممكن أن يكون عنصرا من عناصر الحل، لكنه ليس الحل في حد ذاته”.

وأضاف “الأمر لا يختلف كثيرا عن سوريا. هناك لدينا ثلاث مجموعات رئيسية: داعش، المعارضة السورية التي تتكون أساسا من مجموعات تكفيرية، والجيش السوري. في ليبيا أيضا لدينا داعش، وقوات خليفة حفتر التي تمثل الجيش الليبي، بالإضافة إلى مجموعات أخرى من الإسلاميين المتشددين المتحالفين مع الإخوان المسلمين في طرابلس، الذين يحظون بدعم تركيا وقطر. ماذا نستطيع أن نفعل في وسط كل هذه الفوضى؟”.

أحمد دوح

صحيفة العرب اللندنية